زايد أوصى بها وحرص على عدم إيذائها

«السّمُر».. المظلة الشوكية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ظلالها ملاذ يحمينا من أشعة الشمس الملتهبة، ومن حطبها نوقد النار ونطهو الطعام برائحة شهية، ومن رحيق زهورها نتذوق أجود أنواع العسل الطبيعي. هكذا تبدو شجرة «السمر» المحلية، وارفة بظلالها منذ القدم، كريمة في خدماتها، تقف إلى جانب الإنسان أمام مشقات الحياة، وتمده بالغذاء وأدوات البناء لصناعة البيوت وإطعام الحيوانات في الماضي، لتبقى بمكانتها أكثر من مجرد شجرة تختزل حكايات من ذاكرة الأجداد لا تزال تعاصرنا إلى الغد.

عن شجرة السمر، قال الدكتور خليفة بن دلموك الكتبي؛ باحث في النباتات المحلية والتراث: إن شجرة السمر هي شجرة المناطق الجافة وشبه الجافة، وتسمى «الأكاسيا»، وتوصف بشجرة «المظلة الشائكة»، وهي شجرة وافرة الظل كثيفة الأوراق والأشواك، طلوعها أفقي ولها تفرعات كثيرة عدا بعضاً منها يكون مفرداً أو ثنائي أو ثلاثي الساق، وهي مصدر من مصادر الرزق للإنسان والحيوانات الأليفة. ويطلق على شجرة السمر «شجرة الرضوان» نسبة لبيعة الرضوان إلى جانب الأكاسيا حديثاً، وأهم أنواعها «الأقرطة» و«العربض» ويدعى ذكر شجرة السمر بـ«الشبهانة» وهي قليلة ونادرة.

1200 ملليمتر

وأشار إلى أن شجرة السمر عموماً تنمو فوق الكثبان الرملية والأسطح الصخرية وفي قيعان الأودية الطينية، وتتحاشى المناطق التي تغمرها مياه السيول الموسمية، ويمكنها العيش في ظروف مناخية قاسية عند انخفاض منسوب الأمطار بمقدار سنوي يتدنى إلى 40 ملليمتر، وتتحمل هطول الأمطار بمعدل قد يصل إلى 1200 ملليمتر، وتتحمل الجفاف لمدة عام كامل، وقد تمتد عروقها إلى 50 قدماً في التربة الرملية.

وأضاف أن جميع أصناف شجرة السمر يطلق عليها محلياً «عربض» منذ خروجها من الأرض كشتلة حتى عمر 10 أو 15 سنة، ثم بعد ذلك يتحول صنفها الأصلي إلى «قرطة»، أو تبقى «عربضة»، أما عمرها الافتراضي إذا بقيت سليمة فقد يتجاوز 200 سنة وأكثر. ويمكن تحديد صفات الأصناف الثلاثة من السمر محلياً في الإمارات، بأن أوراق شجرة سمر الأقرطة أعرض من أوراق شجرة العربض، ولها تفرعات يطلق عليها محلياً «سكون»، ويبلغ ارتفاعها حيناً 20 قدماً، ولون أخشابها «اللحاء الخارجي» يميل إلى الأصفر، ولها أشواك طويلة، وعدد أشواكها أقل من شجرة «العربض»، وهي تفرز مادة صمغية لزجة بنية اللون داكنة أحياناً تخرج صيفاً.

أما العربض فتمتاز بكثرة أوراقها الصغيرة وأشواكها الكثيفة، وبعض الأشواك تكون معكوفة لها تفرعات كثيرة من الأغصان، وتبدو متداخلة وتشكل لها طوق حماية من الأغصان الكثيفة لحمايتها من الرعي المفرط من الحيوانات، ويتراوح ارتفاعها من 8 إلى 15 قدماً، أما لون اللحاء الخارجي فرمادي، وغالباً لا تفرز مادة صمغية إلا في حالات نادرة، وهي تعرف بذكر السمر، إلا أنها تنتج زهوراً «برم» ثم تنتج الثمار «الحنبل».

وتتشابه شجرة سمر «الشبهانة» مع شجرة «السلم» من حيث التفرعات ومع «العربض» من حيث الأوراق، وتتميز بتوفيرها ظلاً جيداً، ووجودها نادر، وتسمى محلياً المجنونة، حيث تبدو فريدة في شكلها، وتتحول شجرة السمر إلى شبهانة عندما تكون كبيرة في الحجم والعمر.

بيعة الرضوان

وذكر بن دلموك أن لشجرة السمر مكانة خاصة بصفتها تلك الشجرة التي بايع تحتها الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديبية في السنة السادسة من الهجرة، وذلك عندما سار النبي من المدينة إلى مكة لأداء العمرة وبصحبته 1400 من الصحابة ورفضت قريش دخولهم، ثم تمت بيعة الرضوان تحت شجرة السمر التي أطلق عليها شجرة الرضوان.

كذلك تحمل شجرة السمر مكانة خاصة في قلوب أبناء الإمارات، وقد أصدر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، أوامر لتجنب أشجار السمر عند تنفيذ المشاريع في إمارة أبوظبي قدر المستطاع، بصورة جعلت المهندسين يقسمون الشارع إلى قسمين حيناً عندما تكون في وسط الشارع، وقد أشرف طيب الله ثراه على مشاريع الغابات، وأمر بزراعة أشجار السمر في مساحات واسعة لا تزال موجودة إلى اليوم، أسوة ببقية الأشجار المعمرة مثل «الغاف» و«السدر» وغيرهما، رداً للجميل الذي قدمته الشجرة لأبناء الإمارات في الماضي.

أسماء محلية

وكان الناس في الماضي يستخدمون الأخشاب الصغيرة وقوداً لطهي الطعام، أما الأخشاب الكبيرة والمتوسطة «الناشفة» فيتاجر الناس بها في الأسواق المحلية قديماً، وقد تستخدم الأخشاب الجيدة في بناء بيوت الشعر وبيوت «العرش» صيفاً، وتسمى هذه الأخشاب «مجله»، «وتد»، «معراض»، «ماد»، وغيرها من الأسماء المحلية، أما الأخشاب الكبيرة جذوع السمر الضخمة فيطلق عليها «القعال» أو «القعلة»، وتحرق ثم تجمع وتوضع في «شوالات» ثم تصبح فحماً أو «سخام» كما يطلق عليه محلياً.

صد الرياح

لفت بن دلموك إلى أن زراعة أشجار السمر في محميات لا تحتاج إلى تكلفة كبيرة، وعلاوة على ذلك فإنها جيدة للحد من الزحف الصحراوي وتقليل سرعة الرياح الموسمية، فضلاً عن دورها في تقليل الغبار المتطاير. وقد تختلف زراعة أشجار السمر في الإمارات عن البلدان الأخرى من حيث المسافة، إذ يفضل أن تكون المسافة 6 أمتار وليس 3 أمتار كما هو معمول به في الخارج، حيث الهدف من الزراعة يختلف.

قدرة على مواجهة الجفاف

تتميز شجرة السمر حسب ما أوضح بن دلموك، بخصائص تتلاءم مع المناخ الصحراوي لدولة الإمارات، أبرزها القدرة على تحمل الجفاف لفترات طويلة، لاسيما وأنها قليلة التبخر، وكلما زادت في الكبر زادت عروقها في الطول للوصول إلى الأماكن الرطبة تحت سطح الأرض، مشيراً إلى أننا نحظى بقادة مهتمين بالإنسان والبيئة، إذ بادر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم إمارة الشارقة، بزراعة شجرة السمر بيده في منطقة الذيد، عندما افتتح سموه محمية «بردي» في عام 2007، وهذا التكريم يدل على رد الجميل والعرفان لهذه الشجرة.

وكانت رؤوس أشجار السمر تضرب في الماضي بواسطة خشبة يطلق عليها «المحيان» لتجميع أوراق السمر، ثم استخدامه علفاً للمواشي، ويجمع الورق في وعاء يطلق عليه «السمة»، ثم توقف الناس عن اتباع هذه الطرق القديمة في ظل توفر الأعلاف في الأسواق. كما تستخدم أشجار السمر كثيرة الأشواك «العربض» في صنع حظائر للمواشي لحمايتها من الذئاب والحيوانات المفترسة، وحماية البيوت التقليدية القديمة من المواشي.

Email