تراجع دورها ومخرجات التعليم والإعلام في دائرة الاتهام

اللغة العربية تواجه تهديدات والمسؤولية مشتركة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد عدد من الأكاديميين وأساتذة مادة اللغة العربية، أن اللغة العربية، باتت محاصرة من جهات عدة وتواجه تحديات خطرة في عقر دراها من أبناء جلدتها، حيث تشير الدراسات والمعطيات الميدانية، إلى تراجع دور ومكانة اللغة العربية بين أبناء الجيل تحت أعذار واهية، وإلى درجة اتهامها بعدم قدرتها على مواكبة تقنيات التطور العلمي، إضافة إلى فرض التحدث باللغة الإنجليزية في مؤسسات التعليم بمختلف مراحلها، إلى جانب التعاملات الإدارية والمالية والاقتصادية، التي تتبنى اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية، وكذلك ظهور موجات من البرامج الإعلامية والمسلسلات والأفلام والأغاني المغرقة في المحلية، وكذلك ظهور وانتشار التقنيات الحديثة على شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، التي سطحت اللغة العربية لدرجة الإسفاف والتقعر واستبدال الأحرف العربية باللاتينية والترميز بحجة سهولة التواصل.

كما أن مناهج التعليم ومخرجاته لم تعد كافية وقادرة على إيجاد الطرق الحديثة، التي تواكب التطوير العام، حتى معلمي اللغة العربية ومعلمي المواد الأخرى الذين هم بالأساس لغتهم العربية هي اللغة الأم، إلا أنهم يفضلون استخدام العامية الممزوجة بمصطلحات ومفردات غير عربية، ناهيك عن التطورات المجتمعية، وتحكم فئات الخدم بالمنازل بالتحدث إلى الأطفال في سني عمرهم الأولى بلغات غير اللغة العربية.

لذلك فإن حماية اللغة العربية مسؤولية كبرى تقع على عاتق الفرد والمجتمع والدولة.

أسباب الضعف

الدكتور محمد جابر قاسم، أستاذ اللغة العربية في كلية التربية بجامعة الإمارات يشير إلى أن الطلاب يذهبون إلى المدرسة ليتعلموا اللغة العربية ويكتسبون مهاراتها، غير أن الواقع الذي نلمسه بأيدينا يدل على أن هذه الغاية لم تتحقق، فالملاحظ أن الطلاب لا يكتسبون المهارات اللغوية بدرجة مرضية، فنجد أخطاء كثيرة في كتاباتهم، وحديثهم، وتتنوع هذه الأخطاء لتشمل: الأخطاء الإملائية، والتعبيرية، والنحوية، والقرائية.

ولم تقف القضية عند هذا الحد، فالطلاب يستمرون في المراحل التعليمية الأخرى حتى يتخرجوا في الجامعة وتراهم غير قادرين على القراءة الصحيحة، أو الكتابة السليمة أو التعبير الصحيح، وإذا كان مستوى الطلاب في مدارسنا بهذا الوصف، فكيف يستطيعون تعلم المواد الدراسية الأخرى وهم بهذا المستوى اللغوي؟! فدراسة اللغة ليست مقرراً تعليمياً فحسب، بل هي القاسم المشترك، الذي يؤدي بالطلاب إلى تعلم المواد الأخرى، وهي أداتهم لاكتساب المعرفة، وتنمية المفاهيم، وبناء الثقافة.

ومن مظاهر الضعف اللغوي شيوع العامية على ألسنة المتعلمين، وكثرة اللحن التي يتعرض له المتحدث، الذي يحاول التحدث بالفصحى، والخلط بين معاني الكلمات، وعدم القدرة على الضبط اللغوي، وضعف القراءة الجهرية، والضعف في الارتجال بلغة سليمة في المواقف الحياتية، وضعف الاستماع، وضعف الكتابة الإملائية وغيرها

منافسة اللغات الأجنبية.

وتتلخص أبرز أسباب الضعف في الازدواجية اللغوية بين الفصحى والعامية، والثنائية اللغوية وهي دراسة لغة أجنبية أو أكثر مع اللغة العربية. وتعدد اللغات يضعف القدرة على استيعابها جميعاً، ويؤدي ذلك إلى الزهد في القراءة بوجه عام، وكثيراً ما ينصرف الطالب إلى العناية بتعليم اللغة الأجنبية، ويوليها جل عنايته، بينما لا يصرف جهداً يذكر في تعليم اللغة العربية.

ومن الأسباب وسائل الإعلام والتأثير السلبي على اللغة، وضعف المعلم من الناحية اللغوية أحياناً والناحية المهنية في أحيان أخرى، فالملاحظ أن من معلمي اللغة العربية من يستخدم طريقة التلقين في تعليم قواعد اللغة، ولا يهتم بالتطبيق اللغوي لهذه القواعد، ولا يقدم النموذج اللغوي كتابة وتحدثاً أمام تلاميذه، بل يخطئ في الكتابة والتحدث، أضف إلى ذلك معلمي المواد الدراسية الأخرى، ومن الأسباب الظاهرة إهمال حفظ القرآن الكريم، الذي يعتبر أساساً لحفظ اللغة، وهناك أسباب ترجع إلى المناهج الدراسية، فالمحتوى الذي يقدم للطلاب لا يركز على ما يسمى بوظيفية اللغة، وفي كثير من الأحيان يقدم الأمثلة التطبيقية على القواعد اللغوية المأخوذة من كتب التراث.

كما أن هذه القواعد لا يتم عرضها بطريقة سهلة ميسرة، ما يصعب على الطلاب استيعابها. ويرتبط بالمناهج الأساليب التعليمية المستخدمة في تدريس اللغة العربية فالطلاب لا يتوافر لهم فرصة للتدريب على المهارات اللغوية داخل الفصل وخارجه، ولا يتوافر أيضاً معامل اللغة العربية في مدارس التعليم. وضعف اهتمام المدارس بالنشاطات غير الدراسية، ما أدى إلى عدم إتاحتها للطلاب على الرغم من أهميتها في إتقان الطلاب للغة العربية، وعدم استخدام الاختبارات الشفهية أو التقويم القائم على الأداء عن طريق تكليف التلاميذ بمهام لغوية يقومون بها، وتقويم أدائهم في ضوء معايير موضوعية.

مواجهة التحديات

يمكن مواجهة تحديات اللغة العربية وعلاج الضعف اللغوي بالعناية بإعداد المعلم عامة، ومعلم اللغة العربية خاصة في اللغة العربية وإتقان مهاراتها وقواعدها، بحيث يقدر كل المعلمين على إكساب الطلاب اللغة العربية السليمة، كما يقدرن على تصحيح أخطاء الطلاب اللغوية، ولكي يتجنبوا الوقوع في أخطاء لغوية تؤثر على الطلاب وتكسبهم معارف ومهارات لغوية خطأ.

مقترحات للعلاج

طرح عدد من المختصين والمهتمين، عدة مقترحات، بينها: تشجيع الطلاب على حفظ القرآن الكريم، وتقديم جوائز وحوافز ومميزات للطلاب، واستخدام اللغة العربية الفصحى في التحدث داخل المدارس، وفي عمليات التعليم والتعلم. وتوثيق صلة الطلاب بالتراث، وتنمية الميل على الاطلاع والقراءة والاتصال بالكتب والمكتبات. ومن أهم سبل العلاج التي يجب أن تأخذ مأخذ الجد، إرجاء تعليم اللغة الإنجليزية إلى الصف الرابع، وذلك بعدما يتقن الأطفال اللغة العربية، فلقد أكدت ذلك البحوث التربوية التي اهتمت بتأثير اللغة الثانية على اللغة الأم، فالثنائية اللغوية لها تأثيرها السلبي على اللغة العربية.

Email