لكثرة مقاطع الفيديو الرائجة لدى مجتمع يعج بالخادمات، والتي تصور حوادث اعتداء على الأطفال وسواها، ونتيجة لما يتردد عن مخالفات الخدم والعمالة المساعدة في البيوت أو خارجها، وبفعل انشغال الوالدين وخروجهما من البيت، ونظراً لتراجع ظاهرة الأسر الممتدة لصالح «النواة»، أصبح لزاماً على التكنولوجيا أن تتغلغل في محيطنا الاجتماعي، لتمدنا ببعض أسباب القوة والثقة في حياتنا..
وإن كان حضورها يؤرق البيت قليلاً، لكن المردود كما يرى الكثيرون، أكبر بكثير. في البيوت (فلل وشقق سكنية) هناك أنظمة مراقبة ذكية تصور وتقول كلمتها بوضوح تام، وهي تندرج ضمن التوجه «الحداثي الاجتماعي» بقصد ضبط البيت ومحيطه بكاميرات مراقبة مشبوكة عبر الإنترنت..
وكل ما على الأب أو الأم فعله؛ حركة إصبع قصيرة على شاشة ذكية، ليروا تفاصيل بعيدة تحدث في بيوتهم، وهو ما يضمن لهم قدراً من الثقة والطمأنينة، لاسيما على الأبناء الصغار في عهدة الخادمات، وبالتالي تتحقق مقولة «ليطمئن قلبي»، وهو الهدف المهم والأكيد.
مطلب أساسي
الاستعانة بكاميرات المراقبة في البيوت، أصبحت ظاهرة في المجتمع الإماراتي، إذ لا يكاد يخلو منها بيت يُبنى حديثاً، إضافة إلى كثير من البيوت القديمة التي أضيف إلى إكسسواراتها، كاميرات مراقبة تؤدي مهاماً شبه أساسية حفاظاً على نسق الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسرة، كما أكدت عائشة بن طوق، إحدى المقتنعات بفكرة كاميرات البيت.
وأضافت إن أول ما بادرت إليه حينما فكرت في بناء بيت، هو شراء أنظمة المراقبة والكاميرات المنزلية، معتبرة أن هذه المسألة أصبحت ملحة ومهمة في آن معاً، وهي لا تعدو عن كونها مصدر أمان واطمئنان، ورغم ذلك فمعظم الأسر اليوم تضع كاميرات مراقبة داخل وخارج البيت، موضحة أن الأنظمة الذكية اليوم تعدّت الكاميرات إلى أجهزة أخرى تغلق أبواب البيت وتفتحها عن بعد.
وقالت إنها ستركب عما قريب أكثر من 10 كاميرات داخل البيت وخارجه، لافتة إلى أن بعض الأمهات زميلاتها في العمل، يضعن في غرف أطفالهن كاميرات، ويراقبن تحركات أبنائهن مع الخادمات عبر الموبايل، وهذه الخدمة تبدو مستساغة لدى الكثير من النساء العاملات، إن لم يكن جميعهن.
«حوش» البيت
أحمد البدواوي أشار إلى أن مسألة المراقبة عبر الكاميرات ليست بسيطة وتتطلب جهداً مادياً وبدنياً كبيراً، مؤكداً أنه ركّب كاميرا وحيدة في «حوش البيت» لعله يتمكن من خلالها رؤية أبنائه الصغار وهم يلعبون هناك، بحكم أن عمله يُغيّبه عنهم مدة أسبوع مناوبة، وبالتالي يظل أبناؤه قريبين منه حينما تصور الكاميرا عفويتهم وبراءتهم في «الحوش»..
وهذه الكاميرا كما يقول موصولة بالإنترنت والموبايل، وبمجرد وجود أي حركة أمامها، تأتيه رسالة تنبيه بوجود أشخاص، ومن ثم يفتح الكاميرا ويتابع ما يدور في محيطها، ومشكلة تلك الكاميرا الوحيدة أنها ذات استهلاك عالٍ لبيانات الإنترنت عبر الموبايل.
أهم من الكاميرا، المعاملة الحسنة وكسب ود الخادمة في البيت، فتلك حصانة نفسية وأخلاقية يمكن أن تجنب الأسر الوقوع في مشكلات كثيرة، كما أكد البدواوي. أما عبدالله علي فقال إن زوجته تصر على تركيب الكاميرات في البيت، وهو ما سيكون خلال فترة قريبة..
وذلك حال الكثير من المواطنين والمقيمين اليوم، الذين يجدون أنفسهم مقتنعين بفكرة كاميرات المراقبة في البيت ومحيطه، للاطمئنان على سلامة الأبناء، ولضبط تصرفات العمالة المنزلية، ولتأمين البيت من السرقة أو سواها لا سمح الله.
طفلة تبكي
أحلام ربيع اعتبرت أن الاستعانة بكاميرات المراقبة ظاهرة صحية بالنسبة للأمهات على الأقل، من أجل الاطمئنان على سلامة الأبناء بين أيدي الخادمات، مشيرة إلى موقف تعرضت له قبل بضع سنوات، حينما تلقت اتصالاً من ابنتها وهي في سن الثالثة تبكي وتصرخ، ولا تعرف أحلام سبب صراخ ابنتها، فأبقت على الاتصال مع ابنتها، وخرجت من عملها مسرعة..
وقادت السيارة بسرعة متهورة، إلى أن وصلت البيت، وحينما سألت الابنة عن سبب بكائها الشديد لم تجبها بحكم صغر سنها، أما الخادمة فأنكرت قيامها بأي أمر يسيء إلى الطفلة، مضيفة إن ابنتها ربما تعرضت لموقف مزعج من خادمتها، ولو كان في البيت كاميرات لما حدث معها مثل هذا الموقف، كما تقول أحلام ربيع.
حرم البيت
وتطرقت ميرة طيب إلى سلبيات وإيجابيات تحكم وجود كاميرات مراقبة في البيت، فمن ناحية اطمئنان الأمهات على أبنائهن ذلك أمر محمود، لكن السلبية في الأمر تكمن في حالة القلق والتشتت الذهني لدى أولياء الأمور..
ووجوب إطلاعهم ومتابعتهم للكاميرات بشكل كبير، لافتة إلى أن وجود الخادمات والسائقين والعمال المزارعين في حرم البيت، أمر يتطلب الحذر والاستعداد المنطقي لتلافي وقوع أية مشكلات بفعل أشخاص قادمين من ثقافات لا علم لنا بها. ختاماً، لفت أحد المستطلعين إلى أن بعض الزوجات يحرصن على وجود كاميرات مراقبة في البيت لضرب «عصافير عدة بحجر واحد». ضبط سلوك الزوج واحد من هذه العصافير.
الحذر واجب
قللت رشا عبدالقادر مختصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، من خطورة الاستغلال السلبي لكاميرات المراقبة في البيوت، على الرغم من إمكانية حدوث ذلك، مشددة على ضرورة أن تتجنب الأسر تركيب كاميرات مراقبة في غرف النوم أو دورات المياه..
واقتصارها على غرف الأطفال والساحات المحيطة بالبيت، حفاظاً على أمن وخصوصية البيت، منوهة إلى أن احتمال اختراق الكاميرات المثبتة داخل البيوت في حال تم شبكها عبر الإنترنت، لا يبدو مقلقاً إلى حد كبير، رغم أنه يظل قائماً، وفي هذه الحالة يفضل أن تكون هذه الكاميرات مؤمنة عبر برامج حماية، وهذه البرامج كثيرة ومتوفرة في السوق، ومن شأنها أن تقلل خطورة الكاميرات على ساكني البيت، بحيث لا تكون «لقمة سائغة» من قبل أشخاص عابثين أو متطفلين.
الهدف توفير الثقة وليس التجسس
تُخفي أسر كثيرة كاميرات المراقبة في منازلها عن الخدم والمحيطين، ظناً منها أن السرية هي أقصر الطرق لكشف الأخطاء والمشكلات، متناسية أن الوقاية خير من العلاج.
بدرية محمد مطر الناشطة في المجال التطوعي والمجتمعي أكدت أن المشكلة تبدو متشعبة ولا تزال خطيرة، حينما يلجأ أصحاب البيت إلى تركيب كاميرات مراقبة، دون علم الخدم بذلك، وهذا الواقع موجود في مجتمعنا وبكثرة، ولا بد من تصحيح الفكرة لدى هؤلاء بحيث تؤتي الكاميرات أكلها على نحو آمن، متسائلة ما الفائدة من وجود الكاميرات في حال حدثت مشكلة وتم تصويرها، لا سمح الله!.
الخيار الأفضل
وقالت إن زوجة أخيها كانت تريد تركيب كاميرات في البيت دون علم الخادمة، ولكنها اقتنعت فيما بعد أن معرفة الخادمة بذلك، وإقناعها بأن الكاميرات وجدت لمساعدتها وليس للتجسس عليها، هو الخيار الأفضل، لأننا في النهاية نريد أن نمنع المخالفات أو المشكلات، لا أن نشاهدها عبر شريط مصور ونحاسب المخالفين..
موضحة أن إعلانات كثيرة ترد في مجلات إعلانية تصل إلى البيوت مجاناً، تعرض كاميرات مراقبة سرية، تكون في ساعة الحائط مثلاً أو على شكل قلم، وفي ذلك مخالفة صريحة للقانون ويجب منعها، لأن فكرة الاستعانة بكاميرات المراقبة لم تأتِ للتجسس على الآخرين، وإنما لتوفير أجواء من الثقة والأمان في البيت ومحيطه، وبالتالي ليس من الصواب إخفاؤها.
وأكدت بدرية مطر أن البيوت اليوم أصبحت نووية لأسرة صغيرة، ولم يعد هناك حضور للأسرة الممتدة، التي كانت في السابق تغني عن كل الكاميرات والتقنيات المتوفرة في البيوت اليوم، لاسيما في ظل وجود الجد والجدة والأقارب في المحيط السكني، وهو ما يلغي كثيراً من الأمور التي باتت تربك الواقع المعيشي هذه الأيام.
وأضافت: بحكم انشغال الزوجين غالباً، أصبح لزاماً على كثير من الأسر الاستعانة بمثل هذه الخدمات الذكية من أجل تحقيق أهداف كثيرة، منها الحفاظ على سلامة الأطفال بين أيدي الخادمات..
وضبط سلوك العمالة المساعدة في البيوت، ففي كل بيت هناك عدد من العمال، وأمام هذا الواقع أصبح من حق الأسرة الاطمئنان على بيتها من الداخل والخارج، والكاميرات هي إحدى هذه الوسائل المطمئنة، التي تمنح أصحاب البيت قدراً من الثقة لمواصلة نهج حياتهم المهني والوظيفي باستقرار نسبي.
كاميرات مراقبة
ولفتت إلى أن أسر كثيرة بادرت إلى تركيب كاميرات مراقبة في البيت ومحيطه، وفي غرف الأطفال تحديداً، للاطمئنان على سلامة أبنائها من اعتداء الخادمات، خاصة بعد الانتشار اللافت لعدد من الفيديوهات التي تصور تعرض الأطفال للضرب أو التعذيب على أيدي الخادمات، والتي تثير قلق الأسر، وهذا الأمر مبرر يكفي للاستعانة بكاميرات المراقبة في البيوت.
وأشارت مطر إلى أن غالبية البيوت تلجأ إلى كاميرات المراقبة للتخفيف من حالة القلق تجاه البيت والأطفال والعمالة المتواجدة فيه، وهذه الكاميرات تؤدي مهام كبيرة في هذا الجانب، وعلى الرغم من حالة الأمان المتوفرة في المجتمع الإماراتي، إلا ان الحذر واجب ولا بد على أصحاب البيت من إدراك هذا الجانب..
فالكاميرا لا تراقب الخدم وحسب، وإنما محيط البيت والشوارع القريبة، كما أنها مفيدة جداً للاطمئنان في جانب وقوع حرائق لا سمح الله، أو سرقات أو نحو ذلك.
المعاملة الحسنة أفضل
اعتبر الاختصاصي النفسي والاجتماعي إبراهيم حسن، أن فكرة كاميرات المراقبة لا تبدو مستساغة إلى حد كبير، على الأقل في الجانبين النفسي والشخصي، فمن الصعب جداً أن يوفّق الشخص بين عمله ومراقبة الكاميرات، وهذا الأمر يستنزف طاقة ذهنية ونفسية كبيرة..
مشيراً إلى وجود مشكلات أخرى للكاميرات تبرز مقابل التقليل من خطورة العمالة المنزلية، ومن هذه المشكلات الأعباء النفسية والذهنية على الشخص الموظف، وحالة القلق الدائمة التي تعتريه نتيجة هذا الواقع. وقال إبراهيم إنه شخصياً لا يقتنع بفكرة وضع كاميرات مراقبة في البيت، لأنه يؤمن أن المعاملة الحسنة للخادمة أفضل من ألف كاميرا مراقبة.
سوق الكاميرات تشهد إقبالاً متزايداً منذ 3 سنوات
في صحف إعلانية كثيرة، تجد المزيد من الإعلانات التي تروج لكاميرات المراقبة القابلة للتركيب في الفلل والشقق السكنية، كما هو حال المكاتب والشركات.
واحد من هذه الإعلانات كان لشركة التكنولوجيا المباشرة، التقطناه وأجرينا اتصالاً مع المهندس محمد كامل صاحب الشركة، الذي أكد أن سوق كاميرات المراقبة في الفلل والشقق السكنية، لقي رواجاً كبيراً جداً في السنوات الثلاث الماضية، ويشهد حالياً إقبالاً من كافة شرائح المجتمع؛ المواطنين والمقيمين في الفلل والشقق، وللأثرياء والعاديين على حد سواء.
مرد هذا الإقبال كما أضاف المهندس محمد كامل يرجع إلى حالة القلق التي أمست تعتري الآباء والأمهات على أبنائهم الصغار المتواجدين في البيت مع الخادمات بصورة أساسية، بفعل ما يتداول من مقاطع إنسانية مؤثرة، أضف إلى ذلك خروج الأب والأم كثيراً من البيت، بفعل العمل أو لظروف أخرى، ومنها السفر، والكاميرا في هذه الحالة تؤدي دوراً مهماً على الأقل في التأمين النفسي للبيت وما يحتويه، بحكم وجود ذاكرة حفظ للتسجيلات.
هذه الكاميرات بحسب المهندس كامل موزعة على نظام متكامل، وهي تأتي إما 4 أو 8 أو 16 أو 32 أو مضاعفاتها، والأسعار تبدأ من 1500 درهم وتزيد حسب عدد الكاميرات وطبيعة التركيب وأماكنها في الداخل والخارج، مشيراً إلى أن الإقبال الحاصل حالياً يسير كثيراً باتجاه الفلل السكنية وبدرجة أقل الشقق.
ويكفي لمعرفة حجم الإقبال على كاميرات المراقبة، إلقاء نظرة على الإعلانات التي تغزو الصحف في هذا المضمار، وكل شركة تظفر أسبوعياً بزبونين أو أكثر حسب حجم الشركة، وبالتالي فإن الكثير من الأسر مقتنعة اليوم بضرورة تأمين بيتها وأبنائها بكاميرات مراقبة قابلة للمتابعة من أي مكان، وهو ما يبث في النفس حالة من الاطمئنان، كما قال المهندس محمد كامل.
هذا التوجه طال أيضاً محال كثيرة في الدولة، فالجميع يود كاميرات المراقبة لتأمين مصالحهم، والخطوة الأهم في هذا الشأن إخبار الآخرين من خدم وعاملين بوجود كاميرات، وعدم ترك الأمر سرياً، كما أوضح كامل، لأن النتيجة التي يريدها الجميع عدم وقوع المشكلة، وليس معرفة أسرارها.