بُنيت عام 1891 وتُوّجت بجائزة أفضل تصميم عالمي

قلعة الجاهلي..شاهدة على مآثر الأجيال في الإمارات

صورة للقلعة تعود إلى عام 1948 التقطها الرحالة البريطاني مبارك بن لندن

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحفل مدينة العين الخضراء بالعديد من الأماكن القديمة والعريقة، ولكل منها ماضٍ يدعو إلى الفخر، ولكل منها أيضاً قصة خاصة تُروى بأحرف الاعتزاز، ومنها قلعة الجاهلي التي توفر للزائر اليوم فرصة فريدة لتجربة ومعايشة تفاصيلها المنسوجة بعراقة. لِم لا؟ وهي تعد من كبرى القلاع التقليدية المبنية من الطوب الطيني في مدينة العين، وأحد أقدم المعالم التاريخية في دولة الإمارات، حيث تحظى بمكانة مهمة في تاريخ وحضارة مدينة العين ودولة الإمارات ككل.وتبرز أهميتها التاريخية من خلال بنائها من قِبَل الشيخ زايد بن خليفة (زايد الأول) في عام 1891، وانتهى من بنائها في عام 1898 (1316هـ)، وهو التاريخ المسجل على لوحة خشبية علّقت عند مدخل القلعة.

«البيان» زارت قلعة الجاهلي، وكان في استقبالها طارق جمعة البلوشي، منسق خدمات الزوار في القلعة، الذي شرح تفاصيلها الثرية، إلى جانب تطرقه إلى النقطة الأهم، وهي الأمور التي أهّلت قلعة الجاهلي لتنال جائزة «تيرا» العالمية.

أقدم المعالم

واستخدمت قلعة الجاهلي مقراً للقوات المسلحة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة الشرقية من إمارة أبوظبي والدفاع عن الحدود الشرقية للبلاد منذ منتصف الخمسينيات حتى قيام اتحاد دولة الإمارات في 1971، حيث خضعت القلعة لعمليات ترميم عبر السنين حتى افتتحت أبوابها عام 2008 متحفاً للزوار.

وأوضح طارق البلوشي أن القلعة كانت في البداية مقراً لإقامة العائلة الحاكمة في أشهر الصيف بعيداً عن حرارة الساحل ورطوبته، ثم أصبحت فيما بعد رمزاً للاستقرار السياسي الذي رسّخه الشيخ زايد بن خليفة (زايد الأول) خلال فترة حكمه (1855– 1909).

وفي مطلع عام 1955 حتى عام 1971، استخدمت القلعة مقراً للقوات المسلحة في المراحل الأولى من تأسيسها التي اضطلعت بتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة الشرقية من إمارة أبوظبي والدفاع عن الحدود الشرقية للبلاد. وفي عام 1975، بدأت دائرة الآثار والسياحة في العين، التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، في عملية ترميم القلعة للمحافظة عليها وتأهيلها ثقافياً وسياحياً، لتكون قادرة على القيام بهذا الدور التنموي. وفي فترة الثمانينيات، تغير استخدام القلعة مرة أخرى، فأصبحت ساحتها الكبيرة مكاناً لتنظيم مختلف الفعاليات الثقافية والتراثية، كما أضيف المدخل الحالي القائم بين البرجين الكبيرين.

قلعة الجاهلي ظلت شامخة برغم تعاقب السنين | تصوير: عمران خالد

 

تفاصيل غنيّة

وأضاف البلوشي: «تتكون قلعة الجاهلي من مبنيين رئيسين، هما القلعة المربعة والبرج الدائري، وتوجد القلعة المربعة في الربع الشمالي من مبنى قلعة الجاهلي، وتشكّل الجزء الأساسي منه، وطول ضلعها 35 متراً، ولها أربع واجهات تعلوها فتحات للبنادق، وصفٌّ من الشرفات المثلثة. تم بناؤها من قبل الشيخ زايد الأول ما بين 1891 حتى 1898.

وتضم القلعة المربعة الأصلية أبراجاً دائرية في ثلاث من زواياها، في حين تحتضن الزاوية الرابعة مجلساً للشيخ يمارس فيه مهامه اليومية ويستقبل فيه الضيوف الرسميين والمواطنين في الفترتين الصباحية والمسائية. أما البرج الدائري، فهو منفصل، ويقع على بعد 50 متراً إلى الشمال الغربي من القلعة، ويتكون من أربع طبقات متحدة المركز.

وصُمم هذا البرج الفريد بطابع معماري مميز يتناغم وعناصر البيئة المحلية، ويعكس تصميمه تقليداً قديماً مرتبطاً بتحصين واحات العين، حيث تم العثور على برج دائري الشكل من التصميم نفسه، يعود تاريخه إلى آلاف السنين في موقع هيلي الأثري.

هندسة متناهية في الدقة استطاعت أن تحرز أغلى الألقاب

 

ومن المرجح أن يكون هذا البرج أقدم من القلعة المربعة ذاتها، ويبدو أنه كان في الأصل برجاً بسيطاً للمراقبة تم تعزيزه فيما بعد بالتحصينات لحراسة الواحة وحمايتها من المغيرين. وفي وقتنا الحاضر، أصبح هذا البرج في قلعة الجاهلي رمزاً حضارياً من رموز الدولة.

جائزة تيرا

نالت قلعة الجاهلي جائزة «تيرا» العالمية في الدورة الـ12 للمؤتمر الدولي للعمارة الطينية لأفضل تصميم ومخطط داخلي لمبنى طيني معاصر في عامنا الجاري. وتعتبر الجائزة أول جائزة تمنح للهندسة المعمارية الترابية المعاصرة برعاية من المجلس الدولي للمتاحف التابع لمنظمة اليونيسكو.

 

وجهة ثقافية ومعلم بارز للزوار والسياح

أشرفت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة على إعادة ترميم القلعة التي اعتبرتها وجهة ثقافية ومعلماً سياحياً بارزاً يستقطب الزوّار والسائحين في مدينة العين.

واتبع التصميم الهندسي الجديد للقلعة المخطط التاريخي القديم للقلعة والمنافذ الأصلية للمباني التاريخية، فالأروقة التي أضيفت خلال الثمانينيات تم إغلاقها بالزجاج، فيما أنشئت أماكن جديدة لتنظيم العروض، إلى جانب مركز خاص بالزوار.

القلعة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة

 

كما اعتمدت عملية البناء على حجارة الطين التقليدية وجبس الطين وسعف النخيل، مع إعادة استعمال المواد القديمة المتوافرة إذا تطلب الأمر ذلك.

وللتحكم في درجة الحرارة داخل المباني، تم الجمع بنجاح كبير بين التكنولوجيا الحديثة وبعض من أقدم الطرق التي عرفها الإنسان، مثل طوب الطين الذي يعد من مواد البناء القديمة، وله خاصية عزل مميزة، حيث يساعد على إبقاء حرارة النهار خارجاً، ويعادل الفرق بين درجات حرارة النهار والليل.

وأضيف على هذا التحكم الطبيعي في درجات الحرارة دمجُ أنابيب المياه الباردة داخل جبس طين الجدران. وهذا المزيج المتكون من جدران الطوب الطيني والمياه الباردة المتدفقة داخل الأنابيب يساعد على إبقاء درجة الحرارة الداخلية عند حد مريح وثابت لا يتجاوز 22 درجة مئويـة.

Email