قصة عجيبة وموقف غريب لصحابي مع شيطان من الشياطين، يجسد حلقة من حلقات الصراع بين المسلم والشيطان الرجيم، فالمسلم في صراع معه حتى الموت، وهذه القصة قد رواها الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟). قال قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال (أما إنه قد كذبك وسيعود). فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنه سيعود). فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟) . قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال (أما إنه كذبك وسيعود). فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ثم تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت ما هو؟ قال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما فعل أسيرك البارحة؟). قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال (ما هي؟). قلت قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ). وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ـ وكانوا أحرص شيء على الخير ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة) . قال لا، قال: (ذاك شيطان).
وهذه القصة قد احتوت العديد من الفوائد والعبر، وإليك عشر فوائد من هذه القصة:
الفائدة الأولى: إن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن، وهذا نادر، والأصل أنه لا يعلم إلا ما فيه ضرر وشر كالسحر. كما قال تعالى عنهم: (ويتعلمون ما يضرهم وما لا ينفعهم) (ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه).
الفائدة الثانية: إن الحكمة قد يعلمها الفاجر، لكن لا ينتفع بها لأنه لا يعمل بها، وتؤخذ عنه، كهذا الشيطان الذي يعلم فضل آية الكرسي، فربما تأخذ علما نافعا من رجل فاجر، مع أن هذا الفاجر لا ينتفع به لفجوره.
الفائدة الثالثة: إن الشخص قد يعلم الشيء ولا يعمل به وهذا كثير حاصل، فكثير من الناس عندهم علم كثير لكن لا يعملون به، فلو كانوا يعملون بالعلم الذي عندهم لتغيرت أحوالهم، ولا ينفع العلم بدون عمل، ولو كنا نعمل بعشر ما نعلم لتغيرت أحوالنا كثيرا.
الفائدة الرابعة: إن الشيطان قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن، ومع ذلك لا يكون مؤمنا، فهذا الشيطان يقول: إن هذه الآيات تحفظك من الشياطين، فهو يصدق بذلك لكن هذا التصديق لا يعني أنه يؤمن.
الفائدة الخامسة: إن الكذاب قد يصدق أحيانا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الشيطان: (صدقك وهو كذوب).
الفائدة السادسة: إن عادة الشيطان الكذب والغالب عليه الكذب وأنه نادرا ما يصدق، و(كذوب) صيغة مبالغة.
الفائدة السابعة: إن الشيطان قد يتصور بصورة يمكن للإنسي أن يراه من خلالها، لأن الله يقول في كتابه: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)، فالشيطان يراكم وأنتم لا ترونه، هو وقبيله، أي ومن على شاكلته. وإذا كان الله يقول: (من حيث لا ترونهم)، فكيف رآه أبوهريرة؟
وكيف رآه الصحابة الآخرون؟ إنه لما تصور بصورة أخرى غير الصورة الأصلية استطاعوا رؤيته، فلو كان هو على شكله الأصلي الحقيقي لا يمكن أن نراه، لكن إذا تشكل بصورة كلب أو حية، أو مثل الذي جاء على صورة رجل ففي هذه الحالة نستطيع أن نراه إذا تشكل بصورة أخرى، لكن الصورة الأصلية التي خلقه الله عليها لا نراه بها.
الفائدة الثامنة: إن الشخص الذي يقام على حفظ الأشياء يسمى وكيلا يوكل بحفظ الصدقة. ولذلك أورد البخاري هذا الحديث في باب: إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز.
الفائدة التاسعة: إن الجن يأكلون من طعام الإنس، ولذلك قال الله عز وجل: (وشاركهم في الأموال والأولاد)، ويدخل في الأموال الطعام، ف(بسم الله) كلمة عظيمة فبها تمنع الشيطان من دخول البيت إذا دخلته، وبها تمنعه من المبيت في البيت معك، فيقول: الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء.
وكذلك إن كان هناك إناء فيه طعام تغطيه وتقول: بسم الله، فإنه يمنع الشيطان من الأكل منه، لأن الشيطان يأكل من الإناء المفتوح ويشرب من الإناء المفتوح، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :(ولو أن تعرض عليه عودا وتذكر اسم الله).
وكذلك يفيد في منع نزول الداء من السماء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها داء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا شيء غيبي، فإذا غطيت الإناء لا ينزل فيه الداء. ففائدة تغطية الإناء وقول بسم الله: أولا: منع الداء، وثانيا: منع الشيطان من أن يشركك في مطعمك ومشربك. فعجبا لمن يترك هذه الكلمة العظيمة ولا يقولها إلا نادرا.
الفائدة العاشرة: قبول العذر والستر على من يظن به الصدق، فمثلا إذا أمسكت بشخص يسرق شيئا من عندك، وعندما حققت معه شكا الحاجة والفقر والعيال ولم يظهر منه خلاف ذلك، فإن الأفضل لك أن تعذره بما فعل ولا تأخذه بما اقترف من باب قبول العذر والستر على المسلم.
عادل مباشري المرزوقي - رئيس قسم الرقابة والتوجيه بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي