ترصيع بالذهب على سيف القصيدة

«رسالة إلى الأمة» أنشودة الأحرار

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفاجئنا دائماً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بإضاءاته الشعرية، التي ينثرها في بحر القصيدة، فيتلقفها جمهور الشعر، الشغوف بجديد القوافي، وكما في كل مرة، يبدعُ سموه في اختيار الموضوع والسياق، يتقن أيضاً اختيار الوقت والمناسبة، إذ اختار في قصيدة «رسالة إلى الأمة»، والتي تم الكشف عنها يوم أمس، توجيه كلماته بشكل مباشر إلى أحرار العالم في الأمة العربية والإسلامية، في محفل متميز، حيث من المقرر أن يشدو بكلمات هذه القصيدة الفنانان التونسيان لطفي بوشناق ولطيفة خلال حفل «جوائز الصحافة العربية» المنظم بعد يوم غد الأربعاء في دبي.

جذوة الحق

في «رسالة إلى الأمة» رأت أبيات القصيدة أن الحل يكمن في الوحدة واتخاذ ما يلزم لتوحيد الصف العربي ونبذ الفرقة التي تحول بينهم وبين تحقيق حلم الوحدة التي ينادي بها ديننا الحنيف، في دعوة حصيفة يبدأها بترك العنتريات، بعد أن كادت تموت النخوة والمشاعر الأصيلة، وغادرت أرواحنا شعلة الغضب للحق والغيرة على ما يجمع ولا يفرق، حيث يقول سموه:

 

ما يَصنَعُ الشّعرُ فينا أيُّها العَرَبُ

ما دامَ قدْ ماتَ في أرواحنا الغَضَبُ

ويوقد سموه نار التاريخ جذوة عساها تعيد الرميم من جسم مُنهك، أخذ من النصبُ مبلغاً، مذكراً بأمجاد كبيرة ارتبطت بقوة هذه الأمة وعزتها، تلك القوة اللطيفة، القائمة على عطاء الحضارة وتعايش الأمم:

 

وأينَ مِنَّا يدُ التَّاريخ توقظُنا

فرُبَّما القومُ ناموا بعدما تَعِبوا

 

كما تكسرت السيوف الجميلة المرصعة والمطعمة بقيم التسامح والتعايش والسلم والكبرياء والحق في عصرنا الزهر، الذي كانت تمطر فيه غيوم سماء الأرض أني شاءت ويعود خراجها إلى بيت المسلمين، القائم على العدالة والإنصاف، والحافظ للحقوق، والراعي للأمانات والأعراض، الضامن لحريات الناس والذمم:

 

وأيُّ سيفٍ نضوناهُ لِنَكبتنا

حتى ولوْ كانَ سيفاً أصلُهُ لُعَبُ

 

فأًصبحت سيوفنا لعباً، وأصواتنا ريحاً ضاربة في الفيافي لا أثر لها ولا حضور، وبطولاتنا شجب وتنديد:

 

يا أمَّةَ الشَّجبِ والتنديدِ ما صنعتْ

فينا بطولاتُ منْ دانوا ومنْ شجبوا

سُنن كونية

ويتعجب سموه من هذه الحال التي وصلت إليها الأمة، متسائلاً، عن خير أمة قد أخرجت للناس، مستحضراً بشكل آخر سنن التغيير الكونية، التي تتطلب من الناس أن يغيروا ما بأنفسهم، لأن الدهر كالدهر، والناس كالناس، وتبقى مشكلة التقاعس مرتبطة بنا وبواقعنا وبرؤيتنا للحياة وحركة العالم والكون من حولنا:

 

عجِبْتُ منْ حالنا والدَّهرُ يسألني

أهؤلاء همُ الأخيارُ والنُّجُبُ؟

تطلعات وآمال

معيداً المتلقي إلى زمن التطلعات الكبيرة، التي كانت تجمع الصفوف من المحيط إلى الخليج، ورؤى الوحدة العربية، التي تحتاج قلباً واحداً وصفاً واحداً، يجعل عودها صلباً قوي البنيان والموقف، فلاكتها الخطب والأقاويل حتى ملها الناس، وأصبحت حلماً بعيد المنال، وهو حلم بأيدينا لو مسكناهُ:

وأينَ ما كانَ منْ أحلامِ وحدَتنا

وما مَضَغْناهُ حتَّى مَلَّتِ الخُطَبُ

يقترب من سرابه، يمسكه بيده غيمة من ماء، حلم تشكل وكبُر في قلبه ووعيه وعقله وفي روح كل عربي حر أبي، بددتهُ جراح الأمة، وعدم وحدة كلمتها، وتشرذم أضاع مجداً زاهراً كاد يرسم صباحات مضيئة في تاريخها، وشهباً تلمع في ليلها الأغر المليئ بالمآثر الخالدة:

 

أراهُ حُلماً يناديني وأتبعهُ

لَمْعُ السَّراب ويمضي حين أقتربُ

 

لكن البلاد، في كل جزء منها جراح تبعد ذلك الحلم الكبير، مزقتها سيوف أهلها وأعدائها، وهو وضع يدمي الفؤاد، فسالت الدماء الطاهرات، على كل الربوع، وبان وهم كذبة السلام، التي يتغنى بها المتربصون بوحدة هذه الأمة، ونحن لما نزل جانحين للسلم، والتي هي أحسن، وفق رسالتنا الحضارية وقيمنا الإنسانية المستوحاة من صميم ديننا وروحه السمحة.

مُعجم

في القصيدة استخدم سموه مفردات من صميم القاموس العربي المحفوظ الخالد، ومن ذلك قوله:

وأيُّ سيفٍ نضوناهُ لِنَكبتنا حتى ولوْ كانَ سيفاً أصلُهُ لُعَبُ.

فكلمة نضا، كلمة عربية أصيلة قليلة الاستخدام في معجمنا المعاصر، وجاء في معجم المعاني الجامع: نضَا الشيءَ: نزعَه وأَلقاه، ونَضَاهُ مِنْ ثَوْبِهِ: جَرَّدَهُ مِنْهُ، ونضا الجوادُ الخيل: سبَقها وتقدَّمها، ونَضَا السَّيْفَ مِنْ غِمْدِهِ: سَلَّهُ وأَخْرَجَهُ، ويقول أبو فراس الحمداني:

نضوتُ على الأيامِ ثوبَ جلادتي ولكنني لمْ أنضُ ثوبَ التجلّدِ

Email