ساحة سباق بين تسارع السياسة والتغطية الإعلامية

عاصفة الحزم ومدى جاهزية الإعلام لمواكبة الأحداث

■ المشاركون في جلسة عاصفة الحزم | تصوير: عبد الحنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

المهمة الأساسية لعاصفة الحزم هي دعم الشرعية في اليمن، وهذه مهمة سياسية بامتياز غير أن مهمات تغير الواقع الأسود في اليمن التي تنجزها عاصفة العملية العسكرية، رافقتها عملية تغيير أخرى يفترض أنها طالت الإعلام، وهذا ما يجعل من عاصفة الحزم عنواناً كبيراً بين السياسة والاعلام.

ليست هذه توقعات، ولكنها الفرض الطبيعي لأي عملية عسكرية في مثل هذا الحجم المزلزل، التي خلطت حسابات كثيرة، وغيرت في المفاهيم، وأرست واقعا جديدا، ومثلت اعلانا عن قوى جديدة، بسياسات جديدة. ومن هنا التفتت الدورة الحالية لمنتدى الاعلام العربي للحدث الراهن، من خلال جلسة خاصة تقدم قراءة للدور الذي لعبه ويلعبه الإعلام في المرحلة الحاسمة التي تمر بها المنطقة.

وجاءت هذه الجلسة تحت عنوان «عاصفة الحزم»، وكان مناطاً بها محاولة الكشف عن مدى الجاهزية التي يجب أن يكون عليها الإعلام العربي في مواكبته لأحداث المنطقة، وأن تقرأ الكيفية التي تعامل بها الاعلام العربي مع هذا الحدث، ومدى جهوزية أدواته في رصده وتتبعه وقراءة حركته.

ولكن، على نحو ما، لم تسر الجلسة في هذا الاتجاه المتوقع، حيث لم يتوقف المشاركون عند الكيفية التي تعامل بها الاعلام العربي مع هذا الحدث، ومدى جهوزية أدواته في رصده وتتبعه وقراءة حركته، بل لاحقوا في مداخلاتهم إغراء مناقشة عاصفة الحزم نفسها. ومع ذلك، فإن هذه المداخلات كان فيها ما يمكن أن يؤشر على نقاط محددة من موضوع الجلسة الحوارية الأصلي.

قرار وجهد عربي

استهل الجلسة رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام الدكتور فهد الشليمي، الذي لفت إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تخطط وتنفذ فيها الدول العربية بمفردها ودون شراكة مع الولايات المتحدة، ودون التنسيق معها، معتبراً ذلك علامة مميزة تتصف بها عملية دعم الشرعية في اليمن، بقرار وجهد عربي.

ولاحظ الدكتور الشليمي أن الأوضاع التي يعيشها العالم العربي، والفوضى والاضطرابات التي تعم دولاً ومناطق مهمة منه، وضعت دول الخليج العربية في مقدمة المشهد في قدر فرضته الظروف والأحداث، لافتا إلى أن دول الخليج العربية التي وقع على عاتقها عبء القيام بهذه المهمة، فإنها تسعى ومن حقها أن تقوم بهذه المهمة على طريقتها الخاصة، التي تثق بها.

وشدد الدكتور الشليمي على أن المواطن العربي مل وتعب من المفاوضات والدبلوماسية والاجتماعات وبات يريد فعلاً يغير في الواقع ويبدل فيه، بما يعكس الخلاص من حالة الهـوان العربي.

نقطة فارقة

ومن جهته رأى رئيس معهد الدراسات العالمية ـ لندن، مأمون فندي، أن عاصفة الحزم نقطة فارقة في الإقليم، وجاءت في وقت يعيش فيه العالم العربي تحديات خطيرة تتهدد الدولة العربية نفسها، منها ما هو فوق الدولة مثل التنظيمات الإرهابية، ومنها ما هو تحت الدولة مثل الطائفية وغيرها من الظواهر الذي تنخر في جسد المجتمع العربي.

وأشار الدكتور فندي إلى أن التحديات الإقليمية لا تنتهي بذلك، حيث نشهد صعودا وتمدداً لقوى اقليمية وتحاول بسط نفوذها على اجزاء من العالم العربي، مشيراً في توصيف الواقع إلى أن البحر الأحمر لم يعد، على سبيل المثال، بحيرة عربية كما كان في السابق.

وقال الدكتور فندي إن هذه الحيثيات قادت المملكة العربية السعودية التي تعرف تاريخياً بسياستها شديدة الحذر إلى الاستجابة للتحديات، فاتخذت قرارها بما يتعلق بعاصفة الحزم، في سياق يتصل بالطموحات الشعبية الرافضة لحالة الهوان العربي.

وأشار الدكتور فندي إلى أن الثقل الثقافي، وكذلك العسكري، في المنطقة ينتقل بقوة من العواصم التقليدية إلى منطقة الخليج العربية، في تعبير عن واقع جديد بدأ يتشكل ضمن السياق العربي الذي شكلته عاصفة الحزم وخلق حوله مشهداً ثقافياً جديداً يرى في عملية دعم الشرعية في اليمن نوعاً من رد الكرامة العربية، لافتا إلى أن هذا المشهد يشكل الآن حدود المستقبل، سواء بما يتعلق بالنفوذ الايراني أو الملف النووي أو غير ذلك من موضوعات.

مواجهة التحديات

وشدد مدير جامعة الامارات الدكتور علي النعيمي على أن قرار عاصفة الحزم لم يأت فجأة ولا من فراغ، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية كانت قد رصدت في وقت سابق خطوات تصعيدية من قبل الحوثي، وحاولت أن تواجه ذلك بالدبلوماسية من خلال الاتصال بأطراف دولية، ولكن هذه الجهود لم تثمر، فجاء القرار بمواجهة التحديات بعاصفة الحزم.

وذكر الدكتور النعيمي بتصريح وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل، الذي قال «نحن لا نريد الحرب، ولكن إن فرضت علينا فنحن أهل لها»، لافتاً إلى أن هذا التصريح يعكس حقيقة الأحداث وما جرى وصولاً إلى عاصفة الحزم.

وقال د. النعيمي إن دول الخليج العربية كانت تسمع على الدوام تعليقات غير بريئة تستنكر عليها شراء السلاح وتكديسه، قائلاً إن أصحاب هذه التعليقات يرون اليوم أن هذا السلاح لم يتحول إلى «خردة» في مستودعاته، بل استخدم في بناء جيوش عربية قادرة هي اليوم الدرع الباقية للعالم العربي بعد ما طال الدول العربية الأخرى ما طالها.

وأكد النعيمي أن دول الخليج العربية وقفت مع مصر وساندتها بقوة، لأن مصر هي البعد والعمق الاستراتيجي للخليج، لافتا إلى دور الجيش المصري الذي هو «خير الأجناد».

مهمة محددة

وقال الدكتور علي الخشيبان إن البعد العاطفي ساهم في استجلاب الكثير من التأييد لعملية عاصفة الحزم، إلا أن الجانب العاطفي هو جزء وليس كل، فهناك الجانب السياسي الذي هو أهم ويفرض التفكير بواقعية، في الحيثيات والضرورات التي قادت إلى هذه العملية.

وفي حين أكد د. الخشيبان على أهمية الحرب كوسيلة، أشار إلى أنها آخر أدوات السياسية ولا يجب استخدامها إلا بعد استنفاذ كل السبل، وذلك لخطورة الحرب عموماً، وتتحدد قيمتها بمدى نتائجها السياسية، لافتاً إلى أن دول الخليج العربية لم تذهب باتجاه عاصفة الحزم لأنها تريد قيادة العالم العربي، ولكن لأن الفوضى المتمددة في المحيط والتباعد مع الغرب فرضت على دول الخليج أن تقوم بخطوة حازمة.

ووفق د. الخشيبان فإن الكثيرين أعطوا عاصفة الحزم أبعاداً أكثر مما تمثل حقيقة، فهي عملية بمهمة محددة يجري انجازها، مستبعداً أن تتمدد هذه العملية إلى ما هو أبعد من مهمتها الأصلية، ولن تذهب باتجاه التدخل في سوريا أو لبنان أو غيرهما من الدول العربية.

كامب ديفيد

احتلت قمة قادة دول الخليج العربية مع الرئيس الأميركي في كامب ديفيد اهتمام المشاركين، فقد رأى الدكتور علي الخشيبان أن ما سيحصل في كامب ديفيد سيحدد مسارات لاحقة، معرباً عن أمله أن تنتهي القمة بقناعات مشتركة بالتكيف مع المتغيرات التي شهدها الواقع. كما لفت إلى أن ما يطلبه القادة الخليجيون من الولايات المتحدة ليس فقط باتجاه إيران والنفوذ الايراني، حيث إن خارطة العلاقات والواقع أوسع من ذلك.

وقال الدكتور الخشيبان إن القادة الخليجيين سيطرحون أسئلة صعبة على الرئيس الأميركي باراك أوباما. ولكن ليس كل الأسئلة التي سيطرحونها سيتلقون عليها إجابات.

Email