واقع التعليم انعكاس لحالة الأمة العربية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد الدكتور مأمون كنعان موجه اللغة العربية، أن واقع اللغة اليوم وما تواجهه من تحديات يعكس واقع الأمة العربية، فقد مرت بمجموعة من الأحداث جعلتها كما نرى الآن. فمن الانفتاح على ثقافات الأمم الأخرى كالفُرس والرومان والهنود نتيجة الفتوحات الإسلامية وامتزاج الدم العربي بالمَوالي، إلى عصور الانحطاط التي كانت بداية لأسوأ ما يمكن أن يصيب اللغة رغم المحاولات المتكررة، إما في شكل فردي أو عبر مدارس ومذاهب لاستعادة مجد هذه اللغة الآفِل، ثم السعي إلى تطويرها فكان عصر النهضة محاولة جريئة لإعادة بناء اللغة واستيحائها من منابعها الصافية مع الكلاسيكية الجديدة التي فتحت أمام حركات التطوير والتجديد الباب واسعا لإكمال مشروع بعث اللغة من جديد. غير أنه أُجْهِزَ عليه لانكماش المشروع الحضاري العربي برمته.

تحديات حضارية

وقال إن اللغة العربية تمر بمرحلة عصيبة تنسجم تماما مع مستوى ما تواجه الأمة العربية من تحديات خطيرة تمس جوهر وجودها ومقومات استمرارها. فاللغة العربية أضحت هدفا يراد القضاء عليه في أفق التمكين للغة وحضارة الغالب، وإن واقع هذه اللغة هو انعكاس للوضع الذي وصلت إليه الأمة، وهو صورة للحالة التي توجد عليها. ولذلك فإن الاهتمام بمعالجة مشكلات اللغة، وبحث قضاياها للخروج بها من الدائرة التي تتراجع فيها أهميتها لدى فئات واسعة من أبنائها، جزء لا يتجزأ من الاهتمام بقضايا البناء الحضاري.

تحديات العولمة

واشار إلى أن هناك عدة أسباب أدت إلى تراجع الاهتمام باللغة العربية فالهزيمة النفسية التي تجتاح العالم العربي، تراجع الانتماء والحس القوميين؛ إذ لا نستطيع تصور الاعتزاز باللغة القومية في زمن يتراجع فيه الحس القومي، بالإضافة إلى تحديات العولمة التي تواجه اقتصاديات الدول واختياراتها وسياساتها، كما تواجه ثقافات الأمم والشعوب وخصوصياتها ولغاتها وقيمها.

وكذلك من بين الأسباب المباشرة انتشار المدارس والجامعات الأجنبية في الرقعة العربية بصورة فوضوية، مع ما يصاحب ذلك من اعتماد شبه مطلق تقريبا على اللغات والمناهج الأجنبية، وتهميش اللغة العربية في أرضها وبين أهلها.

اعتبار اللغتين الإنجليزية والفرنسية هما لغة العصر، وأنها لغة العلم والثقافة وأن اللغة العربية لا يمكنها مواكبة العصر، وليست مرنة، ولا تتسع للمصطلحات الحديثة، من أجل تنفيرهم وإبعادهم عنها.

كما أن من أهم الأسباب توجيه وتصميم المناهج في البلاد العربية بشكل عام يصد عن اللغة العربية، وزرع حب اللغة الأجنبية، وتدريس العلوم باللغات الأجنبية.

الصد عن استخدام العربية الفصحى، من خلال الدعوة إلى العامية، وإحياء اللهجات المحلية، وتشجيع الكتابة بالعامية، واستخدام الإعلام للعامية والألفاظ الأجنبية في المجالات الحيوية كالإدارة والاقتصاد والعلاقات الخارجية والبرامج التلفزيونية والمسلسات.

هجرة العقول العربية إلى الدول الأجنبية لأنها تحتضنهم وتفتح فرص الإبداع والإنتاج أمامهم. اضافة لذلك ظهرت التقنيات الحديثة واجهزة التواصل التي يستخدمها ابناء الجيل، عبر الرسائل والتواصل باستخدام لغة ركيكة ومفردات مغرقة في العامية والمحلية واستخدام تعابير واختصارات لبعض الأحرف والكلمات مما سبب تراجعاً وانهياراً كبيراً في المخزون اللغوي لدى أبناء الجيل.

واضاف إن وضع اللغة العربية عموما سواء في المشرق والمغرب العربي ليس سوى انعكاس لتخلف العرب عن ريادتهم وقيادتهم لقاطرة العلوم والتقنيات الحديثة التي تُعتبر في عصرنا هذا محور الحضارة المعاصرة وأساس كل تقدم وتطور.

وعندما يصير السبق للعرب في مجالات الابتكارات والتقنيات والعلوم الحديثة، وقتها ستصير اللغة العربية هي لغة التدريس في أكبر المعاهد العلمية ومراكز البحث العلمي التي ستجعل الشعوب الأخرى هي من تسعى بدورها إلى تعلم اللغة العربية لأجل اللحاق بالعرب والاستفادة من تطورهم وتقدمهم في شتى المجالات.

مقترحات للنهوض

وبخصوص المقترحات وعلى ضوء المعاناة والدراسات البحثية لمعالجة واقع اللغة العربية وضرورة تحصينها ورفع شأنها لا بد من التوسـع في نشر اللغة العربية بمختلـف الوسائل، وتقدير ودعم كل الجهود التي تبذل في هذا السبيل على مستوى الدول والمنظمات والمجامع والأفراد، وتهيئة الفرص للمزيد من العناية بنشرها لغة وثقافة وحضارة، وتمتين الصلة بين الجهات المعنية بهذا الدور وطنيا وإقليميا وعالمياً.

العمل على تصميم المناهج على أساس إيجاد البيئة اللغوية، وتخريج الناطقين المبدعين بالفصحى. ويكون هذا في مناهج المدارس الحكومية والخاصة، والجامعات، وكل المؤسسات التعليمية.

توفير المكتبات وكافة وسائل الحصول على المعلومات، والكتب في اللغة العربية الفصحى، وإقامة المسابقات في اللغة، وتقديم المحفزات المادية والمعنوية للمبدعين والمتفوقين فيها.

قواعد اللغة

طالب المتحدثون بإعداد برامج تلفزيونية خاصة بتنمية اللغة العربية الفصحى، وأن تستخدم وسائل الإعلام في توعيتها الكلمات الفصحى، والعبارات سليمة التراكيب التي تجمع بين البساطة في التعبير، واحترام قواعد اللغة، وضرورة وجود دائرة من المراجعين المدققين اللغويين ذوي الكفاءة يتبعون النشرات والتقارير والبرامج الأخرى.

و تشجيع حركة الترجمة والتعريب، من أجل أخذ العلوم، والاكتشافات، والاختراعات، من الأمم الأخرى بدل أن ندرسها بلغات تلك الأمم، وكتابة كل العلوم باللغة العربية، ومعالجة اللغة العربية آلياً مطلب ملح.

Email