حوادث مؤسفة ترافق مواسم الأمطار

غياب الوعي بمخاطر «تحدي الوديان» .. عواقب مميتة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

طالب عدد من المواطنين بضرورة اعداد برامج توعية، خاصة للشباب المغامرين الذين يتحدون الطبيعة حينما تنهمر أمطار الخير بغزارة وتجري المياه في الوديان بقوة خاصة في المناطق الشمالية والشرقية التي تشكل طبيعة الجبال والوديان فيها مسارات لمجرى المياه التي تتفق بسرعة وتجرف كل ما يواجهها، وللأسف يوجد عدد من المغامرين الذين يتحدون الطبيعة ويقفون في مجرى الماء المتفق غير آبهين بنتائج هذا التحدي، وكم من حادث وفاة تم نتيجة هذه المغامرات، ورغم ذلك مازال عدد من الأشخاص يذهبون الى الأماكن الخطرة من الأودية، ومجاري السيول، ثم يقعون فيما لا يحمد عقباه. لذا فإن الوعي بالمخاطر لا يزال غائباً والمسؤولية تتحملها جهات عديدة.

أضرار

وأشار مواطنون في رأس الخيمة إلى أن الصورة لا تدع مجالاً للشك في حقيقة نقل الواقع لمواقع التواصل الاجتماعي، وتوضيح حجم الأضرار التي تحدث أثناء هطول الأمطار، مثل ما تلحقه سيول الأودية في الشوارع والمباني والمشاريع القديمة والحديثة خلال الأحداث السابقة، إذ تضمنت عدداً من الصور المتداولة مشاهد لأفراد عالقين وسط المياه عبر لقطات «سيلفي»، وتوثيق حدث مؤلم ونقل حجم خسارة كبيرة لسياراتهم الغارقة في الأمطار أو لعمليات إنقاذ ما.

تنمية وتفعيلومن جانب آخر، أوضح مختصون وإعلاميون في رأس الخيمة ضرورة تنمية التوعية وتفعيلها، وإن كان الأمر يستلزم تطبيق قوانين وعقوبات صارمة تجرم سلوكيات العبث والمغامرة التي تحدث في مناسبات الفرح بهدف لفت الانتباه إلى ما يعرض حياتهم وحياة الآخرين ومنهم رجال الإنقاذ لخطر الموت، مشيرين إلى أن هناك ميزانيات كبيرة يتم رصدها لهذه الحملات، ولا يجب الاكتفاء بالتثقيف والتوعية فقط، إنما إيجاد قوانين تضمن إنهاء جميع المخالفات إن تطلب الأمر.

وأضافوا أن الحملات تنشر الوعي لكنها تحتاج إلى رادع يضمن تطبيق أهدافها، فتجنب الممارسات الضارة يقي الفرد نفسه العواقب قبل أن تؤثر في المجتمع، وتمنع تطويره وتنميته، مشيرين إلى أن الحملات التثقيفية التي تقدمها مؤسسات الدولة تعزز المفاهيم التي نسعى إلى أن يتبناها المجتمع، مضيفين أن الحملات وحدها لا تكفي، فهي تترك للفرد حرية الاختيار، ولا تلزمه باتباع السلوكيات الصحيحة.

ضوابط معينة

ففي البداية، قال د. سيف الغيص المدير التنفيذي لهيئة حماية البيئة والتنمية في رأس الخيمة، لا توجد أسباب في حوادث الفرح لأي مناسبة كانت سواء وطنية أم طبيعية، كلها أقدار من الله تعالى، ولكن بعض الأفراد قد يخطئ في حساباته في التعامل مع مظاهر الفرح أيا كان نوعها مثل الأمطار، ويعتقدون أن الأمور يمكن السيطرة عليها ويحدث ما هو غير متوقع. مشيراً إلى عدم وجود زيادة في معدل الأمطار وجريان الأودية في السنوات الأخيرة، وإنما كان معدلها أقل، ولكن في توفر وسائل النقل والاتصال والزيادة في عدد السكان سهلت التواصل وتتبع الظواهر الطبيعية وأسهمت في سهولة الوصول إليها بأسرع وقت، لافتاً إلى أهمية أن تكون هناك ضوابط معينة تحذر غير المعنيين من الاقتراب أو دخول مواقع معينة حتى مواقع البناء.

التغير المفاجئ للمناخ

ومن جانب آخر، أكد الخبير البيئي المهندس يوسف عبدالرحمن المرزوقي، أن الأرض تمر بتغيرات مناخية كبيرة مثل الاحتباس الحراري وهذا سيؤدي لزيادة كميات الأمطار في بلادنا وتعد في معظم الأحيان أمطاراً فجائية تغيب أربع أو خمس سنوات ثم تأتي فجأة، ولا يغيب عن الحسبان التغير العالمي للمناخ في السنتين الأخيرتين وتغير دورة الأمطار التي قيل بأن عمرها يقارب 40 عاماً، وكذلك غزارة الأمطار التي هطلت على معظم مدن الدولة في السنتين الأخيرتين خير برهان على ذلك، إلى جانب الطبيعية الجيولوجية والجغرافية الفريدة للمناطق الشمالية الشرقية التي تجعلها عرضة للظواهر الطبيعية المختلفة، وبالتالي أوجدت الحاجة إلى ضرورة زيادة الثقافة والوعي من الأفراد في المخاطر التي يتم التعرض لها في ظل المظاهر الطبيعية وكذلك المناسبات المختلفة، إضافة إلى الاستعداد من الجهات الحكومية بأن نقيم بنية تحتية جيدة وأن نهتم في توفير مجاري السيول وشبكات تصريف الأمطار، ويجب الاهتمام بصورة أكبر بإدارات الكوارث، مع ضرورة احترام الطبيعة الجغرافية للأرض وتعميم الإنذار المبكر وتطوير وسائله.

دراسة مستوفية

يوافقه الرأي المواطن أحمد علي النوا الشميلي، بأن التغير المفاجئ للمناخ وتغير دورة الأمطار، والتوسع العمراني وزيادة عدد السكان وطبيعة المخططات العمرانية والمسؤولية البشرية من أكثر الأمور التي جعلت هناك حوادث معينة في مظاهر الأمطار وتقلبات الطقس. مشيراً إلى أن طبيعة المنطقة، وباعتباره يعيش في منطقة «شمل» كونها تقع بين مجموعة أودية وعند نزول الأمطار من أقصى الشرق أي من الجبال كمنطقة مرتفعة، تنقل هذه السيول إلى المناطق لتأخذ مجراها الطبيعي إلى أقصى الغرب، مروراً بالأودية المنخفضة التي تتوسط ما بينهما ولا يمكن فعل شيء أمام قوة الطبيعية، ما يتطلب دراسة مستوفيه بالتغيرات المناخية التي قد تتسبب في حوادث للمناطق ذات الطبيعية المختلفة والمعقدة في تكويناتها التضاريسية.

تضافر الجهود

وعلى مستوى تنمية الوعي، قالت الإعلامية عذرا عبيد النقبي، إن المؤسسات المجتمعية تحرص على تنظيم الحملات للحد من الظواهر السلبية، إضافة إلى وجود خطط لدرء تلك المخاطر سواء كانت بيئية أو اجتماعية، إلى أن «الوعي» لا يزال غائباً عن تجنب حوادث المناسبات السعيدة والمفرحة، مشيرة إلى التعليمات والتحذيرات التي تطلقها الجهات المعنية في مختلف المناسبات في الدولة وبالذات التي قد تثير سلوكيات لا مسؤولة في بعض الأحيان، مشيرة إلى مشاهد مثيرة عرضت في وقت سابق من تساقط الأمطار والقلق من تحولها إلى مجال للتنافس بين الشباب حول أفضل مقطع لاختراق مجاري السيول في تجمعات المياه العميقة في بطون الأودية أو أثناء هطول الأمطار وهو ما يضاعف من احتمالات المخاطر ولاسيما أن هذه المشاهد الخطرة لا تقتصر على المراهقين والشباب صغار السن، بل إن نسبة كبيرة ممن يقدم على هذه المغامرات هم شباب تزيد أعمارهم على الثلاثين عاماً.

عقوبات

ودعت إلى ضرورة فرض عقوبات صريحة في حق المستهترين في مثل هذه الحالات، خصوصاً أن هذه الأمطار متكررة في كل عام حتى وإن اختلفت أماكن تساقطها، كما يتوجب على مسؤولي المناطق أن يبادروا بالتحرك وقت الكوارث وتقديم المساعدة لهذه الجهات الحكومية وتسهيل مهامها، إلى جانب تطوير شبكات إنقاذ اجتماعية (فرق تطوعية مؤهلة) بتكوين إطارات الإنقاذ وتدريبها على كيفية التصرف في حال وقوع كارثة طبيعية ومتخصصة بتقلبات الطقس تضمن انتشارها في مختلف المناطق دعماً لجهود الشرطة وجهات الإنقاذ وبالتنسيق والتعاون المشترك فيما بينهم، داعية لتضافر جهود القطاعات الحكومية والتنسيق الفني فيما بينها ومع المواطنين.

أسباب

حدد المختصون أبرز أسباب تحول مظاهر الفرح إلى حزن، والتي هي: غياب الوعي بثقافة الفرح، التغير المفاجئ للمناخ، الطبيعة الجغرافية للمناطق، أخطاء بشرية، غياب قانون للمخالفات وسلوكيات التهور في المناسبات الخاصة، غياب التوعية الذكية بالمخاطر، غياب بدائل فنية تتناسب مع التغيرات البيئية والمناخية، التوسع العمراني، وزيادة عدد السكان.

فرض الغرامات والمخالفات لردع المغامرين

استغربت مريم الشحي رئيسة مفوضية كشافة رأس الخيمة خروج الكثيرين إلى المناطق المتأثرة بالأمطار الغزيرة لمشاهدة مياه السيول بالرغم من التحذيرات المستمرة حول مخاطر ذلك. مضيفة: «طبيعة مجتمعنا لا يقبل أن يتحداه أحد للقيام بتصرف ما، وهذا ما يحدث في بعض الأوقات ويكون الأمر كنوع من التحدي، وهناك جانب عدم الوعي الذي يغيب عنا، فكثير من الشباب لم يدرس المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها، وهي ثقافة غائبة، إلى جانب أزمة نعانيها في التعامل مع الحوادث».

وترى أن فرض الغرامات والمخالفات من قبل جهات الاختصاص ستكون أمرا جيدا لردع مثل هذه التصرفات وحماية المواطنين والمقيمين على حد السواء.

حيث إن تحديد الغرامات وفقا للمخالفة تماما كمخالفات المرور، قد تكون رادعا للمتهورين، خاصة إذا ثبت التهور والاستعراض لكونهم لا يعرضون حياتهم للخطر، بل حياة الآخرين وخاصة رجال الإنقاذ. مشددة على جانب تكثيف البرامج التوعوية.

روح القانون

كما أوضحت الكاتبة خديجة الطنيجي أن مظاهر المجازفة والمغامرة تجاوزت الحد بشكل ينبئ عن عدم اكتراث بعضهم بالمخاطر الكبيرة، التي تأتي عادةً بسبب الاقتراب أو الدخول في المناطق الخطرة مثلما يحدث خلال مواسم الأمطار الغزيرة، وما يبعث على العجب أن تلك الحالات لم تكن نتيجة مداهمة مياه تلك الأودية للناس في مساكنهم، أو أماكن عملهم - بل إن هؤلاء الضحايا هم من ذهب إلى تلك الأماكن والدخول فيها، معرضين أنفسهم ومن معهم للخطر، غير عابئين بالتحذيرات التي توجه لهم من قبل الجهات المعنية أو من قبل أصحاب الخبرة بتلك الأودية ومخاطرها.

لافتة إلى أن الجهات المعنية والمحذرة نفسها هي من تسهل لهم هذه الممارسات عبر عدم تحديد دوائر الخطر بعدم الاقتراب على سبيل المثال 40 مترا من مواقع الأودية إلى جانب مخالفة من يخاطر أثناء ذلك، أو إغلاق الطرق بصورة تلقائية ما يتم فيه فرض روح القانون واتخاذ الإجراءات في حق المخالف.

التوعية خيار أول

ومن جانب آخر، قال المقدم مروان عبدالله جكة مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بشرطة رأس الخيمة: إن شرطة رأس الخيمة تحرص على وضع التوعية كخيار أول في مختلف المناسبات. وتسعى في المناسبات الوطنية إلى تشكيل لجان أمنية لتأمين الاحتفالات المقامة وضمان انسيابية حركة المرور بهدف الحفاظ على الأرواح والممتلكات لما تشهده هذه المناسبات من الكثافة الجماهيرية والعديد من الفعاليات والأنشطة، وهو ما يتطلب استعداداً أكبر من جهاز الشرطة.

حيث نجحت الشرطة في مناسبات سابقة بتحقيق نتائج إيجابية عبر الخروج من فعاليتها دون إصابات أو وفيات تذكر، في حين يتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفات سواء المرورية والأخرى من ناحية عدم الالتزام بالقوانين والاشتراطات كمثال تزيين السيارات. أما بخصوص فترة هطول الأمطار وتقلبات الطقس، فيتم توعية الناس مسبقا بضرورة عدم التواجد في الأماكن الجبلية ومناطق الوديان ومسارات جريانها، وعدم ارتياد البحر والشواطئ، كما يتم اتخاذ إجراءات احترازية تتمثل في إغلاق بعض الطرق المؤدية لبعض الوديان والمناطق المتأثرة بغزارة الأمطار، وذلك حفاظا على أرواح الأفراد.

استغلال وسائل التواصل والتقنيات الحديثة في حملات التوعية

أوضح المواطن سالم سعيد القايدي، أهمية نشر التوعية بطريقة سهلة وبسيطة وعملية وبشكل صحيح، في هيئة أفلام تحتوي كل التعليمات، تناسباً مع ثورة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، وعدم الاكتفاء بأن تكون التوعية مجرد تعليمات أو لافتات صامتة، وبثها في كل وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي حتى تصل إلى أكبر عدد من المستهدفين سواء كانوا من المعنيين في التوعية بالفعل، أو لزيادة المعلومات العامة لغيرهم، مبيناً أن بعض الشباب لا يهتمون بالقواعد الضرورية، وإذا وصلتهم التوعية بطريقة عملية سهلة بعيداً عن التحذير أو التوجيه أو التهديد بتوقيع عقوبات حال ارتكابهم المخالفات، سوف يتعاملون بطريقة إيجابية؛ ما يؤدي إلى تحصيل النتائج الآمنة في مختلف الظروف أو الأحوال وتنمية مهارات التعامل مع المتغيرات الجوية والمفاجآت غير المتوقعة.

اقتراحات للتوعية العامة وتقليل الحوادث

أورد المختصون مقترحات تسهم في تقليل الحوادث التي تتكرر، سواء خلال هطول الأمطار، وهي بشائر خير تتحول إلى مأساة عند البعض، بسبب عدم أخذ الحيطة والحذر من سوء الأحوال الجوية وتطوراتها، أو مناسبات أخرى تتطلب الوعي والتصرف السليم، ومن هذه المقترحات:

■التوعية والتثقيف بالمخاطر المحتملة من سوء الأحوال الجوية، وبالأخص الطبيعية منها، وأساليب التصرف أثناءها.

■إنشاء هيئة مستقلة تتولى مسؤولية تنفيذ ومتابعة مشروعات تصريف مياه الأمطار والسيول، داخل المدن وخارجها، مع رقابة وتقييم للمشاريع الجاري إنشاؤها.

■تأسيس فريق لنشر الوعي المناخي من المتطوعين.

■تطوير شبكات إنقاذ اجتماعية بتكوين إطارات الإنقاذ، وتدريبها على كيفية التصرف في حال وقوع كارثة طبيعية.

■سن آلية وفرض عقوبات بحق من يحاول المغامرة في المناسبات الطبيعية والوطنية وغيرها.

■تخصيص مركز موحد للتنسيق، مع تضافر الجهود من قبل جميع القطاعات الحكومية.

■تحديد دوائر الخطر (الأودية ومجاري السيول الخطرة والمواقع الجيولوجية المعقدة والخطرة)، وتعميم أساليب التصرف أثناء الوجود فيها.

■إدراج دروس في كيفية التصرف أثناء حدوث الكوارث الطبيعية في مناهج التعليم.

■تعميم الإنذار المبكر وتطوير وسائله.

Email