إعلاميون وأكاديميون خلال جلسة اتجاهات تغير العالم:

العالم العربي يواجه أزمة بنيوية

Ⅶ المشاركون في الجلسة | من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد إعلاميون وأكاديميون أن الساحة الإعلامية العربية تعمّها الفوضى والانحياز والاستقطاب والحشد الجمعي، وأن الفوضى الخلاقة عنوان لأوضاع العالم العربي الذي يواجه «أزمة بنيوية» ويعاني من تراكم فشل لعدة عقود، منوهين بأن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل انقلاباً إعلامياً لم تتحدد معالمه بعد والإعلام الرسمي «فاته القطار».

وأشاروا إلى العالم العربي يشهد حالياً واقعاً أليماً تحتدم فيه الخلافات والصراعات الفكرية والطائفية في ظل مشهد إعلامي وتحول سياسي تاريخي غير مسبوق يتسم بالفوضى وانعدام الحيادية والاستقطاب والحشد الجمعي، معتبرين أن العرب يمرون بفترة عصيبة من تاريخهم الذي يحمل عشرات النزاعات وأقدم صراع في العالم، وعمليات شحن طائفي ومسخ يسمى «داعش» نما كفيروس. وقالوا إن صورة العالم العربي القاتمة تتمحور حول مشاهد صور ذبح وحرق ودمار وتمثيل جثث وإبادة جماعية، وأضافوا أن العالم العربي تسوده حالياً مناهج فكرية وعقائدية متطرفة وعصية على الفهم.

وتحدّث في جلسة «اتجاهات تغير العالم» التي عقدت أمس ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيس مركز الإمارات للسياسات وفواز جرجس، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد ونارت بوران، المدير العام لقناة سكاي نيوز عربية ونبيل الخطيب رئيس التحرير التنفيذي في قناة العربية، وأدار الحوار الإعلامية نوفر رمول بشبكة قنوات دبي التي أوضحت في بدايتها أن الجلسة ستحاول فهم الواقع العربي الأليم ومدى إسهام الإعلام العربي في رسم ملامح هذا المشهد المتغير.

افتقار إلى الثبات

وبداية وصفت الدكتورة ابتسام الكتبي المرحلة الحالية بــــ«مرحلة سيولة»، موضحة أن هذا العالم أصبح يفتقر إلى الثبات في وقت تتصارع قوة مختلفة بهدف محاولة السيطرة والهيمنة عليه في ظل وجود قوة مسيطرة على العالم هي الولايات المتحدة، منوهة بأن المشهد العربي يمكن وصفه حالياً بـ «الفوضى الخلاقة».

وأوضح نبيل الخطيب أن هذه المرحلة يمكن أن نطلق عليها «مرحلة الانقلاب» حيث تنقلب الأمور رأساً على عقب، في ظل تحول وتغير العلاقات، في الوقت الذي أدى فيه توازن القوى إلى خلق شهية لاحتدام الصراعات السياسية، وهذا تزامن مع تاريخ صعب في مرحلة ما بعد الاستقلال، كما تزامن ذلك مع إمكانيات إعلامية غير مسبوقة لدى الجماهير، تمثلت في أدوات التواصل الاجتماعي». وعلق الخطيب على هذا التحول بالقول إنه «انقلاب إعلامي لم تتحدد معالمه».

وقال فواز جرجس إن العالم العربي يواجه حالياً «أزمة بنيوية»، العالم العربي يعاني من أزمة تراكم فشل لعدة عقود، العالم العربي يشهد فشلاً تنموياً، ما يحدث هو فترة تحول تاريخية، لا يمكن أن نسمي ما حدث مؤخراً بأنه ربيع عربي، ولكنه مرحلة تاريخية ثورية وصراع تاريخي محتدم وجذري بين أنظمة قديمة وأخرى حديثة، ولا يمكن أن نفهم ظهور داعش إلا من منظور تداعي الجسد العربي السياسي.

وذكر نارت بوران أن هناك شعوراً بأن الوضع الحالي في العالم العربي يشهد مرحلة مصيرية لم أشهد مثيلاً لها في حياتي، وهذا الحراك العربي سيؤثر علينا في المستقبل، وهي أمور مصيرية».

استجابة

وحول تساؤل نوفر رمول: كيف يقف الإعلام العربي من هذه التغيرات وهل استجاب للتحولات؟ أوضحت ابتسام الكعبي أن الوضع الحالي للإعلام العربي يمكن وصفه بمرحلة «فات القطار»، فهناك ثورة تكنولوجية عالمية لم يعد فيها الإعلام الرسمي التقليدي يسيطر ويهيمن.

وأشارت إلى أنه لا نستطيع التحدث حالياً عن هيمنة الإعلام الرسمي فهناك أدوات تواصل اجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك» تعمل على تأجيج الصراعات العالمية وإشعال الأزمات. إن جيل الشباب بأكمله لا يشاهد الإعلام الرسمي وبالتالي هذا الإعلام لم يعد له أي تأثير.

نبيل الخطيب أوضح أن المُشاهِد صرف النظر كلياً عن وسائل الإعلام التقليدي، وهناك دراسات تشير إلى أن نحو 63% من الجمهور يعتقد أن وسائل الإعلام منحازة وغير موضوعية، والتحدي حالياً تمثل في وجود وسيلة إعلامية تقليدية تنأى بنفسها عن التحيز وتأجيج الصراعات الطائفية.

أزمة أخلاقية

وقال فواز جرجس هناك أزمة أخلاقية في العالم العربي، حيث يجد الجمهور صعوبة في وجود قنوات مستقلة غير متحيزة، مشيراً إلى أن الإعلام العربي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الأزمة البنيوية، حيث أصبح الإعلام العربي إعلاماً حاشداً يهدف لحشد الجماهير وراء قضايا معينة.

وقال نارت بوران إن القنوات العربية أصبحت أشبه ما يكون بأحزاب وطوائف سياسية وعرقية، وكلما تعمقنا في هذا الاتجاه، غرقنا فيه. وقال نارت إن الإعلام العربي يشهد خطراً كبيراً يتمثل فيما يطلق عليه عملية «تبييض الأخبار» على غرار عمليات «غسيل الأموال».

وأوضح أن الخبر يبدأ حالياً بشائعة عبر شخص يستخدم وسيلة تواصل اجتماعي ثم ينتقل الخبر لموقع إلكتروني ويصبح حقيقة ثم تتلقف وسائل الإعلام الخبر وتنشره كما هو على أنه خبر حقيقي وليس شائعة، ورأى أن هذه الظاهرة الإعلامية تتسم بخطورة شديدة.

مهنية أخلاقية

وقال فواز جرجس لا أحد يتحدث الآن عن مسألة الحياد، فالسؤال الرئيسي حالياً هو: ما هي المسؤولية المهنية والأخلاقية لوسيلة الإعلام العربية؟ وإذا كان العامل الرئيسي المحدد هو الجمهور فكيف نقوم بتنمية وإيقاظ الوعي العربي، مشيراً إلى أن معظم القنوات العربية هي قنوات هدفها الحشد والاستقطاب، والمسؤولية التاريخية تحتم علينا تنمية وعي مضاد لقنوات الحشد والطائفية.

وقالت ابتسام الكتبي إن السؤال الآن هو هل الإعلام العربي فاعل أم مفعول به، مشيرة إلى أن التحدي الآن هو هل لدينا العزيمة للاستفادة من هذه اللحظة التاريخية التي أخذت فيها دول الخليج بزمام المبادرة ونحقق الحلم العربي الفاعل.

وتحدث نارت بوران عن برنامج «ألوان الطيف» الذي تبثه قنوات «سكاي نيوز»، مشيراً إلى أن القناة استخدمت ضوابط ومصطلحات للحديث عن الأقليات والطوائف.

وحشية داعش

وحول ظهور تنظيم «داعش» قالت الكتبي إن داعش هو تنظيم أكثر وحشية من «القاعدة» ولكنه صناعة غربية وليس صناعة عربية. وهنا قاطعتها نوفر رمول قائلة «إن الإحصاءات تقول إن أغلبية أعضاء داعش هم من العرب وأقلية من الغرب».

فيما قال فواز جرجس إن داعش هو تعبير عن محاولة لملء الفراغ في العالم العربي، مشيراً إلى العالم العربي يفتقر إلى المناعة التي تحميه من فيروس المنظمات الإرهابية.

وقال نارت بوران إن هناك بعض الأمور التي لا يتعين أن نكون فيها حياديين مثل القضية الفلسطينية والخطر الإيراني مثلاً.

وفيما يتعلق بعرض فيديوهات «داعش» الدموية، قال نبيل الخطيب إن قناته رفضت بث هذه الفيديوهات لأنها تؤذي مشاعر الأسر والعائلات، مشيراً إلى قناة «فوكس نيوز» هي القناة الوحيدة التي بثت هذه الفيديوهات كاملة وذلك لأسباب تجارية.

ثورة علمية

اعتبرت ابتسام الكتبي أن العالم العربي بحاجة إلى «ثورة علمية وتعليمية» تقلب المفاهيم من أجل خلق إنسان عربي قادر على التفكير، بدلاً من الاستسلام لتلقي التكنولوجيا والعلوم كما هي من الغرب، مشيرة إلى أنها تشعر بالتشاؤم «لأننا بصدد الاتجاه نحو سايكس - بيكو جديدة».

Email