البيانات والطباعة في عصر الرقمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أذكر أنني شاهدت مقطع فيديو ترويجياً كان جزءاً من حملة إعلانية، وظهر فيه لاعب كرة القدم سيسك فابريغاس. كان آنذاك لاعب خطّ وسطٍ واعداً، واشتهر بمهاراته في التمرير في وسط اللعبة. اللاعبون كانوا يركضون، ويركلون الكرة ليركضوا من جديد، إلى أن تصل الكرة إلى فابريغاس، ومن ثم تنتقل بنا الكاميرا إلى مركز إعلامي، حيث يجلس فابريغاس، متخيلاً سيناريوهات مختلفة للتمرير على شاشة حائطية، وكأنه ضمن غرفة تحكم. تفترض الصورة أننا في عقل اللاعب الذي يقوم بتقييم مختلف الاحتمالات؛ الخيارات المتاحة والنواتج المتوقعة، وفي اللحظة التي يتخذ فيها القرار، يقوم بركل تمريرته الرائعة.

في هذه الأيام، تحيط بنا التكنولوجيا من كل مكان، وتدفعنا إلى التواصل بعضنا مع بعض على مدار الساعة بدفق من البيانات، وتمنحنا آراءً متعددة على مختلف الأشياء، والكثير أيضاً ضمن سياقات مختلفة، وعبر العديد من فضاءات حياتنا. علينا ألا نتناسى حقيقة أن ما نعيشه ليس إلا رؤية جديدة للواقع، أبدع هندستها أولئك الأشخاص الذين يقومون بتصميم مختلف الأدوات التي تحيط بنا.

ترتكز الرؤية الجديدة على مجموعة من المفاهيم الحديثة، شأن خبرة المستخدم وبنية المعلومات والتصميم التفاعلي ونظرية خريطة الإدراك وغيرها. وبكون هذه المفاهيم مستخدمة في سياق رقمي، لا بد أن نتساءل عن نتيجة تطبيق هذه المفاهيم على منتجات أكثر تقليدية.

يتيح لنا هذا التوجه بناء تجربة غنية وممتعة أيضاً، إذ يبقى التصميم في واجهة تجاربنا السابقة، وفي مقدمة إدراكنا إذا ما كان ظاهراً على شاشة ما، أو على قطعة ورق، فهو الأداة التي تسمح لنا التعامل بأريحية مع المعلومات. وعلى المطبوعات أن تستفيد من هذه المفاهيم التي صنعت بالأساس للعالم الرقمي، وبهذه الطريقة سنكون قادرين على إيجاد مساحة للمطبوعات في الرؤية الجديدة للواقع الذي تحكمه التكنولوجيا.

المعلومات هي واقع متعدد الأبعاد، فإذا طلبت من مجموعة من الناس أن يقفوا صفاً واحداً، في البداية تبعاً لترتيب أسمائهم الأبجدي، ثم بحسب بلدانهم، وبعد ذلك بحسب أعمارهم. وإذا التقطت صوراً لكل خطوة، سيكون لديك ثلاثة تراتيب مختلفة، بسياقات مختلفة تماماً. وهذا ما يحصل في عالم البيانات أيضاً، لذا يجب علينا أن نكون حريصين في الطريقة التي نرتب بها هذه البيانات ونقدمها من خلالها.

وهذا ما يجعل التصميم مهماً جداً ضمن هذا التوجه، وقد عانت المطبوعات على مدى عقود مشكلة تقديم البيانات، منذ نشر ويليام بلايفير خطه الإحصائي البياني، عقب ثورة النهضة الصناعية في القرن الثامن عشر.

من المعروف أن البيانات المقدمة من خلال المطبوعات لن تكون محدّثة على مدار الساعة بالطريقة التي تتيحها أجهزة الإعلام الأخرى، إلا أنها تمنحك وقفة أمام هذا الدفق البياني، كي تكون قادراً على مراجعة ما هو أمامك بعين الناظر، وتزن الحقائق قبل أن تكوّن رأيك المطّلع.

 

*لويس شومبيتاز مدير الرسوم المعلوماتية في «البيان»

Email