بعد 8 سنوات تدريس اكتشفت نفسها في فضاء مفتوح

فاطمة..توجه الطائرات في سماء دبي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرة هي قصص النجاح التي تكون الصدفة فيها عاملاً حاسماً في حياة الناس، كما هو حال المواطنة فاطمة الزهراء محمد عبدالله، المراقبة الجوية في مطار دبي، التي لم تتخيل لحظة أن تواجدها صدفة في معرض الإمارات للوظائف، سيُغيّر حياتها تماماً، لتكون ضمن 4 سيدات إماراتيات يحرسن سماء الإمارة، تلك المهنة التي لم تخطر على بالها يوماً، وهي التي تجهل أبسط المعلومات عن عالم الطيران، وهنا تكمن صعوبة الاختيار والتحدي.

عرض البداية

من داخل برج المراقبة في مطار دبي، تحدثت فاطمة عن دراستها في إدارة الأعمال والفنادق في إسبانيا، قبل زواجها وإنجابها ثلاث بنات، بالتزامن مع عملها لـ 8 أعوام في تدريس اللغة الإنجليزية في مدارس الدولة، وهو ما منحها تجربة ثرية مليئة بالخبرات والعلاقات.

وعن تجربة التحاقها بالعمل كمراقبة جوية، أشارت إلى أن الصدفة هي الأساس، إذ لم تتخيل أن حضورها لأحد معارض التوظيف للمواطنين، سيكون مفتاح البوابة التي تنطلق منها لتحلق في سماء الإمارات.

وتذكرت وقت أن التقاها أحد الأشخاص المخولين بتعريف المتقدمين للوظائف، مستفسراً عن مؤهلاتها، وعرض عليها فكرة العمل مراقبة جوية، فاستغربت من العرض، واعتذرت لغرابة الوظيفة وعدم مناسبتها لها كامرأة.

روح التحدي

استجابة لطلب الموظف تركت سيرتها الذاتية، في صباح اليوم التالي جاءتها مكالمة هاتفية تطلب منها التواصل مع الإدارة المعنية عبر البريد الإلكتروني، للإجابة عن بعض الأسئلة التي تحلل شخصية المتقدمين لكافة الوظائف.

وأمام استغرابها لسرعة رد الفعل، برزت إيجابية عقلها الباطن الذي استنفر فيها روح التحدي، لترى ما الذي تخفيه لها الأيام، التي حملت لها نتائج مبهرة باجتيازها الاختبارات التي استمرت خمسة أيام، من نجاح إلى آخر، لتزداد رغبتها في إكمال التحدي الذي تملَّكها.

قالت فاطمة إن تلك الاختبارات لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وشملتها، ابتداء بتحليل الشخصية، والمهارات الفردية، واختبارات التحدي والثقة بالنفس وغيرها الكثير، الذي يجعل المتقدمين للوظيفة في تحدٍ مع أنفسهم..

مؤكدة أن شغفها لاكتشاف نفسها، أصبح وقود تميزها الذي أعلنته لها لجنة الممتحنين، التي كشفت لها أنها اختيرت مع 3 أشخاص آخرين من بين نحو 500 شخص، للعمل بوظيفة ستكون مع أخريات غيرها، رائدات لجيل مستقبلي سيلتحق بالعمل في مراقبة أجواء دبي والإمارات الشمالية.

18 شهراً

وأوضحت أنها التحقت بدورة مدتها 18 شهراً، داخل مؤسسة دبي لخدمات الملاحة الجوية «دانز» المزودة لخدمات الملاحة الجوية في مطاري دبي وآل مكتوم الدوليين، والمجال الجوي في الإمارات الشمالية، تعلمت فيها كل صغيرة وكبيرة في عالم المراقبة الجوية، لتبدأ المراقبة في سماء مطار دبي، من خلال غرفة محاكاة، وأجهزة هي الأحدث عالمياً، في مهمة اعتبرتها أداتها لتسطير مجد شخصي لها، ورداً لجميل الوطن.

وأثناء هذه الفترة تم وضع المتدربين تحت كافة الاحتمالات والظروف التي قد يواجهونها، كالأجواء الماطرة والعاصفة أو الغبار والضباب الكثيف..

فضلاً عن الثلوج، إضافة إلى الاطلاع على كل قوانين المراقبة الجوية والطيران، خاصة أن هناك جديداً كل يوم، يجب الاطلاع عليه والانتباه له بدقة، لافتة إلى أن مراقبي الأجواء يعاملون معاملة الطيارين صحياً ونفسياً وذهنياً، من خلال اختبارات دائمة تكشف عن مدى جاهزيتهم الدائمة، وأن هناك رخصة سنوية تمنح لهم بعد إجراء هذه الاختبارات.

برج المراقبة

وذكرت فاطمة أنه لم يتملكها أي نوع من الرهبة في أول يوم لها في برج المراقبة، وبداية التعامل العملي مع أوضاع هبوط وإقلاع حقيقية للطائرات، وذلك بفضل الدورات المكثفة، ومعايشة كافة الأجواء الافتراضية، وساعدها في ذلك استيعاب زملائها القدامى لها.

وأضافت أن المهارات التي اكتسبتها مع بداية مزاولة العمل كثيرة، وجعلت من بعض المواقف الصعبة، شيئاً لا وجود له..

حيث إن هناك مديرين للمراقبين الجويين، يجتمعون بهم يومياً، قبل الصعود لبرج المراقبة، يوضحون لهم كافة التفاصيل التي تتعلق بأي تغيرات مناخية، أو تعليمات فنية، تخص ممرات الإقلاع والهبوط، والممرات الجوية والأرضية، أو استعدادات خاصة لوصول شخصيات مهمة على طائرات خاصة.

ولفتت فاطمة إلى أن مطار دبي، يضم أحدث الأجهزة التقنية الملاحية في العالم، التي جعلت منه المطار الأكثر ازدحاماً على مستوى العالم، دون إغفال جانب المهارات الشخصية التي ساعدت على استيعاب هذا العدد الكبير من الطائرات التي تحمل ملايين الركاب.

طريقة العمل

وأوضحت أن سماء الإمارات تنقسم إلى 3 مستويات، أولها تلك التي تستخدمها الطائرات العابرة لأجواء الدولة، المسؤولة عنها الهيئة العامة للطيران المدني، ثم مرحلة الرادار لتوجيه الطائرات على ارتفاع فوق 1500 قدم..

ويكون مسؤولاً عنها مراقبون مختصون، حتى مرحلة المراقبين الجويين الذين يتسلمون الطائرة من الرادار على ارتفاع 1500 قدم، وصولاً للمدرج الخاص بها، بالإضافة لمهام أخرى تتعلق بالتنسيق الزمني لسيولة مرور الطائرات إقلاعاً وهبوطاً، خاصة مع كثرة عدد الرحلات، لضمان إقلاع وهبوط الطائرة بسلام، فضلاً عن التحكم في الممرات ووقوف الطائرة بأمان.

عامل الزمن

وأشارت إلى أن لكل حجم طائرة إجراءات خاصة بها تختلف من واحدة لأخرى، بما فيها المروحية، التي لها قوانين إقلاع خاصة، مؤكدة أن عامل الزمن ودقته، قيمة أساسية في عملها، ذلك لأن أي تعطيل أو تأخير في الإقلاع أو الهبوط، يقابله غرامات تدفع للمتضرر من ذلك، خاصة أن مواعيد الرحلات مرتبطة ببعضها البعض على مستوى العالم، وهذا ما يضاعف حجم المسؤولية.

وأفادت فاطمة عبدالله بأن مهنة المراقبة الجوية، أبعد ما تكون عن الروتين، بما يغلّفها من إثارة مملوءة بالتحدي، ومن خلال المتابعة لكل ما هو جديد كل لحظة، فضلاً عن شعورها بقيمة ما تقدمه لوطنها الذي لم يبخل عليها بشيء، مؤكدة أن طموحها المهني لا تحده حدود، مثل تطور دبي الذي لا يقف عند نقطة.

Email