نساء مؤمنات

أم المؤمنين هند بنت أبي أمية «أم سلمة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية والمعروفة بلقب أول ابنائها سلمة وقد كان هذا الاسم يصلح للأولاد كما للبنات في ذلك الوقت ..وأمنا أم سلمة حباها المولى عز وجل بصفات جليلة كثيرة قلما تتواجد في شخص واحد ..فهي الى جانب جمال الوجه، كانت تتمتع بجمال الروح، والى جانب رجاحة العقل كانت تتمتع بخفة الظل، ومع شدة إيمانها وعلو مكانتها بين قومها كانت شديدة التواضع.

ولدت السيدة أم سلمة لأبوين كريمين، فأبوها صوب الكرم والجود وكان يُلقب باسم زاد الركب، فقد كان لايترك أحداً يسافر معه وهو محملاً بالزاد؛ بل كان يكفي كل من يسافر في قافلته من طعام وشراب لذلك أُطلق عليه لقب زاد الركب، وأمها هي السيدة عاتكة بنت عامر من أشرف أنساب العرب.

وكانت السيدة أم سلمة من أوائل المسلمات التي شرح الله سبحانه وتعالى صدرها الى الإيمان، كما شهدت سيدتنا الكريمة الهجرتين الأولى من مكة الى الحبشة والثانية من مكة الى المدينة؛ أما هجرتها الأولى فقد كانت هرباً من بطش المشركين، ففرت بدينها هي وزوجها عبدالله بن عبد الأسد المخزومي وهناك في أرض الحبشة أنجبت أبناءها زينب وَسلَمَة الذي لُقبت باسمه هي وزوجها، ثم مالبثت أن أنجبت عمراً ودرة، فكانت نعم الأم لهم، وعندما كبروا حسُن اسلامهم جميعاً.

تعرضت السيدة ام سلمة الى محنة شهيرة هي واسرتها بعد أن انتشرت الأخبار بأن الوضع أصبح آمناً في مكة فلما عاد المهاجرون من الحبشة لم يجدوا الأوضاع كما سمعوا، فتحركت فلول المهاجرين من مكة الى المدينة، وعندما تأهبت السيدة أم سلمة هي وزوجها أبو سلمة وابنهما سلمة للهجرة حدث مالم يكن متوقعاً!

فقد وجدت الأسرة نفسها أمام فلول الشر تتربص بهم، بل والأنكى من ذلك تمنعهم من الخروج معاً وقالوا لأبي سلمة:

هذه نفسك غلبتنا عليها،أرأيت صاحبتنا هذه، على ما نتركك تسير بها في البلاد؟

وكان من بينهم أهلها من بني المغيرة، ولما سمع ذلك بنو عبد أسد (أهل الزوج) أتوا مسرعين وقالوا:

والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا!

وتجاذب الطرفان الطفل سلمة؛ أهل الزوجة الغاضبون والساعون لأخذ ابنتهم من جهة وأهل الزوج الحانقون والساعون الى أخذ ابن ولدهم من جهة أخرى.

وظل الطرفان يتجاذبان ذراع الطفل الباكي حتى دوت صرخته العالية تعلن أن ذراعه قد انخلع من مكانه..فسارع أهل الزوج واختطفوا الطفل المصاب بينما حبس أهل الزوجة ابنتهم، ولم يطق الزوج المكوث في مكة بعد ذلك فانطلق الى المدينة، ومضت الأيام على أم سلمة ثقيلة حزينة بلازوجها ولا ولدها، حتى رآها أحد أقاربها وهي تجلس كل يوم باكية حزينة أزيد من عام، فرق قلبه وخاطب أهله قائلاً: ألا تخرجون هذه المسكينة؟ فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها، ومازال بهم حتى قالوا: الحقي بزوجك ان شئت.

ويشاء العلي القدير فيرق قلب أهل الزوج؛ حتى يُرجعوا لها ابنها، فتسرع أم سلمة تلك المرأة الصابرة المحتسبة، وتأخذ ناقتها تريد الذهاب الى المدينة للحاق بزوجها وتخشى أن يعاود أهلها عليها الكرة؛ فتنطلق في طريق سفر طويل ليس معها أحد إلا ابنها سَلَمَة ويقين قوي بأن الله معهما لن يتركهما أبداً.

ويصدق حدس تلك المرأة الصالحة التي لايترك قلبها ولسانها التسبيح أبداً، فيرسل لها على الطريق عثمان بن طلحة وكان على الكفر يومئذٍ إلا أن به من خلق الشهامة والمروءة ماأبى عليه أن يترك هذه المرأة في الصحراء الموحشة وحيدة فأخذ بخطام بعيرها وانطلق بها عبر الصحراء، يغض بصره، ولايتكلم ويستكشف الطريق، فلم يزل يصنع ذلك حتى أوصلها على أعتاب المدينة وقال لها: إن زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف عائداً الى مكة.

وكانت أم سلمة بذلك هي أول ظعينة (امرأة في هودج) تدخل الى المدينة.

ولعل الله سبحانه وتعالى قد ذلل لأم سلمة الطريق وجعل لها الرفيق من شدة إيمانها وكثرة ذكر لسانها، وكيف لا وقد وعت سيدتنا أم سلمة من هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الكثير. فقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم. قالوا بلى يارسول الله، قال : ذكر الله ..

التئم شمل أسرة ام سلمة مرة أخرى بعد طول غياب، وفرح أبو سلمة بعودة ابنه وزوجه إليه، وكان أبوسلمة نعم الزوج لزوجته، وكان على غير عادات العرب الجاهلية، يقدر زوجته أم سلمة تقديراً كبيرأً، ويحنو عليها، ويتلطف، إلا أن حُسن عشرته لزوجته لم يمنعه من متابعة جهاده، والقيام بواجبه تجاه دين الله ورسوله.

فشهد أبو سلمة معركة بدر، وقاتل ببسالة في موقعة أحد، وكاد أن يُقتل إلا إنه أصيب بسهم في ذراعه ظل يؤلمه حتى التئم ثم ما لبث أن عاود مرة اخرى حين خرج أبو سلمة في إحدى السريات..وما لبث أن مات الصحابي الجليل أبو سَلَمَة..

ويُروى أنه رضي الله عنه قبل أن تفيض روحه الكريمة دعا لزوجته وقال : اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني لايحزنها ولايُؤذيها.

أم سلمة وذكر الله

بعد رحيل الزوج والسند عن أم سلمة، كعهدها دائماً لم تترك أم سلمة ذكر الله، وكانت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مامن عبد يصاب بمصيبة فيفزع إلى ماأمره الله به من قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته).

تقدم أفضل الصحابة لخطبة أم سلمة، فتقدم لها أبو بكر الصديق، ولما رفضت تقدم لها عمر بن الخطاب، وكانت رضي الله عنها ذات جمال وضاء وايمان راسخ ونسب شامخ على الرغم من تقدم السن بها وكثرة أولادها، وكانت أم سلمة ترفض كل من تقدم لها إلى أن تقدم لها سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنها أشفقت وقد جاوزت سن الشباب ومعها عيال، كما أنها كانت ذات غيرة، اشفقت أم سلمة أن لا تكن نعم الزوج لرسول الله، واعتذرت،

فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما أنك مسنة فأنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عنك، وأما العيال فإلى الله ورسوله، وتزوجت أم سلمة بخيرة خلق الله وببركة تسبيح أم سلمة التي عوضها الله سبحانه وتعالى بخير من زوجها أبو سلمة بسيد الأولين والأخرين، والذي بزواجها منه أصبحت أماً للمؤمنين.

عُرف عن السيدة أم سلمة حكمتها ورجاحة عقلها وكانت صاحبة عقل ومشورة، وقال عنها رسول الله: كانت أم سلمة محسنة في شأني معينة في أمري، وقد كان وحي الله جبريل الأمين عليه السلام يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت السيدة عائشة، ثم ما لبث أن جاء وحي الله الأمين في بيت السيدة أم سلمة كذلك.

جيهان محمود

Email