الخلافات الأسرية وسوء المعاملة سبب عدوانية الأبناء

أساليب مبتكرة لمواجهة عنف الأطفال

العنف لدى الأطفال يمكن علاجه بأساليب متطورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أطلت على مجتمعاتنا خلال السنوات الماضية، بعض الظواهر السلبية، التي جعلت المهتمين من المؤسسات المجتمعية والاختصاصيين النفسيين يبحثون في أسبابها، ومدى انتشارها، ومن ذلك ما يطلق عليه الاختصاصيون جنوح وعنف الأطفال، وتباين هذا العنف بين الصادر منهم والموجه إليهم، وكان للطب النفسي النصيب الأكبر في البحث عن الأسباب والعلاج لهذه المشاكل السلوكية، التي تلامس جيل المستقبل، الذي يعول عليه في التعليم والنهضة بمجتمعاته، خاصة أنهم يعايشون تحديات ومغريات كبيرة، تتنوع بين التطور التكنولوجي، من ناحية، وانعدام الرقابة الأسرية على الأطفال من ناحية أخرى.

وقد انتبهت منظمات المجتمع المدني الإماراتي لمثل هذه الظواهر، وبدأت في محاصرتها عن طريق الأبحاث العلمية التي ترصدها، والاستبيانات التي تحدد مدى انتشارها، إضافة إلى الاهتمام بتنظيم الدورات التي تهتم بعلاج سلوكيات الأطفال السلبية.

وفي هذا الاتجاه بدأت تنتشر بعض الطرق العلاجية الحديثة التي تعتمد على أساليب حديثة أثبتت فاعلية كبيرة، في معالجة ظاهرة العنف عند الأطفال، ومن ذلك العلاج عن طريق (التنفس الاسترخائي، والتأمل، واليوغا).

ويعتبر مركز حماية الطفل الذي ينضوي تحت مظلة هيئة تنمية المجتمع في دبي، أحد الجهات التي فطنت لمثل هذه العلاجات الحديثة، وبدأت في تطبيقها على الحالات التي ترد إليها من خلال المؤسسات المتعاونة معها مثل القيادة العامة لشرطة دبي، أو من النيابة العامة ومحاكم دبي، التي تحيل لها بعض الحالات لأطفال تعرضوا لعنف من أقرانهم أو من أسرهم، وهناك أيضا حالات ترد للمركز عن طريق المجتمع المدني، الذين لديهم أطفال قد يعانون من فرط في ظاهرة العنف تجاه الآخرين.

التنفس الاسترخائي

وفي هذا الاتجاه قالت دكتورة هدى السويدي مدير إدارة التنمية الأسرية في هيئة تنمية المجتمع: إن المركز وانطلاقاً من مسؤوليته المجتمعية، استشعر خطورة ظاهرة جنوح وعنف الأطفال، ولذلك نظم دورات عدة لمعالجة هذه الظاهرة، ومنها (التنفس الاسترخائي) التي استهدفت الأطفال بين السابعة والحادية عشرة، من المعتدى عليهم، أو من المعرضين للجنوح، وذلك بغرض تعزيز مناعتهم النفسية حتى يستطيعوا تجاوز الضغوط الاجتماعية التي قد تكون سبباً لدفعهم إلى الجنوح.

مدربون اختصاصيون

وأشارت إلى أن الدورة أشرف على تقديمها مدربون اختصاصيون وخبراء في العلاج النفسي والاجتماعي للأطفال، وضمت مجموعة من التدريبات العلمية في مجال العلاج الاسترخائي بالتنفس، وألعاباً موجهة، مؤكدة على أهمية إعداد الأطفال نفسياً حتى يكونوا قادرين على التعامل مع التحديات والظروف التي قد تعرضهم للخطر. وأوضحت أن استيعاب الأطفال للخطأ والصواب لا يعتبر كافياً إذا غابت عنهم القدرة على ترك الخطأ، في الوقت الذي يكون فيه ضحية لظروف أو ممارسات تنتهك حقوقه أو تعرضه للخطر.

انتهاكات متعددة

وبينت أن انتهاكات الأطفال تتعدد لتصل إلى (الإساءات الجسدية، والنفسية، والمعنوية، إضافة للضرب والتحرش الجنسي، والإهمال)، وكلها تتطلب تقوية المناعة النفسية الذاتية لديهم، والقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وهو ما يحتاج في كثير من الأحيان إلى جهد نفسي إضافي من الطفل.

وأكدت أن التدريبات النفسية والاجتماعية، ومنها التنفس الاسترخائي، تساعد الأطفال والبالغين، على حد سواء، على استعادة التوازن النفسي، والحصول على نسبة أكبر من الاستقرار الداخلي، تمكنهم من تجاوز الفترات العصيبة التي قد تمر بهم، حتى لا يصبحون عرضة للأضرار النفسية لاحقاً.

تفاعل إيجابي

وأشارت إلى أن تفاعل الأطفال مع طرق العلاج الحديثة كان إيجابياً، وتتم لاحقا متابعة حالاتهم ميدانياً، لمراقبة تأثير التدريبات على حياتهم اليومية، ومدى استفادتهم منها، مضيفة أن هناك المزيد من التقنيات العلاجية الثابت نجاعتها، لدعم وحماية الأطفال من جميع الشرائح، لاسيما الأكثر عرضة للضرر.

ولفتت إلى أن دور المركز لا يقف عند الدورات التي تعقد داخله فقط، بل ان هناك ندوات تعريفية تعقد للطلبة في المدارس، تعمل على توجيههم وتوعيتهم بما قد يتعرضون إليه جراء أساليب العنف التي يتعرضون إليها، ويتخذها البعض أسلوباً للتعامل به.

العلاج الجماعي

وأوضحت أن المدرسين والاختصاصيين الاجتماعيين يخضعون هم الآخرون، إلى هذه الدورات التعريفية بطرق العنف عند الأطفال وكيفية ملاحظة التغييرات التي تطرأ على سلوكياتهم، حتى يتم رصدها ومتابعتها من خلال برامج خاصة للعلاج السلوكي، قبل أن تتفاقم الامور ولا يتم استيعابها.

ونبهت إلى أن طرق العلاج الجماعي أصبحت منهجاً متبعاً في كل دول العالم، وتعتبر دورات اليوغا والتأمل، إحدى هذه الطرق ذات التأثيرات الإيجابية الواضحة على سلوكيات المعالجين.

أسباب متعددة

فاطمة الزعابي اختصاصية نفسية في مركز حماية الطفل، قالت: توجد أسباب عديدة لعنف الأطفال، منها ما قد يتعرضون له من سوء في المعاملة من قبل الأسرة، أو من خلال زملائهم في المدرسة، موضحة ان التطور التكنولوجي الحاصل هذه الايام وما يحتويه من ألعاب الكترونية عنيفة، إضافة إلى أفلام تتخذ العنف سلعة لها، كلها تعتبر من الأشياء التي تؤثر سلبيا على سلوكيات الأطفال.

وأوضحت أن الخلافات الأسرية وحالات الطلاق التي تقع بين الزوجين، وما يتبعها من مشاكل في قضايا الرؤية، تولد داخل الأطفال طاقة سلبية تنعكس على تصرفاتهم العنيفة اللفظية والجسدية.

3 أشهر

وقالت إن حوادث عنف الأطفال في الإمارات لا ترقى أن تصل حد الظاهرة التي تقلق المجتمع ومؤسساته، وأن هذه الظواهر السلوكية، افضل علاج لها هو التوعية بها من خلال المؤسسات التعليمية والأسرة التي نعول على دورها التوعوي كثيرا.

ولفتت أن الجلسات العلاجية للتنفس الاسترخائي يتراوح عددها بين 8 و12 جلسة وتستمر حتى 3 أشهر، وقد تزيد مدتها حسب نوع الحاجة، ومدى استجابة الطفل للعلاج.

توعية الأسرة

وبينت أن الأسرة عليها عامل كبير في تجنيب الطفل أي مشاكل سلوكية تتسم بالعنف، ولذلك فهناك برامج خاصة تستهدف الأسرة وسلوكها تجاه أبنائهم، خاصة إذا كانوا سببا رئيسيا فيما يعانيه أطفالهم من مشاكل نفسية، وأنه بدون استجابتهم لتغيير سلوكياتهم، فإن ذلك يكون مؤشرا في عدم نجاح العلاجات السلوكية للأطفال.

وأوضحت أن توعية الأهل وإرشادهم بالطرق الصحيحة للتغلب على عنف أطفالهم، هما أفضل الطرق لتجنب مشاكل كثيرة مستقبلا، مضيفة أن الإهمال والعنف الجسدي، أكثر ما يقابل الاختصاصيين النفسيين عند مواجهتهم لهذه الحالات.

تأثير إيجابي

وشرحت أن هناك علاجات كثيرة يتبعونها كاختصاصيين نفسيين، وهم على اطلاع دائم بكل ما هو جديد في هذا المجال، وخاصة فيما يخص تأثيره المباشر على الأطفال، موضحة أن الدورات التي تنظم يلاحظ تأثيرها على سلوكيات الأطفال بشكل مباشر وإيجابي وسريع نحو الأفضل.

وبينت أن هناك فوائد إيجابية كثيرة للتنفس الاسترخائي، منها تنظيم إفراز الهرمونات، وتحسين السلوكيات، بالإضافة إلى زيادة المناعة في أجسام الأطفال على المدى الطويل، مؤكدة أن هناك دراسات طبية كثيرة، أثبتت أن من شأن هذه العلاجات الحديثة تقليل نسب الإصابة بالسرطان.

قيم إيجابية

الغرض من التنفس الاسترخائي هو السماح لأكبر نسبة أكسجين بالمرور إلى الرئتين، مما ينعكس على أداء وظائف الجسم الأخرى، والهدف من جراء ذلك تعليم الأطفال وأسرهم القيم الايجابية والابتعاد عن السلبية منها، بالإضافة إلى القدرة على التأمل والتمتع بالهدوء مما يؤثر إيجابياً على السلوكيات.

خدمات

مركز حماية الطفل.. درع واقٍ

يهدف مركز حماية الطفل إلى حماية الأطفال وتوفير البيئة المناسبة لهم ليتمتعوا بحياة كريمة وآمنة، ويقوم المركز برصد جميع المشكلات المتعلقة بالأطفال وعلاجها، إضافة إلى جمع المعلومات وصياغة الحلول ووضع البرامج وإقرار أفضل الممارسات العالمية المتبعة في التعامل مع مشكلاتهم. وتعتبر الاساءة النفسية والجسدية والجنسية والاهمال من أكثر الاساءات التي يتعرض إليها أطفالنا، ولذلك يوفر المركز البيئة الآمنة للطفل من تعليم ورعاية صحية. ويقدم المركز بعض الخدمات التي تيسر التعامل مع الحالات المرصودة وسرعة التوجه إليها، مثل خدمة تلقي البلاغات المتعلقة بالإساءة وتقديم النصح المبدئي وتقييم مدى الخطورة والتحويل حسب خطورة الحالة، والتدخل العاجل، من حيث تقديم الدعم الفوري للحالات، والاستجابة، وتشمل الاستجابة لأي بلاغ يرد لفرق العمل، من مراكز الشرطة. وهناك أيضاً خدمة الاستشارات الأسرية، وخدمة التأهيل التي تشمل الدعم النفسي للأطفال الذين تعرضوا للإساءة بأشكالها المختلفة والأحداث، وخدمة الرؤية، وتشمل توفير المكان الملائم لتنفيذ أحكام الرؤية والتي تسهم في ضمان الاستقرار الاجتماعي والنفسي للطفل.

مشكلات

علاج سلوك الطفل العدواني

يعتبر تجنب بعض المشاكل التي تظهر أمام الأطفال، من أفضل الطرق لتجنب حالات العنف، وتتعدد أساليب الوقاية، مثل عدم إثارة المشكلات العائلية والخلافات الأسرية أمام الطفل، إضافة لمتابعة الوالدين ومراقبتهم لبرامج التلفزيون التي يشاهدها الطفل.

كما يجب الحذر من أن يظهر الوالدان أي سلوك عدواني أثناء تربيتهم للطفل في المراحل الأولى للنمو، لكي لا يكتسب سلوكاً عدوانياً منذ الصغر، مع عدم عقد مقارنة بين الطفل وإخوانه أو زملائه، لكي لا يتكون لدى الطفل رغبة في الانتقام نتيجة الحقد والغيرة من أقرانه، ويجب الابتعاد عن إشعار الطفل بأنه شخص غير مرغوب فيه داخل الأسرة، حتى لا يتحول غضبه لسلوك عدواني.

وعلى الوالدين أن يعدلا في المعاملة بين الأبناء داخل الأسرة وعدم تمييز طفل عن آخر، وتوفير مساحة للطفل للتنفيس عن المشاعر العدوانية المكبوتة داخله، من خلال إشراكه في أنشطة رياضية جماعية، تساعده على تعلم قيم ومعاني التسامح والعفو، والاهتمام باختيار الأفلام الكرتونية والقصص والمجلات التي تخاطب عقليته وتغرس فيه القيم السامية.

منهج علمي لتحليل التصرفات السلبية للوالدين

قالت أم عبدالله إحدى المشاركات في دورة التنفس الاسترخائي، إن لديها طفلين توأم مصابين بمرض السكري، وأنها لاحظت خلال الفترات الماضية أن سلوكهما آخذ في العدوانية نوعا ما، وأنهما يلجآن للعنف مع بعضهما البعض، ما دفعها للجوء إلى مركز حماية الطفل، الذي اشتركت من خلاله في دورة التنفس الاسترخائي، لما عرفت عنه من دور إيجابي في تغيير السلوكيات العدوانية عند الأطفال.

وبينت أنها لاحظت خلال فترة اشتراك طفليها في الدورة، واللذين يبلغان من العمر 8 أعوام، تغير سلوكهما بشكل كبير، بل أصبحا أكثر هدوءا، مشيرة أنها تفاجأت أن نسبة السكر في الدم عندهما قد انخفضت بشكل كبير وملاحظ، بعد أن كانت مرتفعة، مما انعكس طبيا وصحيا عليهما، وجعلها تفكر في الانضمام لهذه الدورات مستقبلا، لما وجدته من أثر نفسي وطبي في الوقت نفسه.

وأوضحت أنها لمست بشكل مباشر أهمية الطب النفسي السلوكي، خاصة في مسألة تحليل كل المعلومات الخاصة بالأطفال وسلوكهم، وأن هناك احتواء كبيرا من الاختصاصيين النفسيين لمشاكل كل طفل على حدة، خاصة أن هناك منهجا علميا يتبع في مثل هذه الحالات، جزء منه يختص بالأطفال، والآخر يهتم بالوالدين، من خلال جدول سلوكيات، يعطى لهم يتم من خلاله اتباع كل المعلومات والنصائح الموجودة فيه، والتي تساعد في ترشيد سلوكيات الوالدين السلبية، ومساعدتهما على تجنبها وتغييرها.

ولفتت أن هناك بعض السلوكيات التي كانت تتبعها وحاولت تغييرها، مثل الصوت العالي، والتعنيف اللفظي والجسدي، وهذه من أكثر الأشياء التي قد تؤثر سلبا على الأطفال، وتجعلهم يلجؤون للعنف، ردا على المعاملة السيئة لهم.

ونبهت أنه يجب على الأم او الأب أن يستخدما أسلوباً بعيداً عن الضرب والقسوة، وإذا أرادت عقاب الطفل ما عليها إلا أن تستخدم أسلوب الحِرمان المؤقت عن ممارسة نشاط محبب للطفل، مثل مشاهدة أحد برامج التليفزيون، أو إحدى الألعاب المفضلة، ومن الضروري جدا عدم شجار الوالدين امام الأطفال مما ينعكس سلبا على سلوكهم اليومي وكذلك حالتهم النفسية.

سلوك

أكدت أم عبدالله أنه يجب أن تكون الأم مثالاً جيداً للطفل من حيث توفير الهدوء والصفاء في المحيط العائلي، والحد من المشاجرات العائلية، قدر الإمكان ومن ثم اعتماد الحزم لضبط السلوك، وعدم التساهل، وفي الوقت نفسه عدم استخدام القوة، أو العقاب البدني، لوقف السلوك العدواني، بل يجب أن ينتصر أسلوب الحوار والمفاوضات بدلاً من العقاب، وذلك لأن الأطفال أصبحوا على علم بكل ما يدور حولهم، وعندهم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ.

Email