في التراث العربي الإسلامي كثير من الكنوز التي لا يملك الإنسان حيالها إلا الوقوف أمامها طويلا واستلهام العبر والعظات منها، ومن هذه الكنوز الوصية المشهورة من المرأة الأعرابية لابنتها قبل زفافها وهي عشر وصايا تهدف إلى استقرار الزواج واستقرار الأسرة وتفادي العقبات والصعوبات والمشاكل التي تقف في سبيل استمرارها،

إن وصية هذه الأم الأعرابية المحبة لابنتها والخائفة عليها من عاديات الزمن والمتمثلة في الخلافات الزوجية أو الطلاق، لهي علامة من علامات الإحساس بالمسؤولية تجاه الفتيات وتأهيلهن لتحمل مسؤولياتهن المستقبلية بعيدا عن البيت الذي درجن فيه وتعودن عليه وهو بيت العائلة، إلى بيت جديد لا يعرفن عنه شيئا.

والوصية الحكيمة لهذه المرأة وثيقة اجتماعية تعبر من خلالها عن أهداف الزواج وهو الاستقرار والسكن والمودة والرحمة والتفاهم المبني على الاحترام (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

وكلامي هذا ووصية هذه الأعرابية المخلصة لبنتها أعرف أنه لن يعجب البعض من داعيات ودعاة حرية المرأة ممن يرون العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة تنافس وتناحر وتضارب مصالح لا يمكن لها أن تلتقي على أرضية الوئام والسكن والمودة التي أرادها الله لهما، ولن يعجب كلامي كذلك البعض من الأمهات اللاتي يعتقدن أن ابنتها سلعة تباع وتشترى لمن يدفع أكثر،

ويشترطن على من يوافقوا على زواجها منه أن يكون بنكا متنقلا لها ولأهلها يغرفوا منه ما يشاءون لهم من مال غير مكترثين بما أوجبه عليهم الدين الإسلامي الحنيف وقرره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، فإن لم تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير).

وعندما نتتبع بعض ما جاء في الوصية أو الوصايا العشر نجدها تقول لابنتها: «كوني له امة يكن لك عبدا.. كوني أشد الناس له إعظاما يكن أشدهم لك إكراما.. وأما السابعة والثامنة فالاحتراس بماله والادعاء على حشمه وعياله.. فملاك حسن التدبير الأمر في المال، وفي العيال حسن التقدير».

وكم من أمهات جنين على بناتهن بسبب الغيرة أو حب التملك والاحتفاظ بابنتها لها وحدها بعد زواجها وكأنها لم تتزوج أو ليس لها زوج وبيت بحاجة إليها، وهناك من القصص والحكايات لا تنضب من أفعال هؤلاء الأمهات اللاتي لم يقتنعن بأهمية إعداد الفتاة لحياتها الاجتماعية الجديدة أو لم يقرأن وصية الأعرابية بتمعن على الرغم من وجودها في كتب التراث أو على شبكات الانترنت والمنتديات الأسرية، أمل أن يطلعن عليها فلعل وعسى يقتنعن بما فيها ويكن عونا لبناتهن بدلا من أن يكن عبئا عليهن، أو الاقتناع بعد فوات الأوان.

tantawi2006@hotmail.com