حديثو الولادة والمسنون الأكثر عرضة للإصابة والتطعيمات جدار الوقاية

"الإنتان الدموي" قاتل بعد "الساعة الذهبية"

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يحاصر المصابين بالموت عقب مرور «الساعة الذهبية».. هذا ما يصف به المختصون مرض الإنتان الدموي، القاتل المفاجئ الذي يتسلل إلى دماء المرضى في غفلة من جهاز المناعة أو ضعف منه لا سيما عند من يبالغون في تناول المضادات الحيوية بغير دواعٍ طبية حقيقية، أو يتسلق المرض على جدران التهاون بالتطعيمات لا سيما لصغار السن أو المسنين.

وتظهر خطورته بجلاء إذا علمنا أن هناك حالة وفاة تحدث يومياً في مستشفيات الدولة بسبب الالتهاب الجرثومي «الانتاني»، كما أن هناك وفاة واحدة كل ثانية على مستوى العالم.

وكما يرى المختصون فإن النجاة من الموت قد تحالف 80% من المرضى إذا تم إعطاء المضادات الحيوية والرعاية اللازمة لهم، عقب التشخيص المبكر، إلا أن هذه النسبة تقل تدريجياً لتصل إلى أقل من 30% في حالة الكشف والعلاج المتأخرين، ومع ذلك فإنه يمكن الوقاية من الصدمة الإنتانية، من خلال الالتزام ببرامج التطعيم المتوفرة خاصة للأطفال وكبار السن، والعناية الشديدة بغسل اليدين وتعقيمها باستمرار، وعدم الإفراط في تناول المضادات الحيوية بغير دواع طبية حقيقية.

أخطر الأمراض

الدكتور عثمان البكري، مدير مستشفى برايم، في دبي، يرى أن الالتهابات الجرثومية تعتبر من أخطر أمراض أقسام العناية محلياً وعالمياً وهناك خطة للحد من انتشاره عالمياً بنحو 20% مع حلول عام 2020 مؤكداً أن المستشفى ينظم حملات للأطباء تحديداً لتوعيتهم والتركيز على أهمية التطعيم حسب الأمصال المخصصة طبقاً للسن، حيث تختلف التطعيمات بين الكبار والصغار.

وأشار الدكتور البكري إلى أن تأخر ساعة للتعامل مع المريض يعرض حياته للخطر بنسبة 8%، كما أن تأخر إعطاء المريض المضادات الحيوية المناسبة لمدة 12 ساعة تعرضه للوفاة بنسبة 20 %.

وقال: إن الالتهابات الإنتانية هي حالة صحية خطرة تحدث نتيجة انخفاض التروية الدموية للأنسجة ونقل الأوكسجين كنتيجة لعدوى «الإنتان»، ويمكن أن تؤدي هذا الحالة إلى الإصابة بمتلازمة فشل الأعضاء المتعدد ومن ثم الموت.

وأوضح أن الأطفال والأشخاص الذين يعانون من نقص وضعف في المناعة هم الأكثر عرضة للإصابة، إضافة لكبار السن على اعتبار أن أجهزتهم المناعية لا تستطيع صد العدوى بشكل فعال، وتقدر نسبة الموت من جراء «الصدمة الإنتانية» بحوالي 30 إلى 60%.

ومن علامات الالتهابات الجرثومية ارتفاع الكريات البيضاء أو انخفاضها، وعلامات سوء وظائف الكلية وانخفاض كمية البول وارتفاع الكرياتينين، وارتفاع نسبة الأحماض في الدم (اللاكتات).

وفيات يومية

وقال الدكتور حسين آل رحمة، استشاري ورئيس قسم العناية المركزة في مستشفى دبي، رئيس مؤتمر العناية الحرجة، إن هناك حالة وفاة تحدث يومياً في مستشفيات الدولة بسبب الالتهاب الجرثومي «الانتاني»، كما أن هناك وفاة واحدة كل ثانية على مستوى العالم.

وقال الدكتور آل رحمة إن الالتهابات الجرثومية (الانتانية) تتطور بطريقة سريعة جداً إلى تسمم الدم في حال عدم التشخيص الدقيق لها من قبل الأطباء لافتاً الى أن الأشخاص الأكثر عرضة هم الأطفال وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من قلة المناعة والأمراض المزمنة.

وقال إن الأعراض المصاحبة للالتهاب الانتاني تبدأ بحمى شديدة مع إسهال يصاحبه انخفاض في عدد كريات الدم البيضاء مما يؤدي الى فشل كلوي سريع أو فشل في الكبد، وتؤدي للوفاة في حال عدم تشخيصها مبكراً.

وحول الأعراض المرضية أوضح الدكتور آل رحمة أنه يلاحظ على المريض شحوب وضعف عام في الجسم، وعطش شديد، وتغير درجة الوعي، وحمى أو انخفاض في حرارة الجسم، وسرعة نبضات القلب وشح بول، وانخفاض في ضغط الدم.

وقال، إن علاج الحالة المرضية يمر بثلاث مراحل، الأولى: التعامل مع حالة الصدمة، وإعطاء السوائل الوريدية، والمحاليل المغذية، وإعطاء الأكسجين إن لزم، وقد يحتاج المريض أن يوضع على جهاز التنفس الاصطناعي، ومراقبة ضغط الدم، وإشباع الأكسجين، وإدرار البول، والضغط الوريدي المركزي لتقييم الاستجابة على العلاج.

والثانية: تشخيص سبب أو مصدر الإنتان «الخمج» أو الالتهاب البكتيري، من خلال فحص المريض بدقة لتحديد العضو مصدر الإنتان أو البؤرة الإنتانية، وأخذ عينات من سوائل الجسم الدم، البول، البلغم وعمل زراعة لها، وإعطاء مضادات حيوية وريدية مناسبة.

وتتضمن المرحلة الثالثة: العلاج المساعد والذي يشمل التنفس الصناعي، والعقاقير المنشطة للقلب والضغط، والقسطرة الوريدية، وغسيل الكلى.

غياب الدراسات

ووفق الدكتور نهاد نبيل حلاوة، أخصائي التخدير في مستشفى برجيل في أبوظبي، فإنه على الرغم من كثرة حدوث مرض الإنتان الدموي أو تعفن الدم إلا أنه لا توجد دراسات علمية أجريت داخل الدولة تعبر عن الواقع الفعلي لأعداد المرضى المصابين، إلا أنه من خلال المراجعات اليومية في المستشفيات يمكن القول بأن 40% من مرضى الإنتان الدموي يتماثلون للشفاء وأن 60% من المرضى يتوفون جراء مضاعفات المرض.

وأشار إلى مرض الإنتان الدموي يحدث بسبب دخول ميكروبات في الدم سواء من الرئة عند حدوث الالتهابات الرئوية للمريض أو عبر التهاب مجرى البول أو من خلال التهابات الجهاز الهضمي عموماً وهذه هي الأسباب الثلاثة الأكثر شيوعاً بين المصابين، وهذا لا يمنع إمكانية الإصابة من أمراض ومضاعفات أخرى مثل الخراج والتهابات أو تقرحات القدم السكرية أو غير ذلك من الأسباب.

وقال الدكتور نبيل حلاوة إن هناك عوامل أخرى قد تزيد من فرصة الإصابة بتجرثم الدم منها ضعف الجهاز المناعي والبقاء في وحدة العناية المركزة في المستشفى لفترات طويلة ووجود الجروح أو الإصابات البليغة كالحروق العميقة وكذلك التعامل مع الأجهزة الطبية كالقسطرة البولية أو الأنابيب التنفسية.

تشخيص

وحول طرق تشخيص المرض أشار الدكتور نبيل إلى أنه بجانب الفحص السريري الذي يكشف علامات انخفاض ضغط الدم وارتفاع درجة الحرارة وتسارع نبضات القلب وصعوبة التنفس فإن هناك طرقاً أخرى لتأكيد الإصابة بالمرض وكشف نوع الميكروب عبر خضوع المريض لعدد من الفحوصات المخبرية ويتم ذلك في غضون 48 ساعة من خلال عمل مزرعة دموية وأخرى بولية أو من اللعاب إلى جانب فحوصات أخرى تتعلق باضطرابات تجلط الدم واختلال ووظائف الكلى والكبد وقياس قصور الأكسجين في الدم والتصوير بالموجات فوق الصوتية.

وأكد أن التدخل الطبي السريع والتشخيص السليم وتقديم العلاج في الوقت المناسب، تعد عوامل أساسية لإنقاذ حياة المصابين بهذا المرض، ويتم العلاج من خلال العديد من الإجراءات الإسعافية للحفاظ على سلامة التنفس ومعدل النبض ويتمثل العلاج في إعطاء المريض السوائل الكافية لتعويض توسع الأوعية والشرايين ومن ثم يتم إعطاؤه المضادات الحيوية عن طريق الوريد حتى قبل تحديد العامل البكتيري المسبب للإنتان وبمجرد التعرف إليه يتم إعطاء المريض مضادات حيوية مناسبة لنوعية الميكروب للقضاء عليه.

ويوصى الأطباء بضرورة الالتزام بجدول اللقاحات المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية والمعتمد على المرحلة العمرية تجنباً للإصابة بالعدوى، كما يوصى بضرورة تعقيم والعناية بالقسطرة البولية أو الوريدية أثناء الإقامة في المستشفى لكونها مصدراً مهماً للإصابة بمرض الإنتان الدموي.

تفاعلات كيميائية

ويرى الدكتور ياسر صقر، استشاري أمراض التخدير والعناية المركزة، أن المرض ينتج عند محاولة جسم الإنسان السيطرة على غزو كائنات دقيقة من فيروسات أو ميكروبات أو حتى فطريات فيقوم الجسم في البداية بمهاجمة هذه الكائنات من خلال الإفرازات الدموية واستثارة الخلايا المسؤولة عن المناعة، وعندما تزيد هذه التفاعلات في الدم لا يتمكن الجهاز المناعي من التفرقة بين الميكروبات الدخيلة وبين خلايا الجسم المفيدة، فينتج عن تلك التفاعلات الكيميائية في الدم التهابات واسعة الانتشار تؤدي إلى حدوث جلطات دموية، وإلى تسرب الدم من الأوعية الدموية وفي حالات كثيرة، يؤدي ذلك إلى فشل واحد أو أكثر من أعضاء الجسم وفي الحالات الأشد خطورة، ينخفض ضغط الدم انخفاضاً حاداً، فيضعف القلب، مما يؤدي إلى صدمة إنتانية.

تعددت الأسماء والمرض واحد

يقول الدكتور ياسر صقر، إن الإنتان أو تسمم الدم أو تعفن الدم أو خمج الدم، كلها مصطلحات مترادفة لحالة مرضية خطيرة تعرف في اللغة الإنجليزية باسم (sepsis)، تنشأ نتيجة لتفاعل خلايا الجسم والأنسجة مع العدوى الجرثومية فتؤدي إلى ما يعرف بالتسمم الدموي.

ويعتقد الدكتور صقر أن الساعة الأولى من اكتشاف مرض الإنتان الدموي يطلق عليها الأطباء «الساعة الذهبية» التي يتم فيها تشخيص المرض مبكراً، والبدء في إعطاء المريض المضادات الحيوية والرعاية اللازمة، وقد ينجو من الموت نحو 80 ٪ من المرضى في حال العلاج المبكر، وتقل هذه النسبة تدريجياً إلى أقل من 30 ٪ في حال الكشف والعلاج المتأخرين.

 

مستشفيات تخصص فرقاً طبية لمكافحة العدوى

نظراً لخطورة هذا المرض وتأثيره على المقيمين بالمستشفيات تم تخصيص فرق طبية لمكافحة العدوى ومعرفة أسبابها بالعناية المركزة في هذه المستشفيات.

وقالت تبريكة محمد علي الشيبة، مسؤولة قسم مكافحة العدوى بمستشفى الشيخ خليفة بن زايد، إن لدى المستشفى لجنة خاصة مهمتها مكافحة العدوى والوقاية من الأمراض المكتسبة وخلال إجراء العمليات الجراحية، حيث يتم تعقيم غرفة العمليات بجهاز خاص وتحضير المرضى وموضع العملية الجراحية وسياسة غسل اليدين للطبيب الجراح والكادر الطبي الذي يرافقه عند إجراء العملية الجراحية، واستخدام الأدوات الوقائية مثل القفازات وغطاء الرأس، ويتم إعلام المريض بعد إجراء العملية الجراحية في حالة الشعور بأي أعراض مرضية مثل ارتفاع درجة الحرارة لابد من مراجعة المستشفى.

وأضافت أن قسم مكافحة العدوى بالمستشفى من الأقسام الجديدة التي استحدثت في يوليو 2014 ويعنى القسم بمكافحة انتشار العدوى بين المرضى والعاملين في المستشفى، ويقوم القسم بالعديد من الأعمال من أجل تعزيز الصحة العامة داخل المستشفى، ومتابعة حالة المرضى خلال إجراء العمليات الجراحية أو خلال فترة وجودهم داخل المستشفى وذلك بهدف تحقيق السلامة الصحية للمرضى.

حماية المرضى

وأضافت: يقوم بالعديد من الأعمال لحماية المرضى من انتقال بعض الأمراض إليهم قبل وبعد إجراء العمليات الجراحية وذلك بتعقيم وتنظيف الأدوات الصحية الخاصة بغرف العمليات، ومتابعة حالة المريض بعد إجراء العملية الجراحية، والإرشاد نحو الإجراءات الصحية السريعة عند ظهور حالات ذات أهمية وبائية، إضافة إلى التعرف إلى العوامل المسببة للمرض، وتحديد أعداد الأفراد الأكثر عرضة للإصابة به، بالإضافة إلى استطلاع بعض المخاوف أو الاهتمامات الصحية الجديدة التي قد تصاحب هذا المرض.

كما يقوم قسم مكافحة العدوى برصد المسارات التي يتخذها المرض مثل متابعة الأمراض الوبائية والأمراض المستوطنة، ويساعد القسم في توجيه تخطيط البرامج وتنفيذها وتقييم ذلك التنفيذ بهدف مكافحة الأمراض واحتوائها ومنع وقوع الإصابات والتعرض لاحتمال العدوى داخل المستشفى للعاملين والمرضى.

وأشارت إلى أن قسم مكافحة العدوى يقوم بعملية تقييم السياسة الصحية العامة داخل المستشفى ويتتبع التغيرات التي تطرأ على الإجراءات الصحية والتعرف إلى آثارها، وتخصيص الموارد الصحية تبعاً للأولويات، وتكوين قاعدة معطيات تفيد في مجال البحث في الأمراض الوبائية.

وأكدت الشيبة عدم وجود حالات وفاة نتيجة لانتقال أمراض لمرضى داخل المستشفى، مشيرة إلى أن العام الماضي شهد وجود 5 حالات انتقال عدوى وتم علاجهم بالمستشفى.

وأكدت الشيبة أن عملية ترصد تلك الأمراض من المسؤوليات المهمة الملقاة على عاتق فريق مكافحة العدوى، ويمكن أن يتم تطبيق نفس قواعد الترصد المتبعة في الصحة العامة من قبل المنشآت الصحية. وتعتبر أهم نقاط حدوث الأمراض المتعلقة وهي كل من الجهاز البولي، والجزء السفلي من الجهاز التنفسي، وموضع الجراحة، والقسطرة الوريدية، والجلد والأنسجة الرخوة.

كما يقوم قسم مكافحة العدوى بمستشفى خليفة بصياغة السياسات والإجراءات التي تحد من حدوث الأمراض المرتبطة بخدمات الرعاية الصحية وإصدار توصيات داخل المستشفى، والتأكد من الالتزام بتعليمات وزارة الصحة، والمساعدة في تطبيق مبادئ الصحة المهنية والتدخل للحيلولة دون انتقال الأمراض المعدية القيام على توعية العاملين.

العناية المركزة

بدوره أكد الدكتور أيمن عبدالعزيز طبيب أخصائي أول ومسؤول قسم العناية المركزة في مستشفى الجامعة بالشارقة أن هناك فريقاً لمكافحة العدوى ومعرفة أسبابها بالعناية المركزة بالمستشفى، كما أن الوفيات التي تحدث في بعض المستشفيات يكون سببها عدم النظافة والتعقيم.

وقال إن العاملين بالمستشفى من أطباء وممرضين وفنيين وعمال نظافة يعدون من أكثر الفئات عرضة للإصابة بجانب المرضى

Email