الابتزاز الإلكتروني جريمة ضحاياها شباب من الجنسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتشرت في الآونة الأخيرة قضايا الابتزاز الإلكتروني التي تهدد أمن وسلامة الأسر، وهي نوع من الجرائم الإلكترونية الحديثة، وتطل برأسها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي يستغلها البعض للإيقاع بالفتيات صغيرات السن...

وكذلك صيد الشباب من قبل بعض العصابات المتخصصة التي تعمل من خارج الدولة وترمي بسهامها نحو شباب بغرض جني الأموال بطرق خبيثة عن طريق استغلال فتيات يمثلن دور الحب والهيام للشباب، وشهدت ضبطيات الشرطة في إمارة عجمان خلال العام الماضي تسجيل 20 قضية ابتزاز إلكترونية..

وكان غالبيتها فتيات تعرضن للابتزاز من قبل رجال يطالبون بإقامة علاقات غير شرعية أو فضح الفتيات من خلال عرض صورهن في أوضاع غير محتشمة في مواقع التواصل الاجتماعي مما جعل هؤلاء الفتيات يعشن ظروفاً إنسانية قاسية مع ذويهم، وأكدت الشرطة والنيابة العامة أن الكثير من قضايا الابتزاز لم تصل إلى مراكز الشرطة خوفاً من الفضيحة..

وعليه رأت »البيان« تسليط الضوء حول هذه الجرائم الخطرة التي تزداد انتشاراً مع تطور وسائل التواصل الإلكتروني وسوء استخدام البعض لها لوضع الحلول الناجعة للحد من انتشارها ومن أجل تبصير وحماية الشباب عبر اللقاء بعدد من الخبراء والمختصين والشباب.

جرائم خطيرة

في لقاء مع العميد عبدالله أحمد الحمراني نائب القائد العام لشرطة عجمان أشار إلى تسجيل 20 قضية ابتزاز إلكتروني خلال العام الماضي، وأن العام الحالي شهد وقوع 3 جرائم ابتزاز إلكتروني وتم معالجتها وحلها بطرق ودية بعيداً عن أروقة المحاكم والوصول للمبتزين وتعريفهم بخطورة هذه الجرائم..

مشيراً إلى أن غالبية ضحايا هذه الجرائم هم شباب من الجنسين دون سن 25 عاماً وتم حفظ هذه القضايا، ولكن تظل خطورة جرائم الابتزاز التي تحدث من خارج الدولة، مؤكداً أن هذه النوعية من القضايا تعد حديثة، ظهرت فقط مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي..

وذلك عندما تشارك فتاة أو شاب من هواة التعارف غير المحسوب جوانبه بالتواصل مع آخرين، عندها تحدث الفاجعة، وذلك بعدم تقدير عواقب معرفة أشخاص في فضاء رحب وافتراضي، لذا يجب أخذ الحيطة والحذر وعدم الانسياق خلف أوهام غير حقيقية في الواقع.

وأشار إلى أن مجمل القضايا تبين أن الشخص المبتز بعد ما يتمكن من أخذ صور من الفتاة أو الشاب في أوضاع غير لائقة يهدد بنشرها في جميع القوائم الخاصة بالضحية مما يسبب فضيحة وسط الأهل والمعارف، وهنا تصاب الفتاة أو الشاب بحالة نفسية سيئة خوفاً من الفضيحة..

لذلك نرى أن الكثير من هذه القضايا للأسف لا يبلغ الضحية الشرطة خوفاً من العار وأن عدد المبلغين قليل نسبة إلى إجمالي قضايا الابتزاز الإلكتروني التي تحدث، لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

علاقات

وأضاف العقيد الحمراني أن الشخص المبتز غالباً ما يطلب من الفتاة إقامة علاقة غير شرعية، ومن الشباب مبالغ مالية كبيرة مقابل عدم نشر صورهم، البعض يقع فريسة لهذه المطالب، مشيراً إلى أن الشرطة تعالج هذه القضايا من خلال قسم الشرطة المجتمعية الذي يعمل فيه عدد من الاختصاصيين الاجتماعيين..

ويتم معالجة هذه القضايا بسرية تامة، مؤكداً أن الشرطة تستطيع الوصول إلى الشخص المبتز بطرق تقنية عدة وضبطه ومواجهته بالأدلة والصور وإقناعه بأن هذه الأعمال تعد جريمة يعاقب عليها القانون، مؤكداً أن غالبية المتورطين يجمعون بأنهم لا يعرفون مدى العقوبة.

وعن دور الشرطة في الحد من هذه الجرائم، ذكر الحمراني أن الشرطة تنظم حالياً حملة توعية أمنية بخطورة الجرائم الإلكترونية عموماً، لاسيما الابتزاز وذلك في المدارس والجامعات..

والعمل على نشر الثقافة القانونية بين البنات والأولاد والتعاون مع الشركاء في وزارة التربية والتعليم ووسائل الإعلام وذلك لوصول رسالة التوعية لجميع أفراد المجتمع، كما تنشر الشرطة التوعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يتوجب أن تستغل في ما يفيد المجتمع ولا تصبح سلاحاً هداماً في أيدي أصحاب النفوس الضعيفة.

وأكد الحمراني أهمية تواصل أولياء الأمور مع الأبناء ومعرفة مع من يتواصلون وإرشادهم وتعريفهم بخطورة الدخول في مواقع التعارف وعدم الاستجابة بإرسال صور أو معلومات شخصية يمكن أن تستغل ضدهم يوماً ما، وأن يكون النصح والإرشاد بعيداً عن الشدة والعنف وتعزيز الثقة بالنفس وغرس القيم الروحية والدينية والعادات والتقاليد في نفوس الأبناء..

وهناك توعية لطلبة المدارس حول مخاطر الإنترنت وسلبيات التعامل والتواصل مع الآخرين من أجل سلامة المجتمع، وبذلك يمكن بناء جدار لحمايتهم من الأخطار.

تنامي الجرائم الإلكترونية

ومن جانبه أشار وكيل أول نيابة سالم خليفة الغفلي إلى تقرير صادر عن مؤسسة تعمل في مجال أمن المعلومات يوضح أن العام الماضي شهد وقوع مليوني جريمة إلكترونية في الدولة منها جرائم الابتزاز، مؤكداً أن أكثر الجرائم الإلكترونية التي تقع في الدولة لم يتم الإبلاغ عنها بسبب أن المجني عليهم في وضع حرج وتصرف غير أخلاقي...

ويخشون من الفضيحة، كما أنهم يتعرضون لمساءلة قانونية لهذه التصرفات، مشيراً إلى أن المشرع الإماراتي شدد العقوبة في جرائم الابتزاز، وذلك لخطورتها على أمن وسلامة المجتمع، حيث يعاقب القانون بالحبس مدة لا تزيد على عامين وغرامة لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تتجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى العقوبتين كل من حاول ابتزاز أو هدد شخصاً أو حمله على تنفيذ فعل..

وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة أخرى فإن عقوبتها السجن 10 سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو كانت أموراً خادشة للشرف والاعتبار، وإذا كان المتهم أجنبياً يبعد عن الدولة بعد انقضاء فترة العقوبة، وذلك وفقاً للتعديل الجديد لقانون الجرائم الإلكترونية.

نشر الثقافة القانونية

وحول الحلول للحد من الجرائم الإلكترونية يرى الغفلي أنه لا بد من نشر الثقافة القانونية بين الجنسين وأن استخدام التقنية الحديثة عبر الأجهزة الذكية وغيرها أمر غير سهل، لذلك المشرع الإماراتي وضع رادعاً خاصاً وعاماً، حيث نجد أن أعلى الغرامات توجد بقانون الجرائم الإلكترونية..

كما أشار إلى أهمية دور الإعلام في تثقيف الناس بالقانون وتبصيرهم بخطورة الولوج في مواقع التواصل الاجتماعي دون حذر، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً ينشر تفاصيل عن حياته اليومية في مسكنه وغرفة نومه وينشر صوره عبر الأثير وتقع في أيدي من يتصيدون هذه الصور ويحاولون الوصول إلى أصحابها بطرق عدة، هنا تبرز أهمية دور الوالدين وضرورة معرفتهم وإلمامهم بوسائل التكنولوجيا الحديثة.

وكذلك دور الأشقاء الكبار في مراقبة الصغار منهم ومعرفة حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يوضع جهاز الحاسوب في الصالة وليس في غرفة خاصة.

كما أشار إلى أن الكثير من الناس يصور بهاتفه المتحرك في الشارع عند وقوع حوادث أو غيرها، يعد هذا الأمر جريمة يعاقب عليها القانون وذلك بتصوير شخص دون إذن منه يترتب عليه غرامة كبيرة.

الثقة العمياء تضر

وفي السياق ذاته أشارت فاطمة أحمد العبدولي موظفة النيابة العامة إلى أهمية دخول الفتيات إلى مواقع التواصل الاجتماعي بعقولهن وليس بعاطفتهن لاسيما أن هذه المواقع فيها الإيجابيات وكثير من السلبيات وعند الدخول يجب تحديد الهدف وعدم الانسياق خلف رغبات أشخاص افتراضيين غير معروفين نساء أو رجال..

كما أن الانترنت سلاح ذو حدين يجب التعامل معه بحذر وعدم التعامل مع أشخاص لا نعرفهم من أجل حماية أنفسنا من الوقوع فريسة وأن الثقة العمياء تضر يجب أن توضع الثقة في محلها، وليس في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الشباب الوعي بأهمية الاستفادة من التطور الراهن في تثقيف الذات وأخذ معلومات جديدة تنفع الإنسان في حياته والاستفادة من تجارب الآخرين في تطوير الذات.

وقالت العبدولي أشفق على البنات عندما يقعن ضحية لجرائم الابتزاز يجب عليهن الوعي بضرورة عدم التصرف.

إحكام الرقابة الأسرية

المحامية هدى رستم إبراهيم أكدت ارتفاع عدد الشكاوى من أشخاص تعرضوا للابتزاز الإلكتروني، وهناك عدد كبير ممن يتعرضون للابتزاز لا يبلغون الشرطة.

تعزو المحامية هدى ذلك إلى النمو المستمر في مواقع التوصل الاجتماعي، وهذه الوسائل والقنوات أصبحت مرتعاً لأصحاب النفوس الضعيفة، والمتطرفين أصحاب الأجندات المشبوهة لنشر أفكارهم وبرامجهم المسمومة..

واصطياد الضحايا عبر ابتزازهم وتخييرهم بين الستر مع دفع المال، أو الفضيحة، حتى بتنا نشهد ما يسمى الآن »الإرهاب الإلكتروني«، والجرائم الإلكترونية يضاف إلى ذلك ضعف في الوازع الديني أيضاً وإهمال الأسر والأهالي لرقابة الأبناء.

وَتَرَى أن الأشخاص المستهدفين في جريمة الابتزاز أو الأشخاص الذين يستهدفون من المجرمين، يتوقف اختيارهم على نوع وفئة المجرم، لهذا نجد دوماً أن المجرم الذي يسعى إلى مبالغ مالية يستهدف الرجال أكثر من استهدافه للنساء لأنه على علم بأن الرجال قادرون على الدفع بعكس الفتيات..

ونجد أن المجرم الذي يكون الهدف من ارتكاب جريمته هو إشباع رغباته يطارد الفتيات ويحاول الإيقاع بهن، لهذا نوع المجرم وغايته هو الذي يحدد من هي الضحية المقبلة.

وعن الفئات العمرية الأكثر استهدافاً تقول: ضحايا الابتزاز الإلكتروني هم من فئات عمرية مختلفة، تتراوح بين المراهقين والشباب، إلى البالغين في الأربعينات والخمسينات من العمر، وغالباً ما يكون المجرمون من خارج دولة الإمارات.

وعن العقوبات التي وضعها المشرع ذكرت أن الإمارات واجهت هذا النوع من الجرائم بقانون مكافحة جرائم المعلومات وقد نص في المادة 16 بمعاقبة مجرمي الابتزاز الإلكتروني بالحبس مدة لا تزيد على عامين والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تتجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على 10 سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار، وتجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات من أوائل دول الشرق الأوسط التي أصدرت قانون مكافحة تقنية المعلومات.

قضية من ملفات الشرطة

فتاة تعرضت لابتزاز من قبل شاب ادعى أنه أحد رجال الشرطة وأجبرها هي وشاب كان برفقتها على توقيع ورقة تثبت تورطهما في علاقة وقد تمكن من ابتزازها بمبالغ مالية وصلت إلى مليون و200 ألف درهم، وفي نهاية المطاف لم تتمكن من الإيفاء بالمبالغ التي يطالبها بها ما اضطرها إلى الاستدانة من البنوك،..

وفي نهاية الأمر لجأت إلى الشرطة، وتم ضبط الشاب الذي وجد بحوزته مجموعة من الأوراق التي أجبر من خلالها فتيات على توقيع اعترافات ومن ثم ابتزازهن مادياً بإخطار الأهل أو فضحهن عبر شبكات التواصل.

د. فادي العلول: قلة وعي المستخدمين يستغلها أفراد وعصابات

الدكتور فادي أحمد العلول دكتور هندسة كمبيوتر ومدير معهد اتش بي في الجامعة الأميركية في الشارقة الذي أطلق العديد من المبادرات لتقييم الوعي الأمني الالكتروني بين مستخدمي الانترنت في الدولة والتعرف على خصائص الضحايا المحتملين ونشر الوعي بين سكانها، يؤكد من واقع تخصصه ارتفاع قضايا جرائم الابتزاز الالكتروني بحكم التطورات المتلاحقة في هذا المجال وقلة وعي المستخدمين، مشيرا إلى أهمية الرقابة المبنية على الثقة، خاصة مع الأبناء في المرحلة العمرية الحرجة.

وذكر ان الابتزاز الإلكتروني اصبح ظاهرة منتشرة بشكل كبير في الفضاء الإلكتروني ومن الممكن أن تحدث هذه الظاهرة عن طريق أفراد أو عصابات متخصصة، يتم من خلالها استهداف أشخاص بشكل عشوائي ومنظم،لافتاً إلى أن دراسة علمية أجريت أظهرت أن النصب الالكتروني اصبح يدر ربحاً اكثر من تجارة المخدرات واللص يمكن أن يفلت ويحمي اثره لأنها جريمة سهلة الإفلات.

ويعتبر المعضلة في تناقض طرفين مهمين هما قلة وعي المستخدمين وبالمقابل تطور تكنولوجي هائل ولا تزال الخطوات التي تحاصر هذه المشكلة دون المستوى فأي شئ يتم عرضه عبر الانترنت لا يمكن إزالته.

لذا فالحرص من تناقل معلومات وصور خاصة ينبغي أن يكون حاضرا في ذهنية كافة المستخدمين بيد أن ذلك لن يتأتى إلا عبر رفع سقف الوعي بمخاطر الانجراف وراء أشخاص وصداقات غامضة علاوة على التأكيد بعدم الخضوع للابتزاز واللجوء للجهات الأمنية خاصة وان الإمارات من أوائل الدول التي تنبهت لهذه الجرائم بعد أن تجرأ أصحابها وقرروا الإبلاغ فوضعوا قانون الجرائم الالكترونية عام ‬2102 .

وتم تحديثه ليواكب التطورات حيث تم تشديد العقوبات على المبتزين قانونيا وقضائياً.؛ لأن الابتزاز يعتبر جريمة فيها شق التهديد والعنف والاستغلال وشق التشهير، التي لها آثار نفسية واجتماعية على الضحية وآثار بالغة الخطورة يدوم أثرها طويلا.

تجنب الابتزاز

لتجنب الوقوع ضحية الابتزاز الإلكتروني يجب عدم نشر معلومات تفصيلية في مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم نشر الصور الشخصية لأشخاص مجهولين مهما دعت الأسباب.

وعدم نشر بيانات خاصة وسرية، وتجنب الرد على أية رسائل مجهولة، ويجب الانتباه من بعض الروابط المشبوهة وعدم فتحها، وعدم التردد في إبلاغ ولي الأمر أو الجهات المعنية عن أي اشتباه بالابتزاز أو طلب صداقة غير معروفة المصدر.

Email