افتقر إلى جمال الصورة المجسمة في مواكبته لظاهرة الأبعاد الثلاثية

«صراع الجبابرة» أسطورة تغيرت أحداثها ففقدت إبهارها

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شيء ما ينقص فيلم (صراع الجبابرة ـ Clash of the Titans) ويجعله أقل كثيراً من مستوى تقنية الأبعاد الثلاثية التي يبدو أنه حاول استغلالها لمواكبة ما يحدث في هوليوود من توجه في هذا المجال، وبالتالي تحول العمل إلي مجرد فرجة ضوئية مغلفة بعناصر الإبهار لا أكثر.

وخلال ساعة و50 دقيقة وهي مدة عرضه على الشاشة الكبيرة غرق في مشاهد العنف والمطاردة التي طغت على بناء الشخصيات وغموض بعض الأحداث والعلاقات لتظهر في النهاية ثغرات فكرية وفنية أدت إلى الإحساس بعدم اكتماله، رغم إنتاجه الضخم الذي تجاوز 70 مليون دولار وإيراداته التي وصلت في أسبوع عرضه الثالث عالمياً إلى 133 مليون دولار، لكنها تعني في الحقيقة شيئاً واحداً أن الجمهور وجد الفيلم مسلياً.

كما لا تخفي الحقيقة أيضاً أن الفيلم المصنوع ببذخ هو إعادة متوسطة المستوي لفيلم مغامرات خيالي حمل الاسم نفسه أنتج عام 1981 من إخراج ديسموند ديفيس وشارك في بطولته لورانس أوليفييه وماغي سميث وأورسولا أندروز، ونجح الفيلم الأصلي بمؤثرات تقليدية ومن دون التقنية ثلاثية الأبعاد، بينما تحول الفيلم الجديد إلى مجرد عمل يستثمر ظاهرة بدأت ترمي بشباكها على عيون المشاهدين وتمثل رهان هوليوود الجديد لتحقيق مكاسب مادية ـ هذا واضح من إيرادات (صراع الجبابرة) ـ لأن سعر تذكرة الـ 3D أغلى وهو ما أنعكس بدوره على الشركات المصنعة للنظارات ثلاثية الأبعاد التي تنافست في تصنيعها.

ولم تنقذ التقنية الحديثة الفيلم في مناطق كثيرة خفت فيها إيقاع وإثارة المغامرة حيث جاءت صورته المجسمة اقل جمالاً، وعلي الأغلب يعود هذا إلى أن العمل في الأساس تم تصويره بتقنية التصوير ثنائي الأبعاد وتم تحويله إلى فيلم ثلاثي الأبعاد بعد ذلك، ولأن تصميم الصورة لم يكن معداً لهذه التقنية ففي أغلب الأحيان يشعر من يشاهد الفيلم في صالة العرض أنه يمكن رؤيته بالنظارة الخاصة ومن دونها كذلك، ولن يمنعه من ذلك سوى الضبابية والرعشة التي يمكن أن تصيب عينيه بسبب الترجمة وهي الشيء الوحيد الذي كان مجسماً على الشاشة.

تدور قصة فيلم (صراع الجبابرة) ـ التي اخرجها الفرنسي لويس ليترير الذي قدم من قبل عددا من الأفلام الأميركية الشهيرة، مثل الجزء الثاني من «ترانسبورتر»، و«ذا إنكريدبل هالك» في أجواء أسطورية إغريقية تتناول صراع البشر وتحديهم لآلهة الإوليمبوس وعلى رأسهم «زيوس ـ ليام نيسن» كبير الآلهة الذي يرسل شقيقه إله الموت «هاديس ـ رالف فينيس» لتلقين البشر درسا في وجوب طاعة الآلهة.

ويتضح من الأحداث مشاعر عداء «هاديس» ضد شقيقه «زيوس» الذي سيطر على عالم الأحياء وتركه لكي يصبح المسيطر على عالم الموتى، ويحاول «هاديس» إقناع شقيقه «زيوس» على الرغم من نقمته عليه، بأن العنف هو الوسيلة المثلى للسيطرة على البشر باعتبارهم متمردين لن يجدي معهم الحب وأنهم سيزدادون شراسة إذا لم يعاملوا بقدر من العنف، وبالفعل يهدد بالانتقام وإطلاق براثن ال«كراكن»، أحد أفظع ما ظهر من كائنات في الميثولوجيا الإغريقية، إلا إذا تم تقديم الأميرة الجميلة «أندروميدا ـ أليكسا دافالوس» قربانا للوحش الهائل الحجم والقوة.

الدور الرئيسي والأهم في الفيلم هو دور «برسيوس» الذي يجسده الممثل سام ورثينجتون الذي صنع نجاحه وشهرته من بطولة الفيلم الملحمي «أفاتار»، ومع الخط الدرامي الذي اعتمد على مغامرة «برسيوس» لقتل الوحش البحري العملاق الذي أطلقه «هاديس» لتدمير مدينة «أرغون»، يخوض برسيوس رحلة رهيبة في الأراضي المحرمة ليحصل على رأس الجرجونة ميدوسا التي تحيل الاحياء إلى حجر بمجرد النظر إليهم، والتي تغطي الثعابين رأسها بدلا من الشعر، وهى مهمة تعد في حد ذاتها أصعب من مواجهة ال«كراكن» نفسه.

خلال الرحلة يتعرض برسيوس إلى المصائب والأهوال ويحارب كائنات خرافية عديدة كالعقارب العملاقة والطيور المتوحشة ويدخل عرين الثلاث ساحرات ذوات العين الواحدة اللواتي يأكلن لحم البشر، يحدث هذا كله على خلفية من صراعات آلهة الأوليمبوس وتدخلهم الدائم لفرض أهوائهم التي تغير من مسار الأحداث تارة في كفة البطل وتارة ضده.

ومن يتذكر الفيلم القديم سيجد أن بعض التغييرات التي حدثت في العمل الجديد لم تكن موفقة مثل تقليص دور الأميرة «أندروميدا» وقصة حبها للبطل وهو الخط الدرامي الذي كان أفضل وأكثر منطقية كمبرر للبطل في ملاقاة الأهوال والموت في سبيل حبيبته وتم الاستعاضة عنه بعلاقة عاطفية بين البطل «برسيوس» و «لو ـ جيما ارتيرتون» الفتاة الخالدة التي صاحبته في رحلته.

وكذلك الجدل والصراع بين مجموعة الآلهة التي يترأسها «زيوس»، حيث ركزت النسخة الجديدة على شخصية «برسيوس» وهو ابن «زيوس» وملكة من البشر خدعها «زيوس» حينما تجسد لها على هيئة زوجها الملك، وينشأ «برسيوس» ـ الذي رماه زوج أمه الملكة في البحر بعد أن قتلها ـ وهو يكره «زيوس» الذي كان وراء مقتل الصياد الفقير الذي يعتبره والده الحقيقي بعد أن وجده في صندوق بالبحر.

الجزء الأهم في الفيلم والسيناريو الذي اشترك في كتابته بيكهام ترافيس وفيل هاي ومات مانفريدي، هو ذلك الجدل بين الإله «زيوس» الذي يبدو محبا للبشر ويبحث عن طاعتهم وتنمو قوته على حب البشر وعبادتهم له وبين شقيقه «هاديس» إله الموت الذي تنمو قوته على خوف البشر، وهو مؤمن دائما أن البشر في حاجة إلى الخوف من الإله حتى يستمروا في طاعته، ذلك الجدل الفلسفي لم يتحول في الفيلم إلى صراع درامي كبير، حيث تم التركيز الأكبر على المغامرات التي يقوم بها «برسيوس» النصف بشر ونصف إله لإنقاذ مدينة «أرغوس» من الهلاك على يد الوحش العملاق وكذلك إنقاذ الأميرة البريئة «أندروميدا» من أن تُقدم قربانا إليه.

(صراع الجبابرة) يحمل بلا شك بعض التسلية إذا كان المشاهد من محبي المؤثرات البصرية المبهرة ويجد فيها تعويضا عن الحبكة الدرامية، والحدوتة التي تناولها رغم أنها جيدة وتحمل العديد من عناصر الصراع المشوقة إلا أن السيناريو غاب عنه العمق الفلسفي للأسطورة الإغريقية، لأنه أهتم أكثر على المعارك التي خاضتها المجموعة المصاحبة لبرسيوس في رحلته لقتل الوحش ما حول معها العمل إلى فيلم أكشن شكلا ومضموناً.

يمكنك أن تكون برسيوس

شجع النجاح الذي يحققه عرض فيلم «صراع الجبابرة» حاليا إلى الحصول على أكبر قدر من الاستفادة من الإقبال الجماهيري خصوصا لجيل الشباب والصغار، وذلك من خلال ابتكار لعبة فيديو سوف يقوم بالترويج لها شركة «نامكو بانداي جيمز» بالتعاون مع وارنر بروس وتسمح اللعبة الخيالية الجديدة وهي من ألعاب القتال، للممارسين القيام بدور برسيوس وخوض مغامرة مشابهة مع العمالقة على غرار ما تم مشاهدته.

أسامة عسل

Email