د. محمد عمارة: التجربة الإنسانية في تحرير الإبداع الفكري ليست ناجحة

الإسلام أعطى الإنسان حرية التفكير في أمر دينه ودنياه

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

منح الإسلام الإنسان حرية التفكير في أمر دينه ودنياه، ليهيئ عقله لأن ينطلق في ميادين الآداب والعلوم، وأن يجتهد ويستنبط من نصوص الشريعة ما توصله اليه وسائل الاجتهاد والاستنباط ..

ولكن هل يمكن أن تتجاوز «الحرية» أو الإبداع الفكري أي ضوابط أخلاقية؟ وهل حرية الرأي تستخدم على إطلاقها أم أن هناك ضوابط تحدها وتنظمها؟.. هذه الأسئلة صارت مطروحة بقوة هذه الأيام في ظل المد المستمر لمحاولات هدم قيم أخلاقية بعينها تحت ستار «حرية الإبداع وحرية الفكر» لدرجة أن كتابات البعض تجاوزت حدود اللياقة وأساءت لتعاليم الإسلام نفسه؟.. فكيف يمكن صيانة الحرية من هذه التجاوزات وما هي الضوابط التي تحدها وتنظمها؟ يقول د. محمد عمارة المفكر الإسلامي إن التجربة الإنسانية في تحرير الإبداع الفكري ليست ناجحة في الممارسة والتطبيق وتعاني منها الشعوب والأمم التى سارت في طريقها.. وأضاف إن الأمم تعارفت على مقدسات ورموز للحريات، فعندما نختار قطعة قماش ونسميها علماً فممنوع إهانة هذا العلم، كذلك عندما نقول إن هذا التراب أرض الوطن فممنوع إهانة الوطن وترابه، وكذلك عندما نختار حاكماً، فممنوع العيب في ذات رئيس الدولة.

وأكد د. عمارة أن الإسلام منح الإنسان حرية التفكير في أمر دينه ودنياه، وقرر أينما تكون المصلحة فثم شرع الله ودينه، ولا يعقل أبداً أن يوافق الإسلام على أن يكون الفرد مجرد قطعة شطرنج يحركها أميره كيف شاء، ولم يعرف الإسلام ما يسمى بالطاعة المطلقة..

ففهم الحرية على وجهها الصحيح يعتبر مدخلاً أساسياً لعلاج الكثير من الأوضاع الشاذة والخاطئة، كما أن إتاحة الفرصة لتعددية فكرية وسياسية جادة سيتيح الفرصة أيضاً لتصحيح فكر الشباب فلا يحدث التطرف أو ينتشر العنف.

الطاعة المطلقة.

ويؤكد المفكر الإسلامي د. أحمد كمال أبو المجد أن الإنسان خلق حراَ في استعماله واستخدامه الجوارح التي وهبها إياه الله سبحانه وتعالى، وأن ينطلق بنظره في هذا الكون العظيم الذي سخره الله عز وجل له كي ينتفع به، مشيراً إلى أن الحرية غريزة، وأن الغرائز جهاز طبيعي في الإنسان، ومن هنا فلا يجوز كبت الحرية أو قتلها وإنما ترشيد استخدامها في إطار العقل والحكمة..

وأضاف أنه من حق المجتمع كبح جماح أفراده عند ممارستهم لحرية الفكر والرأي بمراعاة الضوابط التي توضع في هذا الشأن. وأشار د. أبو المجد إلى أن الحرية في الإسلام تقوم على عمل أي شيء لا يؤذي الغير فممارسة الفرد لحقه الطبيعي في الحرية لا حدود لها إلا الحدود التي تضمن للآخرين التمتع بنفس هذا الحق، فالناس خلقوا أحراراً وحريتهم تبقى مطلقة مالم تصطدم بالحق أو الخير، فإذا اصطدمت بأي منهما على أي مستوى، فإن الحرية الفردية عليها أن تلتزم بالضوابط، مشيراً إلى أن الإسلام يكفل الحرية بجميع أنواعها ووجوهها السياسية والمدنية وحرية التعبير عن الرأي وغيرها.

خير مرشد

د. عبد الصبور مرزوق نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون طبقوا مبدأ الشورى خير تطبيق، ويجب أن نتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الرأي الصائب والفكر المستقيم لابد أن يأخذ طريقه إلى التطبيق، ولا يوضع في الأدراج اكتفاء بكلمة الإطراء والاستحسان والمدح.

وأشار إلى أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والمشورة حصن من الندامة وأمان من الملامة» ويقول الإمام علي كرم الله وجهه: «نعم المؤازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد»، ويقول أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: «إن المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة لا يضل معهما رأي ولا يفقد معهما حزم».

وأكد د. عبد الصبور أن من أبرز ملامح الدعوة الإسلامية الحث على حرية التفكير والتعبير عن غير حجر أو ضغط أو إرهاب في كل ما يحيط بالإنسان من أمور وما يقع تحت إدراكه من ظواهر، فكل فرد له الحق في النظر والتفكير وإبداء الرأي فيما ينشأ على ساحة المجتمع من قضايا ومشكلات.

وأوضح أن احترام الرأي والأخذ بأفضله كان مكفولاً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، فكانت حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع لا يضار أحد لما أبداه من رأي، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الأمة حرية الفكر، فكان يطلب من المسلمين مشاركته في إبداء آرائهم في بعض القضايا، ويأخذ بأفضلها إذا رأى في ذلك الصواب.

ولم يؤخذ على المسلمين الأوائل أنهم كمموا الأفواه وحرموا الأفراد من التعبير عن آرائهم بحرية، بل لقد أرسى الإسلام قاعدة الشورى العريضة، وهناك سورة في القرآن الكريم تحمل هذا الاسم.

الحرية للجميع.

ويؤكد د. أحمد يوسف أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر أن الإسلام أتاح الحرية لجميع أفراد المجتمع، وهذا هيأ العقل المسلم لأن ينطلق في ميادين الآداب والفلسفة والعلوم، وأن يجتهد ويستنبط من نصوص الشريعة ما توصله إليه وسائل الاجتهاد والاستنباط أن يتدبر الكون وأن يناقش الآراء ويفاضل بينها ويختار منها ما يراه أقرب إلى الصواب.

وقال: إن المذاهب والمدارس الفكرية في الإسلام لم تكن عليها رقابة ولا سلطة دينية أو سياسية تحظر هذه الآراء وتعدم أصحابها، ولكن كان علماء الشريعة يتصدون للرد على كل الأكاذيب التي تمس الإسلام وكشف زيفها بالحجة والبرهان لا بالعنف والتطرف، وطوال التاريخ الإسلامي لم تحدث مصادرة لرأي أو اضطهاد لصاحب فكر إلا حينما فرض الخليفة المأمون والمعتصم بالله رأي المعتزلة في خلق القرآن وعذب المئات من العلماء المخالفين لذلك الرأي.

ولم يحدث أن تدخلت الدولة ضد الآراء المهاجمة للإسلام والمخالفة لتعاليمه إلا حينما ترى الدولة أن من وراء هذه الآراء مآرب سياسية تعرض كيان الدولة للخطر، أيضاً لم يقع اضطهاد لعالم بسبب آرائه إلا في حالات نادرة وفى عصور متأخرة كما وقع لابن حزم في الأندلس وابن تيمية في دمشق.

حرية الرأي

ويرى د. عبد المعطى بيومي الأستاذ بجامعة الأزهر أن الإسلام مع حرية الرأي بلا حدود، وأن يعبر كل كاتب أو صاحب رأي بحرية عن رأيه، وأن يجد كل رأى سليم الاستجابة لدى المسؤولين، وفى المقابل يجب أن يلتزم صاحب الرأي بصدق الحقائق والموضوعية، وألا يثير الغرائز، وألا ينطلق من العداء بينه وبين بعض الأشخاص، وألا يسعى إلى تحقيق مصالح شخصية.

وإنما يعمل على تحقيق المصلحة العامة للمجتمع المسلم، أيضاً يجب أن ينتقد أعمال الغير ويوضح القصور والانحراف، لكن عليه ألا يجرحه بذكر عيوبه الخاصة.. إن الإسلام يرحب بالكلمة الطيبة، ويتيح أمامها جميع وسائل النشر، ويضع ـ في المقابل ـ الضوابط أمام الكلمة الخبيثة حتى لا تفسد المجتمع.

وأشار د. بيومي إلى أن الضوابط التي وضعها الإسلام محدودة وقاطعة، أما التي وضعها ويضعها البشر فهي مطاطة، ولا تدل على شيء إلا في عقل واضعيها وهى سياج متين لحماية المستبدين والمنحرفين والمفسدين، وهى سيف على رقاب الأحرار الذين يقولون الحق ولا يخشون في الله لومة لائم.

وقال: إذا فقد مجتمع ما الأسس والضوابط التي وضعها الإسلام لممارسة الحرية بمختلف صورها، فإن أفراده يتحولون إلى أرقاء مستذلين يسبحون بحمد الحاكم ويتحولون إلى نمط واحد ثابت لا يتغير.

ويقول الشيخ منصور الرفاعى عبيد بوزارة الأوقاف المصرية: لكي يكون الخلاف مستمراً، ولكي يكون مثريا للفكر الإسلامي وللعقل الإسلامي لابد أن نضع نصب أعيننا حدوداً معينة، أو أطراً يسير في ضوئها أو في حدودها هذا الخلاف، فعندما نختلف هناك مسلمات لابد أن نتفق عليها، ونلتقي جميعاً عندها، ولا علينا أن نختلف بعد ذلك فيما نختلف فيه، وإنما في حدود هذه المسلمات..

كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله الصحيحة، فهذان أمران ليسا محل جدل ولا خصام، بل لابد أن يذعن لهما المختلفون جميعاً حتى يثمر اختلافهم. وأشار إلى أن القواعد المقررة في أصول الفقه تقول إن الاجتهاد لا يعارض باجتهاد مثله، والفيصل هو الدليل، وأوضح أنه من الخطأ تناول من نختلف معه بأي صورة من الصور التي تسيء إليه، فيجب أن يكون الاختلاف موضوعياً، وألا يتجاوز المختلفون موضوع البحث أو موضوع الدراسة.

القاهرة ـ أيمن غازي:

من: وكالة الصحافة العربية

Email