ناشونال جيوغرافيك: مهمة الإمارات للمريخ تلهم جيل من العلماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشرت مجلة "ناشونال جيوغرافيك" العلمية الشهيرة مؤخراً مقالاً بعنوان "أول مهمة إماراتية إلى المريخ ترمي لإلهام جيل جديد من علماء الفضاء" حيث أشارت إلى أن المهمة تعكس طموحاً أوسع نطاقاً في الإمارات لدفع عجلة الابتكار العلمي والفضائي وتنويع الاقتصاد القائم على النفط وتمثل المهمة بالنسبة للعلماء والقادة الإماراتيين فصلاً جديداً لجزء من العالم حافل بتاريخ الاكتشافات العلمية.

وقال البروفسور نضال قسوم، المتخصص بعلوم الفيزياء الفلكية من الجامعة الأميركية في الشارقة:" نحب نحن العرب أن نربط الأشياء بتراثنا وماضينا إلا أن الأمل يعني المستقبل في الواقع فالأمل يعني أننا نبتعد عن الصراعات ونركز على البشر والتطور الاقتصادي".

وقد انطلقت مهمة بعثة الإمارات لاستكشاف الفضاء عام 2014 من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب ريس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حيث أدار برنامج الفضاء الذي تولى إطلاق أول قمر صناعي عام 2009، ووجه بإرسال مركبة فضائية إلى المريخ قبل موعد احتفال الدولة باليوبيل الذهبي لمرور 50 عاماً على التأسيس في الثاني من ديسمبر 2021.

تفترض غالبية الناس أن المسألة تتعلق بالمظاهر والوجاهة إلا أن الواقع غير ذلك،  إذ يأمل قادة الإمارات عبر التركيز على استكشاف الفضاء بإلهام جيل جديد من الشباب العربي لمتابعة مساراته في ميادين العلوم بما يحفز التنافس في منطقة تعتريها مختلف التحديات، ويصبح "التخصص في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من الأولويات".

وقد سعت الدولة المؤلفة من اتحاد سبع إمارات لتنويع اقتصادها في السنوات الأخيرة، بعيداً عن تقلبات الأسواق التيارات العالمية المؤثرة على اقتصاد الدول النفطية وذلك في مرحلة سبقت وصول الجائحة. ويرمي قادة الإمارات أن يشكل مسبار الأمل حدثاً اختراقياً مزعزعاً يسرّع من خطى الدولة نحو اقتصاد قائم على المعرفة يضم نخبة باحثي العالم للعمل في حقول العلم والتكنولوجيا. وتتسم المهمة كذلك برمزية عميقة لكونها أول رحلة إلى الفضاء تقوم بها دولة عربية. ولا يزال إرث العصر الذهبي للحضارة الإسلامية التي بدأت في القرن الثامن وشهدت على إنجاز علماء العرب والمسلمين خطوات جبارة في مجالات الرياضيات والفلك والطب والفلسفة قوة عاطفية هائلة في جزء من العالم تعمّه اليوم البطالة والتطرف والهجرة والحروب الأهلية والفقر.

ينقل التقرير قول المهندس عمران شرف مدير مشروع مسبار الأمل: " لقد اعتدنا كمنطقة أن نولّد العلم والمعرفة فكثيرة هي التقنيات التي نستخدمها اليوم والعلوم التي ترتكز على محصلات علماء المنطقة من مختلف الخلفيات والمجموعات الإثنية".

يضيف شرف بأن الرحلة إلى كوكب المريخ من شأنها أن تدير عجلة التنافس بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للعمل على المزيد من تطوير الصناعات القائمة على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وقد سعت الإمارات لجذب كفاءات المنطقة فأطلقت حديثاً برنامجاً جديداً لضم الباحثين العرب وتدريبهم في ميادين العلوم الفضائية والفلكية. ويأمل قادة المهمة أن تلهم مساعيهم الشباب العربي لممارسة العلوم ومواجهة نزعة التطرف والحدّ من استنزاف العقول وهجرتها إلى أماكن أخرى من العالم.

وتسأل معالي سارة الأميري، وزيرة دولة للتكنولوجيا المتقدمة، قائد الفريق العلمي لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، في هذا الإطار: " كيف لنا إذاً أن نخلق فرصاً للمعرفة التي تغذي معظم الاقتصادات من حول العالم؟ الأبطال الذين نود أن نتحدث عنهم هم هؤلاء الذين يعززون الاستقرار من خلال القيام بأشياء ذات تأثير اقتصادي عبر خلق وظائف وفرص للشباب".

إنجازات شبابية

يدخل مسبار الأمل ضمن عدد من الإنجازات التي حققها برنامج الفضاء في الإمارات العربية المتحدة. ففي العام 2018 كان هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي يزور المدار ويمضي أكثر من أسبوع في محطة الفضاء الدولية، وقد أجرى عشرات المقابلات. وفي العام 2017 أعلن برنامج رواد الفضاء الوطني عن هدف طموح يقضي ببناء قاعدة بشرية على المريخ بحلول العام 2117.

ويعود فضل إحراز الخطوات السريعة في مجال الفضاء بجزء كبير منه، بما في ذلك إطلاق أول قمر صناعي لمراقبة الأرض عام 2018 مصنوع بأيدي مهندسين إماراتيين بالكامل، إلى المقاربة الاستثنائية القائمة على التعاون الدولي.

الإرشاد الكواكبي

لقد تم تصميم مهمة الأمل بهدف أن تنقل بالحدّ الأقصى المعارف إلى طاقم الإماراتيين الشاب من مهندسين وعلماء، ضمن فريق مؤلف من طاقم عمل لا يتعدى عمر أفراده 27 عاماً. ولهذا السبب، فقد استعان برنامج الفضاء في الدولة بمختبر الغلاف الجوي وفيزياء الفضاء في جامعة كولورادو بولدر الأميركية التي تملك باعاً طويلاً في بناء المركبات الفضائية والأدوات العلمية إضافةً إلى جامعة ولاية أريزونا وجامعة كاليفورنيا ببيركيلي.

وساعد الترتيب المبني على عمل الإمارات السابق مع كوريا الجنوبية على القمر الصناعي الأول، العلماء والتقنيين الإماراتيين لتطوير مهاراتهم سريعاً في مجال استكشاف المريخ.

ويقول بيتر ويثنيل، مدير البرنامج في مختبر الغلاف الجوي وفيزياء الفضاء في جامعة كولورادو بولدر الأميركية: "لقد قرر الإماراتيون القيام بالأمر على الطريقة الصعبة وشاؤوا أن يضطلعوا بالعمق في كافة المراحل بدءاً بالقيادة وصولاً إلى الهندسة وكل ما يقع بينهما".

وقد تضمنت السنوات الست التي سبقت عملية الإطلاق العمل مع المجتمع العلمي العالمي لتطوير برنامج علوم المريخ "من الصفر تماماً" كما تقول الأميري مضيفةً: " لقد كان علينا أن نطوّر قسماً جديداً بالكامل كان غريباً علينا تماماً ألا وهو علوم الفضاء." ثمانون بالمئة من الفريق العلمي لمهمة الأمل لاستكشاف المريخ هي من النساء على حد قول الأميري التي تعتبر أنه رقم يعكس النسبة المرتفعة للنساء في برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في أوساط جيل الشباب الإماراتي وجامعات الدولة. وتقول: " الأمر بالنسبة لنا ليس بالمستهجن ولا هو خارج المنطق حيث أنه مبني على الكفاءة."

وكادت وتيرة العمل المتسارع نحو الإطلاق في الوقت المناسب مع احتفال الإمارات بالسنوية الخمسين على التأسيس أن تضيع هباءً حين أغلقت جائحة كورونا المطارات وأبطأت على نحو كبير عجلة الصناعة في العالم. و"أصبحت المهمة عرضةً للخطر." قال شرف. وقرر هو وزملاءه تسريع وتيرة سير المهمة، فتم إرسال الفرق المتقدمة إلى موقع الإطلاق في اليابان مع وقت كاف يمضونه في فترة الحجر. أما المركبة الفضائية فأرسلت من كولورادو إلى دبي لتخضع للاختبارات النهائية، ومن ثم إلى مطار ناغويا في ايابان قبل أن تصل أخيراً بالبارجة إلى مركز تانيغاشيما للفضاء.

قمر صناعي يدرس طقس المريخ

ومن المقرر أن يصل مسبار الأمل إلى المريخ في فبراير 2021 وأن يدخل المدار الاهليجي حول خط الاستواء على مسافة تتراوح بين 20 ألف إلى 40 ألف كيلومتر عن سطح الكوكب. وستوفر المهمة بتحليق المسبار على مسافة أعلى من بقية الأقمار الصناعية السابقة، مشاهد فريدة عن أحوال المناخ الكلية على الكوكب.

ويقول فرنسوا فورغيت عالم الفيزياء الفلكية الفرنسي والخبير بشؤون المريخ الذي عمل مع فريق بعثة الأمل العلمي: "يعتبر نظام المناخ على كوكب المريخ بغاية التعقيد، حيث عواصف الغبار على سبيل المثال التي يمكن أن تبلغ من القوة بحيث تلف الكوكب برمته وتحجب الشمس. ويتألف الغلاف الجوي الرقيق للكوكب الأحمر من ثاني أكسيد الكربون، بحيث يتجمد جزء كبير منه كل شتاء ليشكل غيوم ثاني أكسيد الكربون الجليدية والأغطية الجليدية القطبية العابرة.

وتدور غالبية المسبارات التي ذهبت إلى المريخ حول القطبين وتسير في حلقات منخفضة بما يكفي لدراسة السطح على نحو مفصّل إلا أن ذلك يحدّ رؤية أنماط المناخ الكلية للكوكب. ويتيح مسبار الأمل الذي يدور في مدار بعيد حول خط الاستواء للطاقم أن يراقب ديناميكيات الكوكب على نطاق واسع على امتداد الفصول الأربع خلال العام المريخي. "سنتمكن من أن نرى كل شيء." يقول فورغيت.

وتسلط المهمة من خلال دراسة التفاعلات بين الغلاف الجوي بالمستوى الأعلى والأدنى وقياس مدى فقدان عنصري الهيدروجين والأكسيجين في الفضاء، على اللغز القائم منذ زمن المتعلق بكيفية خسارة المريخ لغلافه الجوي الأولي والمياه وتحوّله من كوكب صالح للحياة إلى عالم أجرد على النحو الذي نراه عليه اليوم. وسيسمح المسبار معاينة الموقع ذاته على نحو متواصل حتى 12 ساعة بما يعطي لمحة عن ظاهرة الطقس في الوقت الفعلي، كبدء العواصف الغبارية على سبيل المثال.

ويمكن لنماذج الغلاف الجوي المفصلة أن تلعب دوراً جوهرياً في المهام المستقبلية إلى المريخ المزودة بطواقم، ويوفر معلومات حول اختيار مواقع الهبوط واستراتيجيات النجاة على السطح، كما بمعطيات تتعلق بدورة المياه على الكوكب. وتحتل مسألة التمكن من التنبؤ بحدوث عواصف الغبار أهميةً جوهرية على وجه الخصوص بالنسبة للبشر الذين يريدون الانطلاق من سطح المريخ والعودة إلى الأرض.

وبعيداً عن الاكتشافات المتعلقة بالمريخ فإن الدفع باتجاه الفضاء وعلوم الكواكب يسطّر قفزةً علميةً للعالم العربي وعودةً إلى النهج القديم. ويقول شرف في إطار وصف الازدهار الثقافي والعلمي بين القرن الثامن والرابع عشر في الشرق الأوسط:" كان الجميع يتعايشون وتتقبل الشعوب الفوارق فيما بينها. ومنذ توقفنا عن قبول تلك الفروق بدأنا نتراجع." ويأمل شرف أن يكون الذهاب إلى المريخ شرارة تطلق أحلام الجيل الجديد: "المهمة تتعلق بخلق أبطال المستقبل." يختم قائلاً.

Email