الزواج من أجنبيات وأثره على الأبناء (3)

60% من المواطنين المتزوجين من أجنبيات طلقوا زوجاتهم المواطنات

ت + ت - الحجم الطبيعي

التحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع والتي واكبت الطفرة النفطية أفرزت ظاهرة الزواج من الأجنبيات وأدى ذلك إلى عزوف الشباب من مواطني الدولة عن الزواج من بنات وطنهم بسبب المغالاة في تكاليف الزواج مما أصبح يشكل مشكلة اجتماعية خطيرة ترتبت عليها آثار اجتماعية منها ازدياد نسبة العنوسة بين المواطنات في الدولة.

ولكن لابد في البداية من رصد عوامل ظهور المشكلة ـ كما يضيف دكتور مراد ـ ومن هذه العوامل غلاء المهور وزيادة تكاليف حفلات الزواج، وهو ما تشير اليه بعض الدراسات المحلية.

حيث أوضحت دراسة تحليلية لنحو 440 حالة زواج من أجنبيات أن غلاء المهور وزيادة تكاليف حفلات الزواج يعد أحد أهم العوامل المسببة للظاهرة وتبين أن 83% من تلك الحالات تمت بسبب المغالاة في المهور وزيادة أعباء حفلات الزواج.

يقول الدكتور محمد مراد عبدالله مدير مركز دعم اتخاذ القرار بشرطة دبي ان القبول بفارق السن من قبل الزوجة الأجنبية حيث تظهر بعض الحالات يكون فيها المواطن في سن 75 عاماً والزوجة في سن 18 عاماً وآخر عمره 65 عاماً والزوجة 18 عاماً، يمثل منعطفاً خطيراً لما للأسرة من دور حيوي في تربية الأولاد لأن الزواج تم على أساس اقتصادي بحت دون مراعاة توافر شروط أخرى لبناء الأسرة..

العامل الأهم هو غياب الوعي لدى الأفراد بالآثار الاجتماعية الناجمة عن الزواج من أجنبيات والنظر للأجنبية كنوع من الوجاهة الاجتماعية.

العنوسة مشكلة معاصرة

ويحذر د.مراد من الآثار الناجمة عن الزواج من أجنبيات والتي أبرزها العنوسة وهي أهم المشاكل الاجتماعية المعاصرة لما لها من آثار سلبية على المجتمع والأسر وتعد العنوسة نتاجاً خطيراً لظاهرة الزواج من أجنبيات لما يترتب عليها من خلل في التركيبة السكانية. الأثر الآخر هو ارتفاع حالات الطلاق .

حيث أكدت الدراسات ان60% من المواطنين الذين كانوا متزوجين من مواطنات وتزوجوا أجنبيات طلقوا زوجاتهم المواطنات إضافة إلى ارتفاع نسبة الطلاق بين المواطنين المتزوجين من أجنبيات وهذا الارتفاع الخطير في نسبة الطلاق من شأنه أن يزيد باقي الآثار الاجتماعية المتمثلة في التفكك الأسري وزيادة نسبة الأحداث الجانحين.

البعد الأكثر خطورة ـ في رأي د.مراد ـ هو غياب الهوية الثقافية للأطفال حيث يمتد أثر الزواج من أجنبيات على الثقافة واللغة العربية والآداب العامة والتقاليد وألوان الطعام واللباس وهذا كافيا لطمس الهوية العربية والإسلامية.

إضافة إلى تشكيل عقل ووجدان الطفل وأبعاده عن المشاعر القومية تأثرا بأمه فعن طريق التنشئة الاجتماعية التي تبدأها الأسرة ينتقل الفرد من كونه كائناً بيولوجياً إلى فرد اجتماعي فالأسرة تكاد تكون الأداة الوحيدة التي تعمل على نشأة الطفل وتشكيله في المراحل الأولى من حياته فهي تنقل إليه العادات والقيم السائدة في المجتمع كما أن لها وظيفة أخرى تتمثل في التربية.

وهي تتداخل في التنشئة الاجتماعية وتداخل الوسيلة في غايتها.ولذا من الطبيعي أن يتأثر الطفل بأمه الأجنبية وعاداتها، فالاختلاف بين عادات وقيم وتقاليد الأبوين من شأنه التأثير على شخصية الأولاد إما بالسلب أو بالإيجاب.

قوانين منظمة

ويطالب مدير مركز دعم اتخاذ القرار بضرورة التوعية بالآثار الخطيرة للظاهرة ودراستها وإصدار قوانين تحد من الزواج من أجنبيات وتنظم تلك المسألة وتحديد المقصود بالأجنبي ليراعي أبناء دول مجلس التعاون الخليجي أولاً ثم أبناء الوطن العربي ثم الدول الأخرى.

كذلك ضرورة وضع تحفيز مادي من خلال إضافة بدل مواطنة على رواتب العاملين المواطنين المتزوجين من مواطنات فقط على ألا يستفيد منها المتزوج من أجنبية..

إحصاءات

في دراسة بحثية للنقيب علي عبد الله بن عجيف الزعابي بشرطة دبي في العام 2002 أشار إلى أن السنوات الخمس بين عامي 1997-2001 شهدت 1239 حالة زواج من أجنبيات لشباب مواطنين من دبي مما يترتب عليه ذات العدد من المواطنات قد يكن مهددات بالعنوسة .

وهو ما يمثل خطورة اجتماعية مزدوجة على المجتمع. ووفقا للإحصائية فقد استحوذت الجنسية الإيرانية على أعلى نسبة في حالات الزواج من المواطنين في إمارة دبي خلال عامي 2000 ـ2001 .

وجاءت فئة من لا يحملن أوراقاً ثبوتية في المرتبة الثانية بينما احتلت الجنسية الهندية المرتبة الثالثة ثم مصر وسوريا وباكستان في مراتب أقل وهذا يمثل ارتفاع حالات زواج المواطنين من الجنسيات غير العربية، ما قد يؤثر على التنشئة الاجتماعية للأولاد.

وفي دراسة صادرة عن مؤسسة صندوق الزواج العام قبل الماضي أكدت ارتفاع نسبة الزواج من أجنبيات إلى أكثر من 43% بإمارة أبوظبي خلال العام 2003 .

حيث تزوج ألف و111 مواطناً بمواطنة و591 مواطناً تزوجوا بوافدة. وفيما يتعلق بحالات الطلاق أوضحت الإحصائية أنه تم إثبات الطلاق بين المواطنين والمواطنات بإمارة أبوظبي خلال العام ذاته لنحو 170 حالة وإشهار الطلاق لنحو 210 حالات لمواطنين متزوجين من أجنبيات.

ليست كلها خاطئة

العقيد عبدالله خميس الحديدي مدير إدارة البحث الجنائي بشرطة رأس الخيمة أمسك بالعصا من وسطها حول هذه القضية قائلاً: انتشرت مؤخراً داخل أفراد الأسرة ممارسات عنيفة أدت إلى ممارسات خاطئة وجرائم قتل، ومن المؤسف ان يكون الجاني والمجني عليه من أسرة واحدة .

وهذا إنذار مفاده أن ثمة أشياء غير طبيعية تحدث في مجتمعنا، لكن من الظلم أن نرمي بكل الأسباب على الزواج من الأجنبيات فالأمر يعود بالدرجة الأولى إلى المستوى التعليمي والمناخ الأسري والوضع الاجتماعي للأفراد.

ويضيف العقيد الحديدي أن من الأخطاء التي يقع فيها المواطنون خاصة كبار السن تتمثل في اقترانهم بزوجات غير مواطنات اصغر منهم بكثير وهنا لا يوجد تكافؤ ذهني وجسدي وعاطفي بين الطرفين ما يولد العنف والخلافات الزوجية التي تنعكس سلباً على الأبناء.

الزواج غير المتكافئ ويؤكد مدير إدارة البحث الجنائي بشرطة رأس الخيمة انه ليس كل زواج من أجنبية يقود إلى جرائم أو سلوكيات مرفوضة أو ممارسات خاطئة، مستدلاً بأدلة على أرض الواقع.

حيث ذكر ان هناك أبناء أمهاتهم غير مواطنات لكن نجدهم ملتزمين دينياً وأخلاقياً وتربوياً ومتفوقين دراسياً لذلك يجب عدم إلقاء كل اللوم على الزواج من أجنبيات فلابد أن نبحث عن الأسباب والمسببات ومنها الاختيار الخاطئ المتمثل في فارق السن وعدم التوافق الفكري بين الزوجين، فالزواج المتكافئ لا يفرز أية سلبيات إذا كان مدروساً في جميع جوانبه وإن وجدت الرعاية والمتابعة المستمرة للأبناء.

ليس محرماً ولكن!

أما فضيلة الشيخ الدكتور عبدالوهاب المشهداني المفتي الأول ومسؤول الفتوى بمكتب الشؤون الإسلامية والأوقاف برأس الخيمة يقول عن هذا الموضوع، إن الزواج من أجنبيات ليس محرماً ولكن يجب مراعاة الآثار المترتبة على هذه الزيجات وانعكاساتها السلبية على تربية الأبناء.

وهنا لابد على المسؤولين وأولي الأمر سن القوانين التي تمنع الزواج من الأجنبيات حفاظاً على البلاد وشبابها وأبنائها من الانحلال الأخلاقي أما إذا استدعت الحاجة إلى الزواج من غير المواطنات فمن الأفضل الاقتران بالعربيات القريبات من مجتمعنا بحكم وحدة الدين واللغة والعادات بحيث يكون الانسجام والوئام حاضرين بين الطرفين.

الأجنبيات دمرت دولة

ويحذر المشهداني من الزواج من أجنبيات قائلاً: إن له سلبيات عدة تؤثر على أمن البلد وسلامته لأننا لا نعلم بحقيقة ونوايا الأمهات الأجنبيات اللاتي ينجبن أبناء ربما يصبحون عالة على المجتمع يعيشون في ضياع وتشتت ومنهم من يتطبع بأطباع وأفكار أمهاتهم الأجنبيات فيصبح ولاؤهم لبلد الأم التي تحرضه على موطنه الأصلي، وهنا تكمن الطامة الكبرى والمصيبة العظمى.

ويكفي أن نعلم بأن الدولة العثمانية انهارت بسبب الزواج من النساء الأجنبيات اللاتي أصبحن جاسوسات على الدولة لحساب مواطنهن الأصلية.

ويختم المشهداني حديثه بقوله: إن الأسرة هي اللبنة الأولى والأساسية في أي مجتمع ويجب المحافظة عليها وصيانتها من كل أفكار دخيلة وعادات سيئة قد تنتج من الزواج من أجنبيات ليست لهن صلات بعاداتنا وتقاليدنا.

فقد أكد العاملون في الشرطة بعجمان وأم القيوين أن الكثير من القضايا التي ترد إلى الشرطة لاسيما جنح الأحداث المواطنين تكون الأم أجنبية مشيرين إلى أن زواج المواطن من أجنبية يدفع ثمنه الأبناء والمجتمع مطالبين بضرورة تكثيف التوعية وسط الشباب للحد من زواج المواطن من أجنبية.

وفي هذا الجانب قال العقيد راشد إبراهيم جداح نائب مدير عام شرطة أم القيوين: معظم الشباب الذين يتزوجون من أجنبية يتحججون بأن التكاليف المادية هي التي دعتهم لذلك مؤكداً بأن المواطن الذي يتزوج أجنبية يدفع تكاليف أكثر بعد سنوات من الزواج تتمحور في ضعف تربية الأبناء من قبل الأم التي تحمل عادات وتقاليد مغايرة عن واقع الإمارات.

وطالب العقيد جداح بأهمية تكثيف برامج التوعية وسط الشباب عن طريق الندوات والمحاضرات للحد من زواج المواطن للأجنبية وتبيان المشاكل الذي تحدث بعد هذا الزواج.

وأوضح بأن معظم القضايا التي ترد إلى الشرطة والتي تخص المواطنين تكون لأم غير مواطنة مثل: جنح الأحداث والقضايا الغريبة عن المجتمع مثل القضايا الأخلاقية، مشيراً إلى وجود بعض القضايا الخاصة بوجود علاقات غير شرعية بين الزوجات الأجنبيات مع أبناء جنسها على الرغم من أنها متزوجة من رجل مواطن مؤكداً بأن هذا الأمر يؤدي إلى اختلاط الأنساب ودمار المجتمع.

مصالح مادية

وقال جداح: معظم الزوجات الأجنبيات داخلات على طمع من أجل تحقيق مصالح مادية وليس الرغبة في بناء أسرة مستقرة مطالباً بضرورة عدم المغالاة في المهور.

وإيقاف الإسراف في مصاريف الزواج بين المواطنين من أجل تشجيع الشباب لبناء الأسرة ودعم صندوق الزواج وتفعيل برامجه التي تعالج المظاهر السلبية في إقامة الأفراح التي ترهق الشباب وتجعلهم يقترضون من البنوك مبالغ طائلة تظل على كاهلهم لسنوات طويلة.

وفي الإطار نفسه يرى المقدم راشد جاسم مجلاد مدير إدارة البحث الجنائي في شرطة عجمان بأن الزواج من أجنبيات له تأثير سلبي كبير على الأبناء مشيراً إلى أن الزوجة الأجنبية تأتي بعادات وتقاليد غريبة عن المجتمع ويصعب أن تندمج مع أفراد المجتمع.

مطالباً بضرورة تضافر الجهود من أجل تشجيع الشباب المواطن للزواج من المواطنات موضحاً بأن الكثير من القضايا التي ترد إلى الشرطة ويكون طرفها مواطنين غالباً تكون الأم غير مواطنة.

مشيراً في هذا الجانب إلى زيادة جنح الأحداث وقضايا السرقات وبعض القضايا الإجرامية الغريبة عن المجتمع. مؤكداً بأن الزواج من أجنبيات يؤدي إلى ضياع الأبناء نتيجة غياب دور الأم في الأسرة.

تحقيق: عادل السنهوري ـ أسامة أحمد ـ وليد الشحي:

Email