نساء مؤمنات

السيدة فاطمة الزهراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنها السيدة فاطمة بنت محمد والمعروفة بلقب «فاطمة الزهراء» ابنة سيد الأنبياء والمرسلين وخير خلقه والمبعوث رحمة للعالمين، وأمها أم المؤمنين السيدة «خديجة بنت خويلد عليهم جميعاً أفضل الصلاة والتسليم.

وفى صحيح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون».

«إنما فاطمة بضعة منى، يؤذيني ما أذاها، ويريبني ما رابها».

والسيدة فاطمة الزهراء هي صغرى بنات النبي صلى الله عليه وسلم وهى أحب أهله إليه وهى نسمة طاهرة وشخصية غنية بصفاتها، ثرية في علمها، نراها وهي «فتاة» جميلة الخَلق زكية الخُلق، ونراها وهى «أم» حنون القلب واسعة الصدر، ونراها وهى «زوجة» صبور الطبع وبشوش الوجه، ونراها وهى «ابنة» بارة بأبيها وبأمها، ومع أخواتها صاحبة القلب الكبير والرأي السديد والوفاء الشديد.

نلمح علاقتها بربها فنجدها شديدة القرب ومع قرآنها كثيرة التدبر، ومع صلاتها مطيلة السجود، ومع من حولها كريمة عطوف.

شكلت منظومة خاصة بها وتحلت بصفات تفردت بها وهى في كل ذلك لم يخالطها شيء من الزهو ولا الخيلاء، وهى تصلح أن تكون قدوة في جميع مراحلها، فهنيئاً لمن تقتدي بها ولمن تضعها أمامها منهجاً ونبراساً.

ولدت السيدة فاطمة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ قبل البعثة بخمس سنين تحديداً في نفس العام الذي اختلفت فيه قريش على وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة، فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما عاد إلى بيته تلقى نبأ مولد ابنته فتهلل ودخل على خديجة ـ رضي الله عنها ـ وبارك لها في مولودتها ودعا بالبركة فيها وفى ذريتها.

وكان من عادة العرب أن يطلقوا على أولادهم ألقاباً من صفاتهم التي ولدوا بها وكانت السيدة «فاطمة رضي الله عنها مولودة جميلة»، ينبعث من وجهها نور وكانت ذات

بياض لافت للنظر، حتى أن كل من يراها يقول عنها بيضاء اللون، أو زهراء الوجه، فلقبت رضي الله عنها بالزهراء.

أما اللقب الثاني الذي عرفت به فهو «البتول» أي الطاهرة وقد كانت تعرف به كذلك السيدة مريم، وقد كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها نقية، تقية، دائماً تنبعث منها رائحة عطرة زكية، وقد كانت صفة الطُهر عاملاً مشتركاً في كل حواسها رضي الله عنها؛ فقد كانت طاهرة النفس، طاهرة القلب وطاهرة الثوب، وكانت أغلب عبادتها الصلاة وكلنا يعلم أن الصلاة لا تتم إلا بالطهور، لذلك فهي تستحق هذا اللقب الذي وان دل على شيء إنما يدل على شدة عبادتها وكثرة صلاتها آناء الليل وأثناء النهار.

وقد لُقبت الزهراء كذلك بلقب أم أبيها وذلك لما عُرف عنها من شدة الاهتمام بأبيها وشؤونه، وصحبت أباها وتحملت معه الألم النبيل، وقد كانت لها في قلب أبيها المكانة الخاصة فقد صحبته في حصار الشعب، وكانت معه في صلاته، وطوافه حول الكعبة؛ حيث كان صغر سنها يتيح لها ذلك، ولما ترعرعت أبت إلا أن تكون مع أبيها في كنفه ترعاه وتخفف عنه ما يلقاه من أذى المشركين فكانت بحق أماً لأبيها.

شهدت السيدة «فاطمة الزهراء» طفولة بدأت بالرفاهية ثم ما لبث أن تغير الحال مع حصار الشِّعب؛ وذاقت مع المؤمنين وآل بيت النبوة الآم الجوع والحصار مما أثّر عليهم وأصابهم بالضعف والمرض وكان لهذه الحادثة الأثر الكبير في مرض وموت السيدة الفاضلة «خديجة» الأم الحنون للسيدة فاطمة.

ومنذ هذه الحادثة بدأت السيدة فاطمة طريق الألم والأمل معاً؛ الألم لأنها تحملت مع أبيها مشاق الدعوة وصعوبتها خاصة في مراحلها الأولى.. والأمل لأنها في سبيل ما تحملته وكابدته في حياتها جزاها الله خير الجزاء وجعلها سيدة من سيدات أهل الجنة الأربع.

لكن هذه المكانة لم تبلغها بالشيء اليسير بل عانت وتحملت وصبرت على الجوع والمرض وآلام الفراق فقد ماتت أخواتها الثلاث أمام عينيها ومن قبلهم أمها.

لم تُخطب السيدة فاطمة صغيرة السن كما كانت العادة عند العرب في ذلك الوقت وذلك لأنها كانت ترفض أن تترك أبيها، فقد ذاقت فاطمة آلام اليُتم وهى في سن صغيرة فوجهت كل عاطفتها إلى أبيها الذي بادلها المحبة بالعطف وبادلها الاهتمام باهتمام أكبر، ولكن ها هي صارت يافعة وأصبح لديها من العمر ثمانية عشر عاماً، فتقدم لها أبوبكر، ومن بعده عمر فاعتذر لهما النبي بلطف إلى أن أتاه سيدنا جبريل عليه السلام وأمره بزواج عليّ من فاطمة وقد كان، ومن المعروف أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يتزوج أو يُزوج أحداً من بناته إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى. أنجبت فاطمة من عليّ أربعة من الأبناء هم الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.

أحب الرسول الكريم أحفاده الحسن والحسين وقال: «اللهم إني أُحبهما، فأحبهما وأحب من يحبهما»، وتروي لنا السيدة عائشة أم المؤمنين «ان فاطمة كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فرحب بها، وقبلها وأجلسها في مجلسه. وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده، فرحبت به وقبلته، وأجلسته في مجلسها. وأنها دخلت عليه في مرضه الذي تُوفى فيه، فرحب بها وقبلها!!» وذلك رغم ما كان يلقاه من شدة المرض.

ومن الأشياء خُصت بها السيدة فاطمة عن غيرها السيدة فاطمة الزهراء هي الإبنة الوحيدة التي أطال الله سبحانه وتعالى في عمرها بعد موت كل أولاده في حياته، وكانت الوحيدة التي ماتت بعده صلى الله عليه وسلم، ولم تفارقه منذ نزول الوحي، حتى بعد أن تزوجت كانت تزوره كل يوم أو يأتي هو إليها ليزورها، وكم من مرة جاء إليها فوجدها مريضة وكان ذلك هو الشيء الوحيد الذي كان يمنعها من زيارة أبيها وهى أول أهل بيته لحاقاً به، فقد ماتت بعده بستة أشهر فقط.

من الأشياء التي فضّل الله جلّت قدرته وعُلاه بها السيدة فاطمة أيضاً أن ذرية أبيها انحصرت في نسلها وقد أمد الله في أعمارهم حتى ماتوا جميعاً بعد موت جدهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وأخرج أبو داود والحاكم عن عائشة أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله من فاطمة «وكانت رضي الله عنها من تقديرها لأبيها أنها كلما رأته قبّلت يده الكريمة».

وقبل وفاتها شعرت السيدة فاطمة رضي الله عنها بقرب نهايتها قبل أن تموت بيومين وكانت قد مرضت مرضاً شديداً... علمت منه أنه مرض الموت، فاغتسلت وتهيأت للقاء ربها، في ثوب جديد وأوصت بدفنها ليلاً.

إعداد: جيهان محمود

Email