الفعل لفظ عام، وهو عبارة عن إيجاد الأثر في الشيء من غير بُطْءٍ، كان عن سبب، أو لا. ويقال لما كان بإجَادَةٍ وبدونها، ولما كان بعلم أو غير علم، وقصد أو غير قصد، ولما كان من الإنسان والحيوان والجماد. أما العمل فهو عبارة عن إيجاد الأثر في الشيء مع امتداد زمان. ولا يقال إلا لما كان من الحيوان دون ما كان من الجماد، ولما كان بقصد وعلم دون ما لم يكن عن قصد وعلم. يقال: فلان يعمل الطين خزفًا، ويعمل الأديم سقاء. ولا يقال: يفعل ذلك؛ لأن فعل ذلك الشيء هو إيجاده من غير بطء، على ما ذكرنا.
وقال تعالى: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً) (سبأ:13)، فعبَّر عن ذلك بالعمل؛ لأن إيجاد المحاريب والتماثيل والجفان لا يكون إلا بامتداد زمان، وكذلك عمل الشكر. وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) (يس:71)؛ لأن خلق الأنعام بامتداد.
ولما كان الفعل بخلاف العمل قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) (الفيل:1)- (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) (الفجر:6)- (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ) (إبراهيم:45)، فعبَّر عن ذلك بالفعل؛ لأنها إهلاكات وقعت من غير بطء. وكذلك قوله تعالى: (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (النحل:50).أي: في طرفة عين.
ولهذا عبَّر بالأول في قوله تعالى: (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) (البقرة:25)؛ حيث كان المقصود المثابرة عليها، لا الإتيان بها مرة، أو بسرعة. وبالثاني في قوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:77)، بمعنى: سارعوا؛ كما قال: (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148)، وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) (المؤمنون:4)؛ حيث كان القصد: يأتون بها على سرعة من غير توان.
وأما الصنع فإنه من الإنسان دون سائر الحيوانات. ولا يقال إلا لما كان بإجادة؛ ولهذا يقال للحاذق المجيد، والحاذقة المجيدة: صَنَعٌ كبَطَل، وصَنَاعٌ، كسَلام. قال تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل:88). وقال تعالى: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) (هود:37). وقال تعالى: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) (طه:69).
وقيل: الصنع يكون بلا فكر لشرف فاعله، والفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله. والعمل لا يكون إلا بفكر لتوسط فاعله. فالصنع أخص المعاني الثلاثة، والفعل أعمها، والعمل أوسطها. فكل صنع عمل، وليس كل عمل صنعًا. وكل عمل فعل، وليس كل فعل عملاً. وفارسية هذه الألفاظ تنبئ عن الفرق بينهما، فإنه يقال للفعل: (كَار)، وللعمل (كَرْدَار)، وللصنع (كِيش).
محمد إسماعيل عتوك