في كتاب أصدره في سبتمبر عام 2003 بعنوان «زايد ريادة فكر وفكر ريادة» اتجه الكاتب والصحافي السعودي عبدالعزيز التويجري في فكرته الأساسية لتوثيق أولي وسباق لمبادرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله في قمة شرم الشيخ التي سبقت حرب الخليج الثالثة والتي سقط بها النظام العراقي السابق اثر حرب شنها تحالف دولي غربي قادته الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

وركز الكاتب في مدخله على الآثار التي ترتبت على تجاهل تلك القمة لمبادر الشيخ زايد ورفض النظام العراقي السابق لها في نفس الوقت حيث قال في المدخل: «هدأت العاصفة وانتهى الأمر، وخسر العرب ورقة كانت في متناول أيديهم وتجرع أبناء الرافدين ويلات الألم وحسرات المآسي».

وأضاف: «كان بإمكانهم أي العروبيين الخروج من المأزق لو استجابوا لصوت العقل ولغة المنطق وتجاوزوا مؤقتاً كبرياء التاريخ وأحلام الماضي ورضخوا، وعلى طريقة الأبطال لمبادرة ولدت على ضفاف الخليج ونادتهم إلى حل لا يريد سوى التنفيذ والاستجابة إلى الواقعية بعيداً عن حسابات عفا عليها الزمن وشرب.

انتفض العالم وأصبحت الكرة الأرضية تغلي من شرقها إلى غربها في محاولة شبه يائسة بوقف النوايا الأميركية لشن حرب على بلاد ترعرع فيها الرشيد واحمد بن حنبل والمتنبي وشهدت أرضها وعاشت سماؤها انتصارات إسلامية لا يزال أهل الدين القويم يستذكرونها بفخر واعتزاز، لولا أن الرفض والشجب والاستنكار لم تكن أوراق حيوية والجيوش الغربية تحشد قواها وتسير أفرادها باتجاه العراق.

صرخت الدنيا بطولها وعرضها... تمنى المتفائلون والمتشائمون على حد سواء نهاية دبلوماسية تحسم القضية إلا أن من كان يقرأ المنهجية السياسية التي كانت تحرك القوى برؤى عصرية خرج من بين الصفوف وقدم الدواء لعلاج الداء دون الحاجة إلى مشرط أو عمليات جراحية ففي القمة العربية التي احتضنتها شرم الشيخ كانت هناك يد ارتفعت لتنقذ ما يمكن انقاذه وتعيد ترتيب الأوراق التي تتقاذفها الرياح ومع هذا غض العرب عن قصد أو دونه الطرف عنها وتركوها تلوح بالأمل الوحيد ثم عادوا لقراءتها وتناولها واستعراضها بعد فوات الأوان».

ودعم الكاتب توثيقه بمقتطفات لحديث لسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والذي كان وزيراً للإعلام في ذلك الوقت «بعد رفض قمة شرم الشيخ مناقشة مبادرة الشيخ زايد التي لم تجد أذنا صاغية مما حدا بالشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى توجيه انتقادات للزعماء العرب وجامعة الدول العربية لعدم مناقشة القمة العربية اقتراحاً من بلاده يقضي بمطالبة صدام حسين بالتنحي بهدف تفادي شن حرب على العراق، وقال «العرب فقدوا لسوء الحظ برفضهم حتى مناقشة مبادرة الإمارات آخر أمل لحل عربي للأزمة العراقية».

وأضاف :«إنه لو كانت القمة أيدت مبادرة الإمارات فلن يكون أمام أميركا أو الأمم المتحدة إلا القبول بها ولكن الجامعة ليس لديها الجرأة لمناقشة الموضوع». وقال سمو الشيخ عبدالله إن الزعماء العرب لا يريدون مناقشة هذه المبادرة لأنهم ينظرون إليها على أنها سابقة خطيرة، ولكن السابقة الخطيرة مع الأسف لا تنطبق إلا على النظام العراقي الذي جلب من الويلات، على العالم العربي وعلى العراق وعلى جيرانه ما لم يحققها أي قائد عربي.

مشيراً إلى أن مبادرة الشيخ زايد سيتذكرها الناس وسيتحدثون عنها بعد أن يستباح العراق وبعد أن تدخلت القوات الأميركية للعراق وبعد أن يوضع حاكما أميركياً على العراق. وأضاف يقول: «الكل مجمع على أن صدام حسين لا بد أن يغادر العراق ولكن لا يوجد قائد عربي مع الأسف لديه جرأة الشيخ زايد». والآن تخرج تساؤلات عدة يكسوها الخجل، هل ندم العرب بعد أن أصبح حاكماً أميركياً الأمر والناهي في العراق.

ولم يكتف الكاتب بتوثيق حديث سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بل زاد عليه تعليق لـ «إبراهيم سعدة» رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم المصرية على التجاهل الذي وجدته المبادرة الإماراتية وبادرة زايد التاريخية بقوله: «رئيس دولة الإمارات العربية صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كسر الحلقة المفرغة التي أرهقنا الدوران داخلها طوال الشهور الأربعة الماضية وأرسل رسالة مفتوحة إلى القمة العربية التي عقدت في مدينة شرم الشيخ، يوم السبت الماضي، وقال فيها علنا كل ما نقوله جميعاً سرا!».

جاء في رسالة الشيخ زايد الشجاعة، والواقعية، والمنطقية: «لقد ارتأينا أن نتوجه إليكم اخواني الأعزاء واضعين أمام ناظريكم بعض الأفكار والتصورات التي نرى أنها قد تساهم فيما نتمناه جميعاً، وما نحرص عليه كلنا من حماية للعراق وضمان مستقبله ووحدة أراضيه واستقلاله وسيادته، ومن تجنيب المنطقة التداعيات التي قد تترتب على ما نراه من استعدادات وحشود وتجهيزات لعمل عسكري يصعب التكهن بما سيسفر عنه من معطيات على الأرض، إنني ادعو إلى أن تعلن القمة العربية مبادرة تتركز في النقاط التالية:

أولاً: أن تقرر القيادة العراقية التخلي عن السلطة وتغادر العراق، على أن تتمتع بكل المزايا المناسبة، وذلك في غضون أسبوعين من تاريخ القبول بالمبادرة العربية.

ثانياً: تقديم ضمانات قانونية ملزمة محلياً ودولياً للقيادة العراقية بعدم التعرض لها أو ملاحقتها بأي صورة من الصور. ثالثاً: إصدار عفو عام وشامل عن كل العراقيين داخل العراق وخارجه. رابعاً: تتولى جامعة الدولة العربية بالتعاون مع الامين العام للأمم المتحدة الإشراف على الوضع في العراق لفترة انتقالية يتم خلالها اتخاذ ما يلزم من اجراءات من أجل عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية، وفق ما يراه الشعب العراقي الشقيق.

ولا أجد أبدع، وأشجع... مما اقترحه الشيخ زايد في رسالته التي قيل إنه أرسلها إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى ثم قيل إنه أرسلها إلى رئيس القمة العربية الحالية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وقيل أيضاً إن رئيس دولة الإمارات العربية لم يطلب تلاوة رسالته على القادة العرب في جلستهم الافتتاحية، وإنما طلب توزيعها على الوفود المشاركة للاطلاع عليها، وأخذ علم بما جاء فيها!

وفي نفس السياق وتوثيق اخر يتحدث فيه رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن عن المبادرة بقوله: أحسن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة صنعاً بمطالبة صدام ـ علانية ـ بالاستقالة واللجوء إلى المنفى، لقد أصاب الشيخ زايد في دعوته.

وكان ختام الكتاب مسكا حيث جمع الكاتب ابرز مقولات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طوال فترة حياته وافرد لها فصلا واسعا ضم عبارات منها بالدين، والسياسة، والاقتصاد، والمجتمع، والزراعة، والصناعة، والتعليم، والطب، والمرأة وغيرها من مقولات تخص شتى المجالات كان لها الأثر البالغ وأصبحت حكما يرددها الجميع وفي جميع المواقف لا يمكن أن يتناساها لا العالم ولا التاريخ لاسيما وأنها صادرة من رجل سمي بحكيم العرب.