خيرية العباد على بعضهم البعض مقدرة بتعلم القرآن والتفقة فيه، ومجالس القرآن تعمها الرحمة والسكينة والملائكة، نظراً للفضل الكبير الذي يعود على قارئ القرآن وسامعيه، من هذا المنطلق كانت هناك آداب يجب اتباعها عند قراءة القرآن لتحقيق أعظم الأجر والثواب.
يقول د.محمود يوسف كريت - رئيس قسم الدعوة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر: إن فضل قراءة القرآن لا يقتصر فقط على القارئ، وإنما أيضاً سامعه، مشيراً إلى ما روي عن البخاري ومسلم عن حديث عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليّ» قال اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال «لا إني اشتهي أن أسمعه من غيري» قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، قال: كف، أو أمسك «فرأيت عينيه تذرفان».
ويؤكد كريت أن القراءة على مهل من أهم آداب القرآن الكريم، خاصة أنها أقرب للفهم، يقول تعالى{وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}، ويشير إلى أن قارئ القرآن أيضاً عليه أن يسعى بقدر الإمكان إلى تحسين صوته فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن ويجهر به».
ويشير د. مصطفى مراد - أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران»، موضحاً أن قارئ القرآن يصعد به في درجات الجنة على قدر ما يحفظ، فكلما قرأ آية صعد بها درجة.
ويضيف مراد ان تدبر الآيات من آداب قراءة القرآن الكريم لقوله تعالى {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، ومما يستحب عند قراءة القرآن أيضاً البكاء استناداً لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا».
«الناس مع قراءة القرآن الكريم مقسمون إلى أربعة أنواع من حيث القراءة والعمل» هكذا يوضح د.عبدالغفار هلال - عميد كلية اللغة العربية سابقاً بجامعة الأزهر.. مشيراً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح فيها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها».
ويوضح هلال أن قارئ القرآن عليه أن يخلص النية لله تعالى بأن يقصد ثوابه ورضاه، وأن يبدأ قراءته بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فيقول الشخص «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه»، أو يقول «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
ويضيف هلال: من آداب قراءة القرآن أيضاً قراءته في تدبر وطمأنينة، وهذا من خلال المداومة على القراءة وتفخيم المفخم ومد الممدود وإدغام المُدغم وإخفاء المخفي وإخراج الحروف من مخارجها وعدم الخلط بينها دون تمطيط أو تكلف.
ويوضح هلال أن الجمع بين القراءة والنظر للمصحف من آداب قراءة القرآن حيث انه يزيد الأجر والثواب، كما أن استقبال القبلة والجلوس في أدب وسكينة من آداب القراءة. ويشير إلى أنه يستحسن لقارئ القرآن عند انتهائه من القرآن أن يقول «اللهم انفعنا به وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين واستغفر الله الحي القيوم».
د. مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية سابقاً يؤكد أن قراءة القرآن لها ثواب عظيم لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا أقول «ألم» حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف».
ويضيف ان مجالس القرآن تعمها السكينة والرحمة والملائكة، حيث قال الرسول الكريم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده».
ويشير الشكعة إلى ضرورة أن يكون المسلم طاهراً عند قراءة القرآن بمعنى أن يكون طاهر البدن والثوب والمكان من الحدث والنجس، فبالنسبة للحدث إن كان أصغر جاز له القراءة من الذاكرة وعدم مس المصحف، أما في حالة الحدث الأكبر وهي الجنابة فلا يجوز لصاحبها القراءة من الأساس. كما يجب والكلام للشكعة أن يكون مكان قراءة القرآن طاهراً أيضاً من النجاسة، وألا يكون مكاناً خبيثاً مثل دورة المياه، أو أي مكان تفعل فيه المنكرات.
ومن آداب قراءة القرآن أيضاً المحافظة على سجود التلاوة لقوله تعالى{إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا}، وفي حديث شريف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار».
ويوضح الشيخ محمد صادق من كبار علماء الأزهر أن قراءة القرآن لها ثلاث مراتب أو طرق، الأولى هي التنزيل حيث القراءة بتؤدة وطمأنينة مع مراعاة تدبر المعاني ومراعاة أحكام التجويد وهي أفضل المراتب، والطريقة الثانية هي التدوير حيث القراءة بحالة متوسطة بين السرعة والاطمئنان مع مراعاة الأحكام وهي في المرتبة الثانية من حيث الأفضلية، أما الطريقة الثالثة فهي الحذر حيث القراءة السريعة مع المحافظة على أحكام التجويد.
ويشير صادق إلى أن كل مراتب وطرق قراءة القرآن صحيحة، مؤكداً أنه يجب على قارئ القرآن أن يراعي حق الآيات فإذا مر بآية سجدة وجب السجود، ولا يكون إلا على طهارة. إلى هنا يؤكد د.عبدالفتاح إدريس - أستاذ الفقه المقارن أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أمته إلى قراءة القرآن الكريم لما في ذلك من أجر عظيم لقارئه حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه»، كما أن قارئ القرآن تحفه وتغشاه الملائكة الصوتية فقد روي عن البخاري عن حديث أسيد بن حضير أنه بينما يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت.
فقرأ فجالت الفرس فسكت وسكنت الفرس ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيى قريباً منه فأشفق أن تصيبه فلما أصبح حدث الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: «اقرأ يا بن الحضير.. اقرأ يا بن الحضير» قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريباً فرفعت رأسي وانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها، قال: «وما تدري ما ذاك؟» قال: لا، قال «تلك ملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم».
القاهرة ـ دار الإعلام العربية

