مطالب بتدريب الفتيات لإتقان فنون الطبخ المحلي

المطبخ الشعبي.. تراث الكبار

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في كثير من المناسبات خاصة الوطنية والأفراح نجد الاهتمام بتقديم الأكلات الشعبية، والذي يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الاهتمام بالعادات والتقاليد الشعبية في أي بلد، فالأكلات الشعبية في مناطق الدولة المختلفة، توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، بكل ما يرافقها من عادات وتقاليد في طريقة الصنع والإعداد وطريقة تناولها، وهي تتميز بكثرتها وتنوعها ومسمياتها، وتجذب قطاعات عريضة من المواطنين والمقيمين والسياح، وغالباً ما يكون لكل نوع من هذه المأكولات مناسبة، فمنها ما يؤكل في الأفراح، ومنها ما يقدم على مائدة الإفطار في شهر رمضان، ومنها ما يؤكل في الصيف وأخرى في الشتاء.

وهناك وجبات تحلية يمكن تناولها بعد الطعام، وفي أوقات أخرى، كما تتميز بكثرتها وتنوعها، فقد عرفت بطعمها الطيب ورائحتها الزكية، وقد اعتمد المطبخ الإماراتي منذ القدم على ما تجود به البيئة المحيطة، ويُشكّل البحر أهمها، إذ اشتهر ساكنو هذه البيئة بطهي السمك من مختلف الأنواع والأحجام، بالإضافة إلى المأكولات البحرية الأخرى، كما أن لسكان البادية أكلاتهم الشعبية والتي من أهمها اللحم والأرز والخبز بأنواع مختلفة.

لكن هنا لسنا بصدد التعريف بالأكلات الشعبية، وإنما بطريقة عرضها والتطورات الحاصلة فيها، فما يتم حالياً لا يتعدى عروضاً من قبل سيدات كبيرات في السن بإعداد وجبات شعبية في المناسبات.

ويتساءل البعض، لماذا لا تٌنشر ثقافة الأكلات الشعبية بين أوساط الفتيات الشابات وطالبات المدارس، وأن لا تنحصر في كبار السن، وأن تتطور هذه الثقافة من خلال التعريف بالأكلات الشعبية وطريقة إعدادها وأوقات أكلها، إضافة إلى شرحها للوافدين والمقيمين والزائرين.

ولمعرفة آراء المهتمات من السيدات في هذا الموضوع كانت اللقاءات التالية:

حمدة الشامسي مدير مركز رعاية المسنين في عجمان قالت: أعتقد أن مفهوم عرض الأكلات الشعبية، في المهرجانات والمناسبات الوطنية، بالشكل التقليدي القائم عليه الآن، علينا أن نعمل على تطويره وإدخال ثقافة جديدة في عروض الأكلات الشعبية، وألا نكتفي بعروض السيدات الكبار في السن، وإنما ننقل هذه الثقافة إلى الفتيات الشابات وطالبات المدارس في تعلم فن الطبخ، وتزويدهن بالمسميات وطريقة الإعداد والمقادير، إلى جانب إدخال مفهوم جديد بحيث يقمن بالتعريف عن هذه الأكلات باللغة العربية واللغات الأجنبية.

خاصة والإمارات يعيش فيها اليوم أكثر من 200 جالية عربية وآسيوية، ومن إفريقيا وأميركا وأوروبا، واعتقد أننا لو استطعنا فعلاً تدريب مجموعة كبيرة من الفتيات الشابات على تعلم فنون المطبخ الإماراتي، فسوف يستطعن توصيل هذا التراث إلى الآخرين، بلغة واضحة وعلمية، وليكن هذا هو مشروع المستقبل، ومثل ما ينطبق على تراث الأكلات الشعبية، أيضاً يطبق في الحرف والمهن التي تكاد تنقرض، سوى عروض تقام في المناسبات الوطنية.

الحفاظ على التراث

فاطمة عيسى مستشار تطوير الأعمال بمكتب المدير العام بمؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال قالت: نعم على الجيل الجديد أن يتحمل مسؤولياته اليوم في التعريف بعاداته وتقاليده الأصيلة، وتراثه الذي هو جزء كبير من شخصيته، وأضافت: تراثنا لا شك تراث عريق، وقد حرص شيوخنا الأكارم على المحافظة على التراث والتمسك به، نحن كمجتمع إماراتي لديه عادات وتقاليد متجذرة، وعلينا العمل على تطويرها ونشر ثقافتها بين أوساط المجتمع، غير التقليد المتبع حالياً، الذي يكتفي بعرض وتقديم الأكلات الشعبية.

هذا التقليد الحاصل اليوم لا يتناسب مع العصر الذي نعيشه، فالإمارات دولة منفتحة على جميع ثقافات العالم، كما أننا نتهيأ لاستقبال أكبر حدث عالمي (إكسبو 2020 )، سوف تشهده الدولة في الأعوام المقبلة، وستكون هناك وفود سياحية سوف تأتي من مختلف بلاد العالم، وهي فرصة لتعريف تراث الإمارات بشكل حضاري ومتطور، وأن نهيئ جيلاً من الفتيات والشباب المتعلم والدارس لتراثه، بل علينا ومنذ الآن تهيئة مجموعة من الفتيات في مختلف مناطق الدولة، والقيام بتدريبهن على فنون الطبخ والمسميات والتعريف، حتى يقمن بتعريف الآخرين بهذه الثقافة، وهناك الكثيرات من الفتيات قادرات على المشاركة في نشر هذه الثقافة فلماذا نحرمهن منها.

ثقافة للجميع

تمني محمد إبراهيم الموظفة في المصرف العقاري بدبي قالت: لو أردنا أن نتحدث عن الأكلات الشعبية في مناطق الدولة، فسوف نجدها غنية ومتنوعة، لكن ما نعرفه عنها هو القليل، ونكتفي بمشاهدة السيدات كبار السن وهن يقمن بالإعداد والطبخ فقط، لذلك اعتقد أنه من الضروري الآن، أن تعمم تفافة الأكلات الشعبية بين أوساط طالبات المدارس والموظفات والفتيات الشابات، وعليهن أن يدركوا أن هذه الثقافة هي من تراث الجدات والأمهات، وعلينا أن نتعلمها ونتعمق في طبخها ومقاديرها، حتى تصبح ثقافة لكل الأجيال .

استثمار

 

الإقبال على وجبات المطبخ الإماراتي كبير جداً لكن أماكن تواجدها محدود، وهنا تبرز أهمية الاستثمار في هذا المجال وتشجيع الشباب على افتتاح سلسلة مطاعم خاصة تقدم فقط الهريس والجباب واللقيمات والبلاليط وغيرها من أنواع الأطباق الشهية، خاصة أن بعض المطاعم التي تخصصت في هذا المجال وجدت إقبالاً كبيراً من المواطنين والوافدين والسياح، وتشجيع أصحاب الشركات الصغيرة على الاستثمار في هذا المجال مطلب أساسي ليس فقط للحفاظ على الأطباق الشعبية بل من أجل تعميمها وإيجاد مكانة ترقى إلى العالمية أيضاً.

 

نشر الثقافة التراثية.. مسؤولية جماعية تبدأ مع الصغار

الاهتمام بالمطبخ الإماراتي وتنوع أكلاته، بدأ يأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام والرعاية، حتى إن البعض يطالب الآن بنشره كثقافة اجتماعية عن التراث، وحول هذا الموضوع، تقول ليلى الزرعوني مديرة التنمية الاجتماعية في عجمان: لكل مجتمع عاداته وتقاليده وموروثه الشعبي الذي يخلده الآباء والأجداد والقدامى من الأجيال الماضية، ونحن في الإمارات نفتخر جدا بموروثنا الشعبي، وخاصة في مجال تراث الحرف والموروث من الأكلات الشعبية، خاصة وأن الدولة تحرص على رعاية هذا الموروث بمختلف الوسائل، ونحن في مركز التنمية الاجتماعية بعجمان نسعى لإقامة دورات خاصة بتعليم الحرف وفن الطبخ من الوجبات الشعبية، وسوف نعد دورات متعددة حرصاً منا على تعليم الجيل الجديد من الفتيات في أن يدركن مفهوم ثقافة الأكلات الشعبية، وكيف كانت جداتنا وأمهاتنا يعدن الوجبات وكيف يطبخن.

ونقول للجيل الجديد من الفتيات، أن يتعلمن من الأجيال الماضية وكيف يطورن أنفسهن من خلال الحفاظ على التراث إلى التعريف فيه، وكسؤال لماذا لا نهتم بتعليم الفتيات الشابات فنون المطبخ الإماراتي، وتعريفهن بمسمياته وطرق إعداده والمناسبات التي تطبخ فيها هذه الأكلات، أقول ان الفكرة جدا مشوقة في تكريس مفهوم ثقافة الأكلات الشعبية، وسوف نحرص على تقديم دورات متخصصة في هذا المجال على الأقل يومين في الأسبوع، تقوم السيدات الكبيرات في السن بتعليم الفتيات الشابات فنون الطبخ والإعداد، وهذه الدورات ستكون من برامجنا التي نسعى من خلالها الى الحفاظ على تراث وثقافة الأكلات الشعبية في بلادنا، وسوف نعمل على تطويرها باستمرار.

 

المطبخ الإماراتي.. تنوع وغنى في الوجبات

كان المجتمع الإماراتي في السنوات الأولى من القرن الماضي، يعيش حياة بسيطة تتسق مع شظف العيش في الماضي وقلة الدخل وتواضعه، لذلك اعتمد المجتمع في الحياة من خلال النخل والبحر وحياة البادية، فمن النخل صنع بيت العريش وبنى منها القراقير والفرش وأدوات استعملها في معيشته.

ومن البحر كان مصدر الرزق في البحث عن اللؤلؤ وصيد السمك وبيعه وأكله، ومن البادية كانت الخيمة سكنه والمرعى عمله، وتربية الثروة الحيوانية مصدر رزقه، ومن أكلات المجتمع قديماً، كان وما يزال السمك الذي يعد من أشهر المأكولات التي تطبخ، مثل (الجشيد)، كما يشكل التمر المتوافر بكثرة في الدولة، أساساً لعمل أنواع مختلفة من الحلويات مثل (البثيث) (المدبس)، ومن أبرز الأكلات الشعبية الأخرى المفضلة، تأتي أطباق (الهريس) الذي يعتبر طبقاً رئيسياً على المائدة الإماراتية في شهر رمضان تحديداً، وهنالك أطباق مثل (الثريد) و(البلاليط).

ومن الحلويات (اللقيمات) و(العصيدة)، ومعظم هذه الأكلات الشعبية أصبحت من النادر وقليل من يدخلن هذه الأكلات الشعبية إلى مطبخ البيت، وأصبحت الكثير من الأسر الإماراتية تعتمد على الوجبات المستوردة، كذلك من الأكلات الشعبية (المحشـي)، وطريقتها عندما تذبح الذبيحة تفرك بكاملها بالملح والكركم بكثرة، وتترك ساعتين أو ثلاث ساعات حتى تجف من الماء ثم تحشى بالزبيب والبصل والأرز والبيض والهال والقرفة مع رأس الذبيحة، ثم تقفل البطن على هذه الأشياء وتفرك بالقرفة والهال من أعلى، ثم توضع في قدر كبيرة وتحتها خشبات حتى لا تلتصق بقاع القدر.

ثم تدفن في حفرة مليئة بالجمر من 7 إلى 8 ساعات ويصنع ذلك عادة في عيد الأضحى المبارك لكثرة اللحم في الأضاحي، كما يصنع أيضاً في مناسبات الزواج والأعياد، وأيضاً (الهـريس) وهذه الأكلة مشهورة جداً، وتتكون من اللحم والقمح والماء، وتصنع بغسل القمح جيداً بعد تنقيته من الشوائب، ثم يوضع اللحم في القدر، ويوضع القمح فوقه، ويسخن المزيج حتى يغلي ويدك بقطعة من الخشب تسمى «مصدام هريس»، ثم ينزل القدر، يوضع في حفرة خاصة معدة سابقاً، ومفروشة أرضها بالجمر ويغطى القدر بالفحم أيضاً، حتى الصباح، حيث يتم إخراج القدر ويكشف عنه ويقلب الهريس داخل القدر عدة مرات حتى يصبح جاهزاً، و(المجبـوس) وتلفظ المتشبوس أو المكبوس.

ويتم طبخها بوضع اللحم في القدر على النار بعد وضع البزار، أو البهارات والبصل والليمون اليابس «لومي» والملح والماء داخله، ويطبخ المزيج حتى ينضج ثم يخرج اللحم ويطبخ العيش «الأرز» حتى ينضج فيعاد اللحم مرة ثانية إلى القدر، ويغطى بالفحم لمدة ساعة أو ساعتين فيكون جاهزاً للأكـل، وعلى وجه العموم فإن الأكلات الشعبية في الدولة تتميز بكثرتها وتنوعها وأسلوب إعدادها، وتجذب قطاعات عريضة من الناس، وغالباً ما يكون لكل نوع من هذه المأكولات مناسبة فمنها ما يؤكل في الأفراح، ومنها ما يقدم صباحاً أو مساءً، وبعضها يعتبر الوجبة الرئيسية، وغالباً ما يدخل اللحم والأرز فيها، وهناك وجبات تحلية يمكن تناولها بعد الطعام.

Email