بصائر

المسارعة في قضاء حوائج الناس

ت + ت - الحجم الطبيعي

المسلم الموفق هو الذي تجده إيجابياً في حياته تدفعه نفسه الخيرة إلى تقديم العون والمساعدة للمحتاج كي يدخل السرور عليه وعلى من حوله. المسلم الحكيم، الذي أسلم وجهه لله وفهم أمور دينه يقبل بنفس راضية على تحقيق المنفعة لأخيه المسلم إذا رأى أنه في حاجة لذلك، وهو في ذلك يكون قد قدم الخير لغيره وحاز الثواب والأجر العظيم من رب العالمين إن شاء الله، وإن عجز ولم يفعل شيئاً طلب المساعدة من الآخرين، وإذا لم يجد فعليه أن يكف لسانه وجوارحه عن فعل الشر.

روي عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على كل مسلم صدقة، قال أرأيت إن لم يستطع؟ قال: أرايت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة. (متفق عليه).

ومن تحرى قضاء حاجة أخيه ولم يقض قضاؤها على يديه فكأنه لم يقصر في أدائها، وأيسر ما يكون في قضاء الحوائج استحقاق الثناء، والإخوان يعرفون عند الحوائج، كما إن الأهل يختبرون عند الفقر لأن كل الناس في الرخاء أصدقاء وأحبة، وشر الإخوان الخاذل لإخوانه عند الشدة والحاجة.

روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على ناس جلوس فقال: أخبركم بخيركم من شركم؟ فسكت القوم فأعادها ثلاث مرات، فقال رجل من القوم: بلى يا رسول الله، قال: خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من يرجى خيره ولا يؤمن شره. المسلم الحكيم هو الذي يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه لذا تراه يحرص كل الحرص على نفعهم ودفع الأذى والضرر عنهم والسعي في مصالحهم وقضاء حاجاتهم ابتغاء مرضاة الله عز وجل.

روى أبو معمر شبيب بن شيبة الخطيب قال: لما حضرت ابن سعيد ابن العاص الوفاة، قال لبنيه: يا بني أيكم يقبل وصيتي؟ فقال ابنه الأكبر: أنا، قال: إن فيها قضاء ديني، قال: وما دينك يا أبت؟ قال: ثمانون ألف دينار، قال: يا أبت فيم أخذتها؟ قال: يا بني في كريم سددت خلته (أي حاجته وفقره) ورجل جاءني في حاجة وقد رأيت السوء في وجهه من الحياء فبدأت بحاجته قبل أن يسألها.

والعاقل يعلم أن من صحب النعمة في دار الزوال لم يخل من فقدها، وأن من تمام الصنائع وأهنئها إذا كان ابتداء من غير سؤال. دخل أبو العتاهية على الرشيد فقال: سل يا أبا العتاهية، فقال:

إذا كان المنال ببذل وجه فلا قربت من ذاك المنال.

المسلم العاقل هو الذي يشفق على أخيه وعياله إذا كان غائباً عنهم فيتردد كل يوم إليهم ويمونهم من ماله ويسألهم هل لكم من شيء تحتاجونه كي يجعلهم لا يحسون بالغربة وسط إخوانهم المسلمين فيكثر من المواساة والعطف والرحمة على الجميع ويتسابق لتقديم الخير عسى أن يفوزوا برضوان الله عز وجل.

قال ميمون بن مهران من لم تنتفع بصداقته لم تضرك عداوته قال تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فصلت: 33 ـ 34. ومن الحسنات السعي في قضاء حاجات المسلمين لله تعالى لإبقاء المودة والمحبة في نفوس الناس.

روى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين». (رواه الطبراني في الأوسط والحاكم).

وقال صحيح الإسناد إلا أنه قال: لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته وأشار بإصبعيه ـ أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين. المسلم العاقل هو الذي لا يتبرم من قضاء حوائج الناس إذا كان قادراً عليها لأن ذلك يهدد النعم بالزوال. روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال. (رواه الطبراني بإسناد جيد).

المسلم الحكيم هو الذي يجعل حاجة أخيه مثل حاجته أو أهم من حاجته وأن يكون متفقداً لأوقات الحاجة غير غافل عن أحواله ويغنيه عن السؤال ولا يرى لنفسه حقاً بسبب قيامه بالأمر، وهو الذي لا يقتصر على قضاء الحاجة بل يجتهد في البداية بالإكرام في الزيادة والإيثار والتقديم على الأقارب. كان الحسن يقول: إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة.

حامد واكد

Email