ملاحظات عن كثافة وصعوبة المحتوى.. ودعوة إلى إبراز دور الشهداء وتعزيز الهوية

تربويون يطالبون بتقييم المناهج المطوّرة ميدانياً

دعوة إلى تعزيز القدرات المعرفية والعمل على مواءمة المناهج لتلائم توجهات الدولة | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ تطوير العملية التعليمية عادة بتحسين المناهج لتعزيز قدرات الطلاب التحصيلية، لكن التطوير ربما يواكبه كثافة في المحتوى وصعوبة نسبية تعيق تحقيق الهدف المنشود، وهو ما دفع عدداً من التربويين إلى المطالبة بتقييم المناهج المطورة «ميدانياً» من خلال الاستماع إلى آراء الهيئات التدريسية والطلبة وأولياء الأمور لتحديد أوجه القصور إن وجدت ومعالجتها لتحقيق أفضل النتائج للارتقاء بالعملية التعليمية.

ولفتوا إلى بعض الملاحظات التي واكبت تطبيق المناهج الجديدة، الأمر الذي كشف عن حاجة لتطوير قدرات المعلمين وإمكانياتهم من جهة والعمل على تحسين البيئة المدرسية من جهة أخرى، علاوةً على انتقادات طالت محتوى بعض المناهج والأخطاء، متسائلين هل تأخذ «التربية» هذه الملاحظات والآراء بجدية وتتخذ بشأنها القرار المناسب؟


ودعوا إلى تعزيز القدرات المعرفية والعمل على مواءمة المناهج لتلائم توجّهات الدولة في إعداد قادة المستقبل، واستثمار الدراسات العلمية في هذا الإطار، وتأهيل الطلاب لاستيعاب علوم العصر، وإشراك المعلمين والطلبة في إعدادها، معتبرين أن المناهج الدراسية تشهد كثافة وهذا يعيق عملية التعليم الإبداعي سواءً لدى الطالب أوالمعلم في تقديم المادة العلمية.


وطالبوا بتخصيص أجزاء من المناهج لإبراز دور الشهداء بصورة أوسع وتعزيز الوطنية في نفوس الطلبة وكيفية تمثيل المواطنة الحقيقة في شتى مجالات الحياة.
فيما نظر معلمون ومختصون إلى المناهج المطورة نظرة تفاؤلية قائلين إنها تضمنت اختلافاً إيجابياً في الشكل والمضمون واتسم المحتوى بالرصانة والجدة بعيداً عن نهج التلقين والحفظ.



مهارات



وأكد الأستاذ الدكتور عبدالحفيظ بلعربي، رئيس جامعة الفلاح، أن عملية تطوير المناهج ليست كافية فقط لتحسين مستوى الطالب من دون وجود كفاءات عالية من المعلمين والموجهين والمرشدين، فمن الضروري تخصيص لجانٍ وهيئات لتدريب المعلمين وتنمية مهاراتهم وكفاءتهم من خلال إجراء ورش عمل يطبق فيها المعلم ما يتعلمه، ومراجعة المناهج الدراسية المطورة خلال فصل الصيف قبل بدء العام الدراسي الجديد، مع التركيز على التقنيات المتطورة في التعليم، وتحديث طرائق التدريس، وتوفير بيئة صفية مجهزة بكل الأجهزة الحديثة.

وأشار إلى ضرورة تحسين جودة التعليم واتخاذ الخطوات اللازمة للنهوض والارتقاء بالعملية التعليمية ومواكبة ما هو جديد، باعتبار التعليم ركيزة أساسية للتقدم والتطور ويسهم في بناء مستقبل الأمة والأجيال المقبلة.


وقال الدكتور عيسى الحمادي، مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج، إن عملية تطوير المناهج الدراسية وعلى رأسها اللغة العربية لا بد أن تتم وفقاً للدراسات العلمية والبحثية والتطبيقية؛ كونها هي الأساس في عملية التطوير، وأعطى مثالاً على ذلك في الولايات المتحدة الأميركية كونها لا تخطو خطوة في عملية التطوير إلا بعد إجراء دراسة بحثية متكاملة لتطوير النظام التعليمي بشكل عام أو تطوير اللغة بشكل خاص، فضلاً عن تطوير الاستراتيجيات والأساليب، مشيراً إلى أن المركز لديه العديد من الدراسات وسياسات التقويم التي يمكن الاستفادة منها في عمليات تطوير عمليات تدريس ومناهج اللغة العربية.

رؤية واضحة

وأكد الدكتور ماهر حطاب، نائب مدير مدرسة الشروق الخاصة، أهمية استناد المناهج إلى رؤية واضحة طموحة، منوهاً بأهمية مواءمة مناهج العلوم بصياغة وطنية، للحفاظ عليها من التشوّه وإبعادها عن التناقض، كما يجب أن تستند المناهج إلى الشمولية، لتؤثر بشكل إيجابي في أركان المواطن، وتسهم في تطوير الشخصية بشكل إنمائي.



ولفت إلى أن الأسس التي تعتمد عليها المناهج توفر البدائل والخيرات المتعددة، وذلك حتى تشبع كافة رغباتهم، ولعدم قهر الطلبة على نظام محدد غير متوافقين معه، وأن يُصاغ المنهاج بفكر وطني وأيادٍ وطنية تعرف أين ستوصل أبناء الوطن وتحدد احتياجاتهم وقدراتهم وهي تضع المنهاج.
وأكد أهمية انسجام المناهج التعليمي مع المصادر التعليمية وإمكانيات المعلم والبيئة الصفية كونها عناصر متكاملة تحقق أهداف المنهاج التعليمي، وجعل الاختبارات ونظام التقييم تعكس المناهج والمقررات الدراسية برؤية شاملة لتحقق جميع مهارات التفكير، فضلاً عن تكامل الموضوعات التي يطرحها المنهاج والبعد عن التناقض في طرح الموضوعات والأفكار.

مستجدات

ومن جهته أفاد موفق القرعان، نائب مدير مدرسة العالم الجديد للتعليم الخاص، بأن للمناهج الدراسية أهمية قصوى في العملية التربوية، لذلك لا بد أن تخرج عن النطاق التقليدي من الكثافة والدروس غير المنطقية التي تدفع الطلاب إلى النفور من التعليم والمواد الدراسية، مؤكداً أهمية بحث عمليات التطوير التي تحدث بشكل سنوي على المناهج للوصول إلى منهاج محدد يستمر تدريسه لمدة ثلاث سنوات ومن ثم تطويره واحتوائه للمستجدات، بحيث يستطيع المعلم إدراك ذلك المنهج ويكون قادراً على الإبداع في العملية التدريسية، بالإضافة إلى ترجمة المعلمين المعايير إلى معارف وقيم تناسب مستوى الطالب وميوله، والانتقال من مفهوم التعلم كونه استذكاراً واسترجاعاً معلومات إلى منحه مفهومه الحقيقي.



وذكر أن مناهج المواد العلمية تحتاج إلي تخفيف كثافتها لمنح المعلم فرصة للتعليم الإبداعي، أما المواد الأدبية فتحتاج إلى إلغاء دروس وتضمين أخرى وفق الإطار العام للمناهج والتخطيط الملائم للعملية التربوية، وتحديد مضمون المناهج والتقويم، وإعداد طالب مواطن، محافظ على هويته الوطنية والثقافية، معتز بانتمائه لوطنه، ورفع مستواه العلمي، بحيث يتمكن من المنافسة في الاختبارات الدولية، وتنويع مخرجات التعليم، بما يتناسب مع سوق العمل، وإكسابه مهارات التعلم الذاتي، وتطبيق مهارات التفكير العلمي في التخطيط للمستقبل، وتمكينه من التعامل مع النظم الاقتصادية الحديثة.


وطالبت مديرة مدرسة حكومية -تحفظت على ذكر اسمها- بقياس أهميته مدى الاستجابة للرؤية المستقبلية للدولة من خلال المناهج الدراسية، وضمان جودة النظام التعليمي، خاصة المخرجات التعليمية، والتركيز في وضع المناهج على المتعلم كمحور للعملية التعليمية التعلمية، وعدم نفوره من المادة الدراسية، وجعله مواكباً لمتطلبات القرن الحادي والعشرين، وقدرة النظام التعليمي الإماراتي على التنافسية.


وأكدت أن تطوير وتصميم المناهج الدراسية لا بد أن يُعدّا وفق المشاركة المجتمعية والاطلاع على مناهج دراسية ثقيلة المضمون المعرفي وليست الكثافة تسهم في الإنماء المهني، وتكسب الطلبة مهارات وقيماً، والقدر الضروري من المعارف والاتجاهات والمهارات التي يجب أن يتعلمها كل طالب.



خبرات



وقال محمد محمود مخلوف، معلم تربية خاصة بالمدرسة النهيانية للتعليم الأساسي حلقة أولى، إن المنهج بمفهومه الحديث هو كل الخبرات التي تقدمها المدرسة للتلاميذ داخل غرف الدراسة أو خارجها وفق خطة معتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم، وخلال السنوات الماضية بدأت الإمارات في تحديث وتطوير المناهج الدراسية بما يتوافق مع التطور المتسارع الذي يشهده العالم خلال العقد الأول من القرن 21، وقد تم تدريبنا نحن المعلمين على تلك المناهج من خلال المؤتمرات والمنتديات وحضور الدورات التدريبية ضمن برامج التدريب الداخلي المستمر بالمدارس، ومن أبرز ما يتم تطبيقه الآن هو التعليم التكاملي (STREAM)، الذي يهدف إلى إعداد جيل من الطلاب يمتلك المعارف والمهارات والقدرات التي تمكنه من تعلم العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا، وكذلك تعزيز مهارات اللغة بما يجعله أكثر قدرة على المشاركة في مجتمع اقتصاد المعرفة، وقد اعتمد التطوير في المناهج على ضرورة تحقيق هدفٍ أساس وهو أن يكون المنهاج أكثر ارتباطاً بمشكلات الحياة التي تواجه الإنسان.

ابتكار وإبداع

هبة الله محمد، تربوية، ترى أنه لا يمكن الحديث عن تطوير ناجح للمناهج دون الأخذ بعين الاعتبار جزئية كفايات المعلمين المهنية وتطوير البيئة المدرسية التي ينبغي أن تتوافر فيها الإمكانيات لخلق جيل قادر على الابتكار والإبداع.

وقالت الدكتورة عائشة محمد عبدالله الشحي، معلمة لغة عربية في مدرسة نورة بنت سلطان للتعليم الثانوي برأس الخيمة، إن المناهج المطورة لا غبار عليها لكن المطلوب هو إعادة النظر في نظام التقويم والامتحانات كونه السبب الرئيس في التذمر والضجر والاستياء الحاصل في الميدان من خلال أسئلة الاختيار متعدد وعدد الأسئلة 20- 25 سؤالاً، وكل سؤال من خمس درجات أو أربع درجات، وهو بحد ذاته مأساة بالإضافة إلى وجود ثلاثة نماذج للورقة الامتحانية التي في نظره لا تقيس مستوى الطلبة والعدالة في الدرجات، فقد يكون هناك نموذج سهل ونموذج آخر صعب والطالب المحظوظ من تكون ورقته سهلة.

وأوضح يعقوب الحمادي، مرشد أكاديمي بمدرسة تريم للتعليم الثانوي في الشارقة، أن المناهج المطورة تركز على المتعلم من خلال تطبيق وتنفيذ أنشطة تحاكي الواقع وتواكب التطورات التكنولوجية، وتشجع على استخدام مصادر التعلّم على اختلافها في البحث عن المعلومات والحقائق وتحويل التعليم من حالة الجمود إلى التفاعل وإلى ثقافة الإتقان والجودة، مشيراً إلى أن المنهج بمفهومه تغير عن السابق وبات الركيزة الأساسية في تنمية الأجيال وليس مجرد مجموعة من المقررات التربوية من معلومات ومعارف يجب أن يتعلمها الطلبة، وباتت تخاطب النواحي العقلية أكثر من السابق، كما ركزت على الهوية الوطنية. وأبدى فخره بالتعديلات التي طرأت على المناهج، مقترحاً استحداث مقرر يخصّ شهداء الوطن.

آراء


وأوضح معلم فيزياء بأحد المدارس الحكومية أن منهج الفيزياء للصف العاشر والحادي عشر عام لا يتناسب من حيث المستوى العلمي ومن حيث الكم، حيث يفوق قدرات الطلبة، ومن المفترض أن يشمل جميع الفروق الفردية، ما ساهم في خفض الدافعية التعليمية لدي طلبته وزاد من عمليات الشغب داخل الصف.

فيما أفاد معلم رياضيات للمرحلة الثانوية بأن المادة العلمية للمحتوى الدراسي كبيرة جداً بما يحتويه من مفاهيم ومفردات ولا تتناسب مع الزمن المخصص لإنهاء تدريسها، ما أسهم في ملل الطلبة من الكم وجعلهم يشعرون بثقل المادة العلمية.


وطالب معلمي اللغة الإنجليزية بتضمين أنشطة تدريبية أكثر من مناهج الفيزياء لصفوف المرحلة الثانوية ابتداءً من الصف التاسع، وزيادة القطع التعليمية لتدريس الطلبة عليها.


وأشاد ثلاثة معلمين لمادة الكيمياء في المرحلة الثانوية بالمنهاج، مؤكدين أن المنهج الدراسي يحتوي على معلومات مأخوذة من أمهات الكتب ومعلومات تتسم بالدقة والترابط، لكنْ هناك زخم من المعلومات كبير على قدرات الطالب.
وقال معلم لغة عربية إن منهاج الصف الثاني عشر الحالي لمادة اللغة العربية يبتعد عن التعليم التقليدي ويشمل كافة المهارات التعليمية، لكن الطالب يراه أقوى من قدراته؛ لأن هناك أسئلة تأتي في القواعد من السنوات السابقة ما يجعل الطالب يراه خارج عن المنهاج.



شكاوى أولياء الأمور

منذ تطبيق المناهج المطورة في المدارس من الحلقة الأولى حتى الثانوية لم تتوقف الانتقادات، خاصة من جانب أولياء الأمور الذين تدور غالبية نقاشاتهم حول كثافة المناهج وطولها وصعوبتها؛ ما يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق أبنائهم الدرجات المطلوبة، مطالبين المسؤولين بالنزول إلى الميدان لتلمّس آراء الطلبة ومعاناتهم، قائلين إنهم ليسوا ضد التطوير من أجل الارتقاء ومواكبة التطور الذي تشهده دول العالم المتقدم لكنهم مع الفعل التدريجي والتغيير المتدرج الذي يراعي العوامل المحيطة من بيئة مدرسية ومعلِّم ومدى تأهيل الطالب وقدرته على مجابهة التغيير والتعامل معه.

أم عبدالله لديها 6 أبناء في مختلف المناهج الدراسية، قالت إنها مطلعة على كافة المناهج الدراسية من أميركية وبريطانية ووزارية، وترى أن مناهج وزارة التربية والتعليم دون المستوى في المواد الأدبية، وجاءت بشكل جيد في المواد العلمية.


ولفتت إلى أن المناهج الخاصة بالمواد الأدبية خلت من الهوية الإماراتية وجعلت الطالب ينفر منها وغير ملائمة لعادتنا ولا تقاليدنا، مشيرة إلى أن المناهج السابقة التي كانت في أيام دراستها كانت ذات قيمة كبيرة وتفتح عقول الطلبة، أما المناهج الحالية فتخل بمفاهيم القيم التعليمية.


وتساءلت: هل واضعو المناهج الدراسية من أبناء الدولة؟ هل يوجد مراجعون يقفون على الأهداف التعليمية للمواد الأدبية مثل اللغة العربية؟ حيث تلاحظ أن اللغة العربية فقدت هويتها مع تلك المناهج، وتسهم في تربية طفل يخلو من الهوية.

Email