دلائل صدق النبوة

دلائل صدق النبوة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أوضح دلائل صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، معجزة انشقاق القمر، وهذه المعجزة تتمتع بثبوت قوي حيث براهينها ساطعة وأدلتها ناصعة، فقد نص القرآن نصاً صريحاً على هذه المعجزات بالذات فقال تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر).

فهي معجزة قطعية الثبوت بلغت مبلغ التواتر، وقد أجمع أهل السنن والمفسرون على وقوع انشقاق القمر من أجل نبينا صلى الله عليه وسلم. ولم يحدث أن انشق القمر لنبي من الأنبياء قبله عليه الصلاة والسلام.

ولا ريب أن انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء. ولذا اختص بها خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أنه ظهر في ملكوت السموات خارجاً عن جملة طباع ما في هذا العالم. فليس مما يطمع في الوصول إليه أحد بحيلة من الحيل.

وقد حدث أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يريهم آية وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين، فاجتمعوا وفيهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين فسأل ربه أن يعطيه ما قالوا فانشق القمر فلقة دون الجبل، وفلقة خلف الجبل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا، وكان ذلك الانشقاق في الليلة الرابعة عشرة.

ومدة الشق كانت بقدر ما بين العصر إلى الليل، ولما انشق القمر قال الكافرون: سحرنا محمد، فقال رجل منهم، وهو أبو جهل إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الأرض كلها فسلوا من يأتيكم من بلد آخر، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق وإن لم يكونوا رأوا ما رأيتم فهو سحر. فسألوا السفار الذين قدموا من كل وجه إلى مكة. فقالوا رأيناه فقال الكفار (هذا سحر مستمر).

وحيث أجمع المفسرون وأهل السنن على انشقاق القمر، وتواترت أحاديثه فلا التفات إلى اعتراض مخذول، بأنه لو كان هذا الانشقاق ثابتاً لم يخف على أهل الأرض. إذ هو شيء ظاهر لجميعهم، حاصل الرد على هذا الاعتراض أنه لم ينقل لنا عن أهل الأرض أنهم رصدوه تلك الليلة وترقبوه، ونظروا إلى مطلعه فلم يروه انشق، بل لو فرض أنهم فعلوا ذلك لما كانت بهم حجة علينا به.

إذ ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الأرض، لاختلاف أحواله باختلاف مطالعه بالنسبة لبعض دون بعض. فقد يطلع في ليلة في بعض البلاد دون بعض، وقد يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين، وقد يكون من قوم بضد ما هو من مقابلهم من أقطار الأرض، أو يحول بين قوم وبينه سحاب ولهذا توجد الخسوفات في بعض البلاد دون بعض، وتوجد في بعضها جزئية، وفى بعضها كلية.

وفى بعضها لا يعرفها إلا ذوو المعرفة. ذلك تقدير العزيز العليم: على أن انشقاق القمر قد وقع بالليل، والعادة من الناس في الليلة السكون وإغلاق الأبواب، وقطع التصرف، ولا يكاد يعرف من أمور السماء شيئاً إلا من رصد ذلك واعتنى به غاية الاعتناء، وكثيراً ما يكون خسوف القمر في البلاد وأكثرها أهلها لا يعلم به حتى يخبر، وكثيراً ما يتحدث الثقات بعجائب يشاهدونها من أنوار.

ونجوم طوالع وأمور عظام، تظهر بالليل في السماء ولا يعلم بها كثير من الناس. ومع ذلك فقد سألت قريش كثيراً من أهل الآفاق فأخبروهم بأنهم شاهدوا ذلك. وكان المخبرون هم السفر لأن المسافرين في الليل غالباً يكونون في ضوء القمر. ولا يخفى عليهم ذلك. بخلاف غيرهم، فإن الغالب عليهم أن يكونوا نياماً. ويكفي ذلك في ثبوت التواتر وإن خفي على كثير من أهل الآفاق.

وقال بعض الملاحدة من الفلاسفة، إن الأجرام العلوية لملاستها لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام، وكذلك قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الإسراء، حتى أنكروا ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك.

وأجيب بأن العقل لا ينكر انشقاق القمر فإن القمر مخلوق لله فله جل شأنه أن يفعل فيه ما يشاء، ومن طريف ما يحكى أن ابابكر بن الطيب لما أرسله سيف الدولة لملك الروم بقسطنطينية. وأخبر ملك الروم بأن أبا الطيب أجل علماء الإسلام فى عصره. أحضر له الملك بعض بطارقته. ليناظروه.

فقال له: تزعمون أن القمر انشق لنبيكم فهل للقمر قرابة منكم حتى تروه دون غيركم، فقال أبو الطيب للبطريق وهل بينكم وبين المائدة التي نزلت من السماء بطلب الحواريين أخوة ونسب، إذ رأيتموها ولم ترها اليهود واليونان والمجوس الذين أنكروها وهم في جواركم. فأفحم البطريق ولم يحر جواباً.

ومما ذكر يتبين أن الله عز وجل نصر نبيه على خصومه الذين تحدوه وظنوا أن الله تعالى لن يجيب نبيه إلى طلبه، وكان عليهم أن يقولوا آمنا بأن الله حق، وبأن الرسول صادق، ولكنهم مضوا في مكابرتهم وعنادهم وكفرهم بآيات الله.

لكن المؤمنين قد ازدادوا إيماناً بأنهم على حق حين قالوا: (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين).

رجاء علي

Email