أوصى تقرير بعنوان «التكامل الاقتصادي لأجل السلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، الصادر عن الدورة السادسة للقمة العالمية للحكومات، باعتماد جدول أعمال إصلاحات اقتصادية جريئة، لتحفيز أنشطة القطاع الخاص، وتعزيز اقتصادٍ أكثر ديناميكية وتنافسية، يستند إلى الابتكار والشمول.
حيث يتعين على البلدان لتحقيق نمو مستدام واسع النطاق، أن تتحول تدريجياً من الاستثمارات التي تهيمن عليها الدولة، إلى الاستثمارات الخاصة، ومن المؤسسات التي تحظى بالحماية، والتي تسعى إلى زيادة حصتها من الثروة القائمة، ولكن من خلال التخصيص الضعيف للموارد، إلى مؤسسات النمو القائم على الصادرات وتوليد القيمة.
وطالب التقرير بتعميق التكامل التجاري، وتحسين فرص الوصول إلى الأسواق في الاقتصادات المتقدمة، وتخفيض التعرفات الجمركية، وإلغاء العوائق التجارية غير الجمركية، والتركيز على المجالات متزايدة الأهمية، مثل تيسير التجارة وتشجيع الصادرات.
وطالب التقرير بالبدء بمشاريع إقليمية، بالشراكة مع القطاع الخاص عالية المكاسب لجميع بلدان المنطقة، في مجالات مثل السياحة، والنقل الجوي والبري، والطاقة الإقليمية والمياه، والصحة الإقليمية والتعليم، ومراكز الأبحاث، بهدف زيادة التجارة في مجال السلع والخدمات داخل المنطقة، وعلى الصعيد العالمي، وبناء الثقة وحسن النية، وتحقيق آثار إيجابية غير مباشرة في المنطقة على المدى المتوسط.
تجارة السلع
وبين التقرير أن إجمالي تجارة السلع يشكل نحو 60 % من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يشير إلى اقتصاد إقليمي مفتوح نسبياً، بنسب تبلغ 48.5 % لجميع الدول النامية، و50 % للاقتصادات المتقدمة، وثمة تباين كبير في مدى انفتاح الاقتصاد على التجارة الدولية في المنطقة، إلا أن نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي، تتراوح بين 35 % في مصر وإيران، إلى 100 % في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي.
ولم تحقق المنطقة ككل نجاحاً في تصدير السلع المصنعة، وهي تشارك مباشرةً بقدرٍ ضئيل في سلاسل التوريد العالمية، وتعدّ من أقل المناطق تكاملاً عالمياً، وعلى الرغم من ذلك، كانت بعض دول مجلس التعاون الخليجي، أكثر نجاحاً من غيرها من دول المنطقة في مجال تصدير الخدمات.
وبحسب التقرير، فإن الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، بلغ 3.11 تريليونات دولار عام 2016، وتُظهر مستويات الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تبايناً وتفاوتاً كبيراً، وتتمتع الدول الست الغنية بالنفط في مجلس التعاون الخليجي، بأعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة.
أزمات كبرى
وواجهت قطاعات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011، أزماتٍ سياسية واقتصادية كبرى، إذ تشهد كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، حرباً خلّفت أكثر من 15 مليون نازح في المنطقة، بالإضافة إلى الخسائر غير المسبوقة في الأرواح البشرية والبنية التحتية المادية، كما أسفرت هذه الحروب عن تصاعد التوتر الاجتماعي والاقتصادي في بلدان مثل لبنان والأردن كذلك، وتشير التقديرات، إلى أن تكلفة إعادة إعمار سوريا التي مزقتها الحرب، ستبلغ 170 مليار دولار، على مدى الأعوام العشرة المقبلة.
كما ستبلغ تكلفة توفير احتياجات البنية التحتية الضرورية في ليبيا 200 مليار دولار، كما يقدّر تأثير الصراع السوري على خمس دول مجاورة، بنحو 35 مليار دولار، وفقاً للبنك الدولي 2016، وتضم المنطقة ثلاثة أرباع الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في العالم، ويشكل الناتج المحلي الإجمالي لمصدّري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وهناك 12 بلداً مصدرةً للنفط، من بين 22 بلداً وإقليماً.
ويمكن لدول المغرب العربي، نظراً لقربها من أوروبا، تحقيق مكاسب أكثر، بفضل ارتفاع تعرفتها الجمركية، إذ يصل بعضها إلى 17 %، ويعتبر مجلس التعاون الخليجي، أنجح مثال على التكامل شبه الإقليمي، حيث أنشأ سوقاً مشتركة، واتحاداً جمركياً، وألغى التعرفات الجمركية ضمن المنطقة، وساهم في زيادة قيمة السلع المتداولة بين الدول الأعضاء، كما يمكن أن تكون المكاسب الناتجة عن الاستثمارات الإقليمية أكبر، خاصة عندما ينسحب المستثمرون غير الإقليميين لدى ظهور أول علامة على الاضطراب.
ويمكن للتعاون الإقليمي، أن يساعد على بناء الثقة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تماماً كما بنت المجموعة الأوروبية للفحم والصلب، الثقة بين دول كانت متحاربة في الحرب العالمية الثانية، فعندما تقوم الدول بالتجارة والاستثمار مع بعضها، يتطلّب ذلك منها التعاون في ما بينها، ويمكن لهذا التعاون الاقتصادي، أن يشكّل منصةً للتعاون في القضايا السياسية والأمنية، التي يمكن بدورها أن تخفّض مستويات الصراع في المنطقة.
وتعتمد توقعات تحسن النشاط الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على المدى القصير، على عوامل عدة، أولاً: يمكن أن يؤدي تزايد تجنب المخاطر العالمية وعدم اليقين الجغرافي والسياسي، الناجم عن النزاعات التي طال أمدها في العراق وليبيا وسوريا واليمن، إلى التأثير في الأداء العام لمصدري ومستوردي النفط، على حد سواء، ثانياً: تتعامل المنطقة مع أعداد هائلة من النازحين داخلياً، ويخلق هذا التدفق تحديات تنموية، ويؤثر في الأداء الاقتصادي لكلٍ من دول المنشأ والدول المضيفة المجاورة.
وشهدت الأعوام العديدة الماضية على وجه الخصوص، تحدّيات كبيرة لمعظم الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتعاني اقتصادات هذه المنطقة من مشكلتين أساسيّتين، تتمثّلان في ضعف المؤسسات وارتفاع معدلات الولادات، ما أدى إلى ندرة الاستثمار الأجنبي المباشر، وركود معدّلات النمو للفرد الواحد، وارتفاع معدلات البطالة، خاصةً بين الشباب في الطبقة الوسطى، وساهم هذا المزيج الخطر، في انتشار حرمان الطبقة الوسطى من الامتيازات في المناطق الحضرية، والذي يعدّ مع انتشار الإنترنت، من العوامل الرئيسة والمسببة للربيع العربي.
ارتفاع البطالة
وسلّط الربيع العربي، الضوء على التحديات الرئيسة التي كانت تواجه منذ أمد، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتشمل هذه التحديات، ارتفاع مستويات البطالة، خاصةً بين الشباب، وتفشي الفساد وانعدام المساءلة والشفافية، وتضخم القطاعات العامة بالمؤسسات الحكومية، التي تعيق تنمية الشركات الخاصة والاستثمار، وانخفاض مستويات تأسيس الشركات، واعتماد عدد من الدول بشكل كبير على واردات الوقود والغذاء، ما يجعلها عرضةً لتقلبات أسعار السلع الأساسية على نطاق واسع.
ويمكن للدول المنفتحة، أن تكون أكثر سلمية، لأنها تصبح أكثر ارتباطاً بالحرية السياسية والديمقراطية، فتطبق هذه الدول، القانون الدولي على نحو أفضل، وتتّبع حوكمةً رشيدة، ويمكن أن يؤدي الانفتاح التجاري أيضاً، إلى توسيع الهيكل البيروقراطي، الذي يُعنى بالمصالح الاقتصادية، إضافة إلى المصالح الأمنية.
وخلصت الأبحاث، إلى أن الاتفاقات التجارية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لم تبذل إلا قليلاً من الجهود لتعزيز التجارة، ومن أسباب ذلك، أن الدول العربية، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، فشلت عموماً في التنفيذ الجاد لمعظم اتفاقات التجارة التفضيلية، التي تم الاتفاق عليها منذ الستينيات.
مزايا
التعاون الإقليمي يثمر مكاسب اقتصادية كبيرة
يتيح التكامل الاقتصادي لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تخفيف حدة بعض المشاكل التي تواجهها المنطقة، وتشمل المزايا التي تعود بأكثر قدر ممكن من الفوائد على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يلي: توليد الفرص التجارية، حيث تتمتع الدول الأعضاء، بما يلي: خيار واسع من السلع والخدمات التي لم تكن متاحة من قبل، والحصول على السلع والخدمات بتكلفة أقل، بعد إزالة الحواجز التجارية، بسبب تخفيض التعرفات الجمركية، أو إلغاء تلك التعرفات.
إضافة إلى تشجيع المزيد من التجارة بين الدول الأعضاء، بحيث يمكن استخدام فائض الأموال المنفقة على السلع والخدمات الأقل ثمناً، لشراء المزيد من المنتجات والخدمات، وشكّل التكامل الاقتصادي مع الأسواق المجاورة، عنصراً فعالاً في استراتيجيات النمو في العديد من البلدان، وتبين أن تحقيق المزيد من التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي أو التجاري، يثمر عن مكاسب اقتصادية كبيرة للـدول الأعضـاء.
تنويع الموارد المالية تحدٍّ يواجه البلدان المصدّرة للنفط
يتمثل أكبر تحدٍّ يواجه البلدان المصدّرة للنفط، البالغ عددها 12، في إدارة مواردها المالية واستراتيجيات تنويعها، مع أسعار النفط، التي تقل عن 45 دولاراً للبرميل الواحد، وفقاً للبنك الدولي في عام 2017، ووفقاً لتوقعات البنك الدولي الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد أَجبَرَ استمرار انخفاض أسعار النفط، وانخفاض العائدات المالية، ونقص سيولة الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على اتخاذ تدابير صارمة، بما في ذلك خفض رأس المال والنفقات الجارية.
ولا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشهد انخفاضاً في النمو الاقتصادي، نتيجة للصراع الإقليمي والآثار السلبية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط على البلدان المصدّرة للنفط، البالغ عددها 12 دولة في المنطقة، ويبلغ النمو الاقتصادي المتوقّع لعام 2017، نحو 2.6 %، ما يشير إلى ازدياد ضعف البنية الاقتصادية، الهشة أصلاً، في المنطقة، وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة.
نقاط إيجابية
وشكلت النقاط الإيجابية الإقليمية، مثل مؤسسات السياسات الاقتصادية فوق الوطنية، والبنى التحتية الإقليمية، والسلام الإقليمي، دعامةً أساسيةً كبرى للتنمية في المناطق النامية الأخرى، وبالنظر إلى ضعف الأداء الاقتصادي، وحالة عدم الاستقرار السياسي، فبإمكان التكامل الاقتصادي، من خلال المبادرات الاستراتيجية على مستوى المنطقة، أو المبادرات الإقليمية الفرعية، أن يعيد بناء المنطقة، ويمهد الطريق في نهاية المطاف لتحقيق السلام الإقليمي.
وعلى الرغم من المحاولات العديدة في ما يخص «الإقليمية» في منطقة الشرق الأوسط على مدى نصف القرن الماضي، إلا أن التقدم كان محدوداً، من حيث التعاون السياسي والأمني والاقتصادي، ومن المرجح أن تمارس المطالبة بالديمقراطية القادرة على إحداث تحولات جذرية، والعدالة الاجتماعية، والحد من البطالة، وإيجاد فرص العمل، ضغوطاً أكبر على الجهات الفاعلة السياسية الجديدة، لاستطلاع سبلٍ جديدة لتعزيز النمو الاقتصادي، ويمكن أن يوفر ذلك حوافز غيــر مسبوقــة لتحسيــن التعـاون الإقليمـي.
وعلى الرغم من أن اللغة والتاريخ والثقافة والتهديدات، تشكّل عوامل مشتركة فيها، إلا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تعتبر المنطقة الأقل تكاملاً في العالم، ويعني هذا الأمر، أولاً، أن المكاسب المحتملة من التكامل الإقليمي ضخمة جداً، إذ إن دول بلاد الشام في ما يخص التكامل التجاري وحده، تملك القدرة على توسيع نطاق التجارة، خاصة مع العراق وتركيا، بمبلغ يقارب ما اكتسبه الأعضاء المؤسسون الستة للسوق الأوروبية المشتركة، عند التوقيع على اتفاقيّة التجارة الإقليمية، بحسب البنك الدولي 2014.
توسع
التكامل الاقتصادي يشجع على التحرر التجاري
يشجع التكامل الاقتصادي على التحرر التجاري، ويؤدي إلى توسع السوق وزيادة الاستثمار في البلاد وانتشار التكنولوجيا، كما يخلق المزيد من فرص العمل للأشخاص للانتقال من بلد إلى آخر، أو إيجاد الوظائف أو الحصول على أجر أعلى.
وتضم مصر أكبر تعداد للسكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يليها العراق، ومع ذلك، ما زالت البطالة في مصر مرتفعة بنسبة 12.4% في الربع الأخير من عام 2016 بحسب البنك الدولي.
أما بالنسبة إلى الجزائر، فتشير التقارير إلى أن أكثر من ثلث الجزائريين يعيشون في حالة فقر، بينما بلغت معدلات البطالة 11% وفقاً للديوان الوطني للإحصائيات.
أما في جيبوتي فيعيش نحو 23% من أصل مليون شخص في فقر مدقع، ولم ينخفض معدل الفقر هذا منذ عام 2002، في حين أن أكثر من 48% من السكان ممن في سن العمل عاطلون من العمل.