لا شك أن الآباء والأجداد في الماضي نجحوا في ابتكار مشاريع زراعية بسيطة لتسيير شؤون الحياة إيماناً بأن «الحاجة أم الاختراع»، ولعل الأمثلة والشواهد في هذا الصدد لا تعد ولا تحصى منها: الأفلاج، وهي عبارة عن تصميم هندسي ابتكره سكان المنطقة في الماضي لري الأشجار في المزارع، وترتكز آلية عمل الأفلاج على شق مسارات في التربة تمهيداً لوصول المياه إلى أشجار النخيل وغيرها من الأشجار، إذ اشتهرت الإمارات بانتشار الأفلاج فيها مثل العين والمنطقة الوسطى والمناطق الساحلية في الفجيرة ورأس الخيمة.
أجريت الكثير من الدراسات والبحوث أثبتت أن الأفلاج قديمة العهد في الإمارات ومنطقة الخليج يعود تاريخ بناء بعضها إلى ما قبل الميلاد، وتعتبر منطقة هيلي بمدينة العين من أهم المواقع التاريخية المشهورة بالأفلاج في دولة الإمارات. وتشتمل الأفلاج على أنواع متعددة التسميات، ومن أنواعها «العيني» و«الداوودي»، وثمة نوع آخر يطلق عليه «الغيلي» يستمد المياه من السيول والأودية التي تجري على سطح الأرض مخالفاً بذلك الأنواع الأخرى من الأفلاج التي تعتمد بشكل رئيسي على المياه الجوفية.
«الحوض» المائي
تعد المياه الجوفية المصدر الرئيسي للأفلاج وانسياب حركة المياه داخلها، ويعتبر «الحوض» هو خزان المياه الأرضي المتحكم في عملية توزيع المياه، إذ تنضح المياه إلى الفلج عند امتلاء الحوض، ثم تنطلق مسرعة في مسار مائي مائل إلى الأسفل، ليتخلل الفلج على الجانبين قنوات فرعية تمهد دخول المياه إليها لتصل إلى الأشجار، ويستطيع المزارع التحكم بإمكانية دخول المياه إلى هذه القنوات عبر إغلاقها أو تركها مفتوحة، شرط أن يترك مسافة كافية بين كل مخرج والآخر، كي يسهل تنظيف المسار من الشوائب، ومن ناحية أخرى للحفاظ على سرعة المياه وعدم تباطؤ سرعتها.
يصل امتداد بعض الأفلاج إلى أكثر من 5 كيلومترات، اعتماداً على كمية الماء المتوفرة في باطن الأرض، ويحتاج شق الفلج إلى أيادي بارعة وخبرة للتخطيط وتنفيذ الحفر بشق الفلج باتجاه عكسي انطلاقاً من المكان الذي تتوفر به الأرض الخصبة، كذلك استطاع المزارعون في الماضي تشييد أنفاق مائية غير ظاهرة للعيان تسمح بتدفق المياه، ويمكن المرور من فوقها، وهذه الميزة أتاحت الفرصة للمزارع كي ينقل ما أراد من مكان إلى آخر بواسطة عربة صغيرة، لذلك كانت سهولة الحركة مكفولة رغم انتشار الأفلاج داخل المزرعة.
«عريف الفلج»
تعرضت بعض الأفلاج في السابق إلى تكدس الرمال داخلها ما ساهم في منع المياه من الحركة، وثمة عادات حرص عليها سكان مدينة العين في الماضي لتنظيف الأفلاج من الرمال، يجتمع خلالها أهالي القرية أو المنطقة، ويشكلون فريقاً لمعرفة مكان انحشار الرمال الذي عادة ما يقع في منبع المياه، وقد يستغرق تنظيف الفلج أياماً متواصلة من العمل في الصباح والمساء، ويساهم في نجاح العملية أحد أصحاب الخبرة في هذا المجال يطلق عليه "عريف الفلج"، وهو شخص يتكفل بتوزيع مياه الفلج.
العيون الكبريتية
من الثروات التي حبا الله بها أرض الإمارات، المياه الكبريتية في مناطق متفرقة من الدولة وأشهرها «عين الفايضة» في مدينة العين، وعين خت في إمارة رأس الخيمة وعين غمور وعين مضب في إمارة الفجيرة، وغيرها من العيون الأخرى التي تعد وجهات استقطاب جاذبة للمجتمع والسياح نسبة إلى أهميتها في العلاج من بعض الأمراض الجلدية وخلافها من الأمراض، فضلاً عن مهمتها في تزويد المزارع بالأشجار، إذ استثمر الآباء والأجداد المياه الكبريتية المنسابة من العيون الحارة، لتقنين انسيابها عبر إنشاء الأفلاج.

