بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لرحيل الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس الدولة وباني نهضتها الحديثة، التي تتزامن مع التاسع عشر من رمضان كل عام، أصدرت «البيان» كتاباً بهذه المناسبة يوثق محطات مضيئة من سيرة الوالد المؤسس ومسيرته الخالدة.
وجاء الكتاب تحت عنوان «قصة زايد الإنسان ترويها البيان»، ويسرد تاريخ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ النشأة وتوليه حكم العين حتى تأسيس الاتحاد، مروراً بحكم أبوظبي ودوره السياسي الكبير في فترة الإمارات المتصالحة، ويعيد هذا السرد مواقف زايد الخير الوطنية والدولية، ومن صنع التاريخ من خلال مواقفه وأعماله وإنسانيته ومُبادراته وإنجازاته الرائدة.
مُلهم الأجيال
حول هذا الإصدار، قالت منى بو سمرة، رئيس التحرير المسؤول في «البيان»: إن هذا الكتاب يحتفي بقائد استثنائي وذكرى خاصة، لما تحمل من دلالات، فالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي ترجل في التاسع عشر من رمضان من عام 1425 للهجرة، الموافق 2 نوفمبر من عام 2004، وهي ذكرى لها دلالاتها العميقة في وجدان كل إماراتي، بل وفي الوجدان العربي والعالمي، صنع التاريخ بحكمته وقيادته، فكان قائداً استثنائياً، ترك بصمته العميقة في ربوع الوطن كافة، وارتقى به نحو الازدهار، كما صنع نهضته.
وسيرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قصة ليست ككل القصص، مليئة بالعطاء والعزيمة والتحدي، ملهمة للأجيال بما تقدمه من تضحيات المؤسسين في سبيل بناء الوطن ورفعته وتقدمه.
وهذا الكتاب رأت «البيان» إصداره في يوم العمل الإنساني، تذكيراً بمناقب رجل الإنسانية الأول الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي غرس العطاء منهجاً، وتقديراً وعرفاناً لزايد الخير، راعي الدار، وحكيم العرب، الذي ارتبط اسمه بالتنمية والإنجاز، وتقديم سيرة مختلفة من بعد إنساني لهذا القائد الفذ، كما أردنا توثيقها في كتاب، دعماً وتشجيعاً لعام القراءة، وترسيخ ثقافة الكتب والمعرفة بين الأجيال، وكذلك الاطلاع بشكل قريب على تاريخنا وحضارتنا التي صنعها الآباء المؤسسون، والاحتفاء بهذا المنجز الإنساني الوطني والحضاري وتمثله والاقتداء به.
سيرة زايد
وأضافت بو سمرة: «سيرة زايد كانت ولا تزال مادة للعديد من الدراسات والكتب، وستظل كذلك لدورها الرائد، ونحن في قصة زايد الإنسان اجتهدنا لإلقاء الضوء على محطات مضيئة في حياة الوالد المؤسس، التي ستظل تنبضُ بذكره القلوب، لما قدمه لشعبه وأمته، ودوره المحوري في تاريخ المنطقة قبل الاتحاد وبعده، وما حفلت به حياته من منجزات رفعت اسم الإمارات عالياً».
سرد تاريخي
وعبر 100 صفحة وتسعة فصول يقدم كتاب «قصة زايد الإنسان» رواية عبر سرد شيق مدعم بالمعلومات التاريخية، مسار زايد، وفق توثيق مدعم بالاستشهادات والروايات الشفاهية لمعاصري زايد، وانطباعاتهم عن الأدوار المحورية التي قام بها في فترات مختلفة من تاريخ الوطن، كما تم اعتماد مراجع محكمة في روايتها وموثوقية مصادرها، إضافة إلى «أرشيف البيان» وملاحقها التي واكبت مسيرة زايد، وكذلك مراجع وكتب دعمت الرواية التاريخية، وجاء الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان «من الواحة نحو الشمس»، ويضم حياة زايد في العين، وحين بزغ التاريخ، بعد حكمه للمنطقة الشرقية 1946 فبرزت خصال القائد البطل، وصاحب المآثر المحفورة على جبين التاريخ، ووفق استدعاءات سردية مختلفة للمرحلة ينقلنا الكتاب إلى ميلاد بطل الأمة، طيب الله ثراه، في العام 1918 في قصر الحصن في أبوظبي، ويقدم نبذة عن مساره الحافل بين أبوظبي والعين، هذه الأخيرة التي قصدها شاباً، فاتضحت شخصيته كزعيم بشكل لافت، وبدأ يستقطب أتباعاً واحتراماً، لما يتميز به من خصال وعدل وكرم، كما يقدم هذا الفصل تشابه الزايدين؛ الأول والثاني، فزايد الكبير برز كقائد وحدوي حل النزاعات القبلية في المنطقة وذكرت الوثائق التاريخية ما كان يتسم به من نفوذ.
ويستدعي الفصل الأولى المراحل الباكرة من نشأة زايد ودورها في بلورة شخصيته، وتكوينه الشخصي والقيادي، فقد تعلم من منابع الدين الحنيف، وخاصة القرآن، فأثر في نفسه، كما تعلم أصول الفروسية في المجتمع الصحراوي، وما تقدمه مدارسها من قيم.
فارس الصحراء والحضارة
وفي الفصل الثاني من الكتاب، الذي جاء تحت عنوان «ابن الصحراء وفارسها»، يقدم هذا الفصل، لمحات من حياة زايد، وهواياته وروحه الشغوفة بالطبيعة، وأثر ذلك على حياته، وإنجازاته، فمن أعماق الصحراء كتب زايد صفحة مشرقة جديدة، وحولها خلال سنوات إلى جنان خضراء، كما اكتنز زايد بكل ما تحمل هذه الصحراء من قيم، وما تقدمه مدارسها من صبر وشهامة ونبل، فكان زايد الرجل الذي عاش في الصحراء كل صباه وشبابه، لكنه مارس الإدارة والتسيير على أعلى مستوى.
ويدعم هذا الفصل روايته بشهادات تاريخية لرحالة زاروا المنطقة في فترات مختلفة وكتاباتهم عن زايد وتقديره من طرف البدو في المنطقة، ومكانته كزعيم بينهم، وكذلك اهتمامه في كافة فترات حياته بالأرض ونمائها، وكذلك موروثها من رياضات بدوية، كركوب الإبل والخيل، ورياضة الصيد بالصقور التي كانت أثيرة على قلبه، لما فيها من صبر.
قاهر التحديات
ويصف الفصل الثالث الذي حمل عنوان «نحو إمارات واحدة» تجربة ومسيرة زايد الحافلة بالعطاء والتحديات والإنجاز، ويلقي الضوء على محطة محورية هي حكمه لأبوظبي سنة 1966، وتغييره لحياة سكانها، ونقلها من منطقة نائية ومعزولة إلى قبلة العالم، وكذلك دوره وسعيه الوحدوي في إطارات الإمارات المتصالحة، وما قام به من جهود تطويرية في ذلك، وتأسيسه لمكاتب التطوير في المناطق الشمالية وتوفير الإمكانات لتغيير حياة الناس.
كما يروي هذا الفصل جهوده في المنطقة عموماً، وحكمته وحسن إدارته للأزمات وتصرفه في التعامل مع الآخرين، استطاع زايد كسب الصداقة وبسط حسن الجوار مع حكام الإمارات والدول المجاورة.
تأسيس الاتحاد
وفي الفصل الرابع «الاتحاد الشامخ» يقدم كتاب قصة زايد الإنسان ترويها «البيان» محطة مفصلية في تاريخ الوطن وتشكل الدولة الحديثة، حيث استطاع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان برفقة أخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، وإخوانهما حكام الإمارات سنة 1971 تأسيس الاتحاد وصرح الدولة الحديثة التي أرست قيم المؤسسات والحداثة.
ويقدم إضاءات على فكر زايد وراشد الوحدوي ودورهما في النهضة التي شهدتها البلاد، فمنذ اللحظات الأولى لتأسيس الاتحاد؛ انطلقت عجلة العمل بواحدة من أضخم عمليات التنمية التي شهدتها المنطقة، ونذر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، نفسه، وكرس وقته لخدمة الوطن والمواطن، فالإمارات وشعبها شكلت محور اهتمامه وتفكيره، فقدم رؤية مستقبلية ثاقبة، قلما تجدها عند غيره من القادة والحكام، كان همّه الأول أبناء دولته ورفعتهم وتطور بلاده.
رجل العزيمة
«قصة زايد الإنسان»، يركن إلى جوانب مختلفة في شخصية زايد، وميزات هذه الشخصية، ونتعرف في فصله الخامس، على خصال القوة والعزيمة عند زايد والتي كانت وراء نجاحه، فصل «المتوكل العزام» يبين فلسفة زايد وروحه المؤمنة والمتوكلة، وهي الفلسفة القويمة التي آمن بها طيلة حياته، وشكلت أساساً راسخاً لمسيرته الطويلة، ومردها إيمانه العميق، بتعاليم دينه السمحة، فالمدرسة التي أبدعها وصنعها زايد لا تزال مستمرة وقائمة، عمادها القيم، التي بها ساس الناس وبالقيم تواصل مع البشرية وعلى القيم بنى هذا الوطن الخالد، فكان زايد ذاكرة التاريخ وعطره بما قام به من جلائل الأعمال، ومنجزات استعان عليها بروحه المتوكلة التي لا تعرف المستحيل.
نبع الإنسانية
في الفصل السادس، والذي حمل عنوان «نبع الإنسانية والتواضع» يقدم هذا الفصل زايد الإنسانية والعطاء عبر قصص متنوعة، فالإنسان يعجز عن الحديث عن مآثر زايد الإنسانية لأنها لا تعد ولا تحصى، فأعماله الإنسانية أثمرت خضراء في كل ربوع الوطن، كما آتت أكلها في جميع أصقاع الدنيا، فزايد كان يقدم عمل الخير لكل بلد يزوره ولا يفرق بين مسلم وغير مسلم، وذلك مبدأ إنساني راسخ عنده ونابع من قيمه السمحة، فقد طال إحسانه كل محتاج علم به بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه، فارتقى بالإنسانية إلى أسمى معانيها متمثلاً تعاليم دينه الكريمة، وما فيها من قيم الرحمة والتكافل، مقدماً العطاء في أروع صوره، فكانت مبادراته الإنسانية سباقة لنجدة المنكوب، وإغاثة الملهوف، تمسح دموع اليتامى، تشاطرهم همومهم وأحزانهم، وتخفف عنهم معاناتهم عبر العالم.
كما أرسى زايد ثقافة التطوع والعطاء، وأبناء زايد تربوا على نهج الإنسانية، وقيمها الراقية التي غرسها في نفوسهم، ولا غرو إن تم اختيار ذكراه يوماً للعمل الإنساني، فهو قوى تلك الأسس، فأصبح التطوع شيئاً فطرياً في أجيال البلاد، كما أصبحت الإمارات الداعم الأول للجهود الإنسانية في العالم.
زايد في العالم
وفي فصل «زايد الخير في العالم» يقدم هذا الفصل دور زايد الدولي الرائد، والمواقف الدولية التاريخية، سواء على المستوى العربي أو الإسلامي، فكان بذلك شخصية محورية داعية للسلام وتقوية روابط الأخوة ووشائج القربى على الصعيدين الإقليمي والدولي والعربي فضلاً عن إسهاماته المثمرة في بناء علاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل بين الشعوب ومرتكزة على مبادئ الحق والعدل والمساواة، وترسيخه لمكانة دولة الإمارات في المجتمع الدولي والتي تكشف مدى نجاح سياسة زايد التي تعتمد على الانفتاح على الدنيا، وفق مرتكزات وطنية وإنسانية هدفها الوحدة والتكامل، ويشهد بذلك السجل السياسي والإنساني والحضاري لزايد الحافل بالإنجازات، فزايد لعب دوراً كبيراً في ترسيخ قيم المحبة والتعاون بين الشعوب، وفي إعلاء شأن الإنسان وحفظ كرامته في شتى بقاع الأرض.
حكمة زايد
أما فصل «أقوال لهُ وعنه» فيقدم قراءة في الحكمة عند زايد من خلال أقواله وتصريحاته والبنية في خطابه، فزايد كلماته مليئة بالعبر رغم مرور السنوات، وهي حصاد تجربة قائد إصلاحي استثنائي بنى وطناً وأمة، كما يشكل حكمه مبحثاً خاصاً، يجود بالكثير من درر الوطنية والأصالة، وجواهر المعرفة والقيم الإنسانية، وتحفل التسجيلات المرئية والمسموعة بخلاصات ثرية من فكره، وما يتمتع به من سجايا وخصال، فهو من اتصف بالصبر والحكمة والتريث وبعد النظر والعزيمة، والمتأمل لكلماته يلمس السمات الشخصية الدقيقة والفريدة لزايد الإنسان والقائد، وما واجهه من التحديات، استعان عليها بالجلد والمثابرة. فقدم نموذجاً للتحدي والهمة.
زايد الشاعر
وحمل الفصل الأخير وجدان الشعر والقصيدة، من خلال التعرف على زايد الشاعر، الذي كان يحب الشعر ويقرضه، وتلك موهبة يجتمع فيها مع زايد الكبير، حيث روضت البادية وفضاءاتها المفتوحة أذنه وقلبه الشعري، وقد جمع ديوان الشيخ زايد الشاعر حمد بن خليفة بوشهاب، وضمّنه ما جادت به قريحته من جواهر شعرية وما حمله قلبه الرهيف من عذوبة الكلام التي تتسم بالشمولية والعمق الدلالي واللفظي وحكمة وتدفق وجداني، كما كان زايد موسوعة شعرية يحفظ الكثير من شعر السابقين، وكان عليماً بمفردات البداوة وبحور الشعر النبطي، يستفز قرائح الشعراء، ويتعمد مساجلتهم، ومن ضمن ذلك مساجلاته مع شعراء أفذاذ، كما يقدم الفصل مناقب زايد في الشعر، وتغني الشعراء بسجاياه وتمثلها شعرياً، فحين رحل زايد بكته القصائد الفصيحة والنبطية في الإمارات والخليج والعالم العربي، وعبرت عن خلود سيرته وحكمته، وإنجازاته وعطائه الذي لا يمكن أن ينسى أو يمحى من الذاكرة.


