بصائر

الاعتدال في المطعم والمشرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

أباح الإسلام العظيم التمتع بالطيبات من الأكل لكن دون إسراف وكذلك الحال بالنسبة للشراب الطيب الحلال، وقد وضحت السنة المشرفة المنهج السليم للجسم السليم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. «رواه الترمذي وابن ماجة».

والمسلم العاقل الحكيم هو الذي يتناول من الطعام والشراب ما يقوي جسمه كي ينهض بأعباء الحياة ويؤدي ما عليه من فرائض ونوافل، ويتبع نظاماً صحياً سليماً في حياته حتى لا يصاب بالأمراض التي قد تقعده عن العمل وعن طاعة ربه وعليه أن يبتعد عن المشروبات الضارة والمحرمة التي تؤثر في جسمه وعلى سلوكه بين الناس قال علي بن الحسين بن واقد: جمع الله الطب في نصف آية فقال: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. «الأعراف 31». المسلم العاقل هو الذي لا يجعل أيامه ميداناً للتنافس في الأكل والشرب، لا في العبادة، فيحرص على أن تكون مائدته مكتظة بأنواع مختلفة من الطعام والشراب كما جرت العادة.

ولا يتناول كل ما هو موجود أمامه، لأن النفس الإنسانية لها طاقة وحدود لا تتعداها عندما تشبع، الأمر الذي يجعله يلقي ما تبقى من الطعام في كيس القمامة، وياليته يعطي ما تبقى منه إلى المحتاجين ابتغاء مرضاة الله كي ينال الثواب العظيم ويحقق مبدأ التكافل الاجتماعي وتسعد جميع الأسر. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناصحاً: إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد وأبعد من السرف، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

يقول الإمام القسطلاني إن الأبدان إذا امتلأت من الأغذية المستلذة والأشربة المستعذبة ودامت على رفاهية العيش طغت وتجبرت وكثرت آلامها وأسقامها ونسيت تذكر أحوال المحتاجين، فاقتضت الحكمة تأديبها بجوعها وعطشها المنقص لموادها، المذكر لأمر معادها ايجاباً في العام كشهر رمضان وندبا في باقي الأيام إلا ما ورد النهي عنه بحكمة متقررة في الأذهان إيقاظاً للنفوس الغافلة وتنقيصاً للفضلات الحاصلة. روي عن ذي النون رحمه الله أنه قال: تجوع يا ابن آدم بالنهار وقم في الأسحار، ترى عجباً من الجبار. ويقال: إن أعظم شيء في القيامة وفي النار الجوع والعطش ولهذا يقول أهل النار في النار كما جاء في القرآن الكريم: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزققم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين. «الأعراف 50».

فإذا تذكر المسلمون العقلاء ما يدفع عنهم من تلك الأهوال هان عليهم ما هم فيه من ذلك. وقد جعل الإسلام العظيم لإنفاق المال والتمتع بالطيبات ضابطاً هو أن يكون في الحق، أي في الطاعات والوجوه المشروعة، لا في التبذير والإسراف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها. «رواه البخاري».

كما يشترط في المال أن يكون مجموعاً من حلال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغبطن جامع المال من غير حله فإنه إن تصدق لم يقبل وما بقي كان زاده إلى النار. «رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما».

المسلم الحكيم هو الذي يقضي وقته في النهار أو في الليل في طاعة ربه فيكثر من قراءة القرآن الكريم والتسبيح والاستغفار والدعاء ومساعدة الآخرين ولا يهتم بجوعه وعطشه، فأهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة كان الفضيل بن عياض يقول لنفسه، أي شيء تخافين؟ أتخافين أن تجوعي؟ لا تخافي ذلك، أنت أهون على الله من ذلك إنما كان يجوع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وقال لقمان لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة.

وسئل حكيم : بأي قيد أقيد نفسي؟ قال: قيدها بالجوع والعطش وذللها بإخمال الذكر، وانج من آفاتها بدوام سوء الظن بها وأصحبها بخلاف هواها.

قيل: في الجوع صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة، وإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب. قال أبو سليمان الداراني: عليك بالجوع فإنه مذلة للنفس ورقة للقلب وهو يورث العلم السماوي وقال أيضاً من شبع دخل عليه ست آفات فقد حلاوة المناجاة، وتعذر حفظ الحكمة، وحرمان الشفقة على الخلق وثقل العبادة وزيادة الشهوات وإن سائر المؤمنين يدورون حول المساجد والشباع يدورون حول المزابل.

حامد واكد

Email