في دراسة تخلّد سيرة الفقيد العطرة

مكتوم.. قدرة نادرة وعزيمة لا تفتر في إدارة معركة التنمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصدر مكتب شؤون الإعلام لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء دراسة استعرضت مواقف وأفكار المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله وطيب ثراه ورصدت المسيرة السياسية والدور الكبير والفاعل لسموه في مسيرة الاتحاد والتنمية في دولة الإمارات العربية المتحدة ودعمه المستمر لمسيرة العمل الخليجي والتعاون العربي المشترك.

وتأتي هذه الدراسة تخليدا لسيرة الفقيد العطرة ووقوفا عند إسهاماته التاريخية والنوعية في دعم نهضة الوطن وتحقيق إنجازاته الشامخة.

وأكدت الدراسة في تقديمها أن فقيد الوطن الغالي الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم هو واحد من القيادات النادرة تاريخياً والقريبة دائماً من مواطنيها وتطلعاتهم والمدركة بحسها القيادي المتوهج للحظات التاريخ الحاسمة ولواجبات الاختيارات في حياة الأمم.

فقد كان سموه من رواد السرية الأولى التي قادت الاتحاد تحت راية وبمعية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله مع إخوانه الرواد مؤسسي الاتحاد حيث كرّس نفسه منذ انطلاق المسيرة في مواقع القيادة والمسؤولية يضع الأسس والتشريعات ويرسي مع إخوانه البنية الأساسية ومقومات الدولة العصرية وعايش جميع مراحل الاتحاد وإنجازاته وعمل على رأس السلطة التنفيذية للدولة مترئسا مجلس الوزراء ومتجشما صعاب التأسيس والبناء وهو في كل المواقع التي شغلها كشف عن عزيمة لا تفتر وقدرة نادرة في فنون القيادة وإدارة معركة التنمية مسترشدا برحلة كفاحه الطويلة ونهله من أفكار وفلسفة والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه.

وأوضحت الدراسة أن المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد عبر في كل المواقف والأحوال عن نظرة عميقة وأصيلة تتسم بالحكمة والبصيرة وتتصف بالرؤية الثابتة والمتوازنة القادرة على صناعة الحاضر واستشراف المستقبل الذي رأى فيه سموه أنه سيكون هو الآخر حافلا بالبذل والمزيد من التضحيات لصيانة المكتسبات وتطويرها بما يتماشى مع روح العصر ويستجيب لتحدياته من دون الإغفال للقضايا المحلية والإقليمية والعربية والدولية التي أولاها حرصا وعناية إيمانا بأهميتها في واقع الدولة وبتأثيرها في قضايا الأمة وانشغالاتها في محيطها الدولي.

واعتبرت أنه بقدر ما أن هذه المواقف والرؤى تؤرخ لمراحل هامة من مسيرة الدولة وإنجازاتها فإنها من جهة أخرى تنم عن روح قيادية عالية تمتع بها المغفور له الشيخ مكتوم.

* روح القيادة المتجذرة

وبالعودة إلى جميع مواقف سموه نجد أنها اتسمت دائماً بروح القيادة المتجذرة في المكان بخصوصياته الحضارية والإنسانية والتي تصب في مخزون ثري ومتنوع ومتوازن وممتد في عمقه وفي رؤيته للأحداث وللتطورات كما تشكل أيضا إثراء لتاريخ أبناء دولة الإمارات.

وتحدثت الدراسة عن معاني الاتحاد عند الراحل الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم الذي اعتبره عنوانا للنهضة والوجود مشيرة إلى جهوده رحمه الله المشهودة في إرساء دعائم المسيرة الاتحادية الذي كان رحمه الله من المواكبين لها والسائرين في ركابها في رحلة التشييد حيث رأى أن الكيان الوحدوي لدولة الإمارات أثبت في غضون سنوات قياسية قوة تلاحمه وانصهاره تحت راية واحدة وأن استحقاقات المسيرة الاتحادية تتطلب في المرحلة المقبلة العمل الشاق لمواصلة البناء والتقدم ومواصلة السير في عملية التنمية بمدلولاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والسهر للمحافظة على المكتسبات الوطنية ودفعها إلى الأمام كما أن ترسيخ عقيدة الشعب بالانتماء لدولة الاتحاد وإبراز كيان الدولة الواحدة المتماسكة هما أهم إنجازين للاتحاد.

وكان المغفور له قد جدد العزم والإصرار على تحقيق المزيد من الإنجازات على طريق مستقبل واعد ينعم فيه المواطنون برغد العيش وبمزيد من العزة والمنعة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله حيث قال إن صاحب السمو رئيس الدولة سيكون القدوة والمثال فهو الأمين على المسيرة والمؤتمن على النهج والقادر على المضي ببلادنا إلى العلا وعلى تعزيز وحدتها وتقدمها الاقتصادي والاجتماعي ونموها الحضاري ومكانتها المحترمة بين دول الأرض وشعوبها.

وتحدثت الدراسة عن فلسفة البناء والتنمية عند الشيخ مكتوم وأوضحت في هذا الصدد اهتماماته ببناء شخصية إنسان الإمارات حيث اعتبر أن استدامة التنمية رهينة به باعتباره المشروع الحضاري الذي اعتمدت عليه نهضة الدولة والثروة الحقيقية للوطن والغاية العليا التي يجب أن تسخر لها كل الجهود والإمكانات وتهيئته لممارسة دوره كمواطن يدرك مسؤولياته الاجتماعية ويعي واجبه تجاه وطنه وأمته ودينه وتراثه.

وقد أعطى رحمه الله قضايا تنمية الموارد البشرية الأولوية القصوى من اهتمامه وجهده من منطلق أن الإنسان المتسلح بالعلم والمعرفة القادر على امتلاك وتسيير كل وسائل التطور والتقدم وفق رؤية بعيدة المدى تقوم على ان أساس التخطيط الواعي لضرورات الحاضر ومتطلبات المستقبل هو الدعامة الأساسية التي تعتمد عليها دولة الاتحاد.

وكانت المقومات الأساسية لعملية بناء الإنسان من منظوره رحمه الله تعتمد على التربية الدينية والفكرية وتنمية الثقافة والرعاية الرياضية والصحية وقد كان يؤكد دائما على أن التعليم والإدارة هما وسيلتا الإعداد المطلوب للعنصر البشري لمجابهة تحديات العولمة بأوجهها الاقتصادية والسياسية وغيرها.

وكان يرى رحمه الله أن الدولة القوية تحتاج إلى سواعد مخلصة وعقول وطنية مزودة بفنون العلم والمعرفة قادرة على إدارة دفة المؤسسات والاستجابة للتطلعات كما كان يرى أن شباب الإمارات الذي تم توفير التعليم المناسب له للارتقاء به علميا ومعرفيا هو الاستثمار الحقيقي في المستقبل والرهان الأول في عملية التنمية ويقع عليه اليوم الإحساس بمسؤوليته المستقبلية في الاضطلاع بمواصلة مسيرة النهضة والبناء.

ولم يغب عن بال المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله وطيب ثراه ما للحركة الثقافية من طلائعية في تنوير الفكر وربط الماضي بالحاضر والحفاظ على ذات الأمة وهويتها وعليه كان أحد اهتماماته رحمه الله هو الارتقاء بالعمل الثقافي وإحاطته ورفده بما يحتاجه من دعم مالي ومعنوي وخطط قادرة على أن تعطي مشهدا ثقافيا أصيلا وشاملا.

* اقتصاد انتاجي متنوع

وتناولت الدراسة مظاهر التنمية الاقتصادية عند المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد وأسسها ومقوماتها الموضوعية فقد كان رحمه الله يعتبر أن التنوع في مداخيل الدولة يشكل حماية لمستقبل اقتصادها ومن هذا المنطلق دعا إلى خلق اقتصاد إنتاجي متنوع يبتعد عن الاعتماد على مصدر إنتاجي وحيد وفي هذا الصدد أبان أن التصنيع يجب أن يكون على رأس قائمة الأولويات في عملية التنمية المنشودة في سياق تنويع القاعدة الإنتاجية الممولة للاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط وإلى جانب النهضة الزراعية التي استطاعت أن تحول الصحراء الجرداء إلى رقعة خضراء.

وكان من أبرز الأهداف التنموية التي نظر إليها المغفور له الشيخ مكتوم هو إيجاد مصادر دخل بديلة عن البترول تتمثل في البتروكيماويات وخلق قاعدة صناعية ومحاولة الاكتفاء الذاتي لبعض المنتجات.

وقال رحمه الله لقد عملت الدولة على دعم وتشجيع القطاع الخاص وزيادة فعاليته الاقتصادية وتقليص الاعتماد تدريجياً على موارد النفط الخام من خلال البرامج الرامية إلى تطوير الهياكل الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل بالإضافة إلى تطوير الموارد البشرية والوطنية ومعالجة الأوضاع السكانية كل ذلك جعل البناء قوياً وشامخاً فالثروة الحقيقية هي استثمار الإنسان وتأسيسه لمواجهة التحديات والمتغيرات المقبلة.

وتطرقت الدراسة إلى الاهتمام الكبير الذي كان يوليه المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم للقضايا المحلية والإقليمية والعربية والدولية حرصا وإيمانا منه بأهميتها في واقع الدولة وبتأثيرها في قضايا الأمة.

* دعم مسيرة التعاون

وفي هذا الصدد تحدثت عن جهوده رحمه الله في دعم مسيرة مجلس التعاون من خلال مشاركاته في عدد من اجتماعات المجلس الأعلى لمجلس التعاون والتي تجلت من خلالها مواقفه المشهودة الداعية إلى وحدة الصف الخليجي انطلاقا من إيمانه رحمه الله بأن علاقات وروابط شعوب دول المجلس تاريخية ومتجذرة ولا تحدها أية حدود فهي قائمة ومبنية على التاريخ والمصير المشترك واللغة والدين ووحدة التراب والعادات والتقاليد قبل إنشاء مجلس التعاون الذي جاء لتأطير وتنظيم هذه العلاقات في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها المنطقة والعالم فالمواطنة الخليجية متأصلة في نفس وممارسات كل مواطن سواء كان في الإمارات أو المملكة العربية السعودية أو في قطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان.

ووقفت الدراسة عند تصريحات المغفور له الشيخ مكتوم التي عبرت عن رؤاه الرشيدة وتطلعاته السديدة إزاء مسيرة العمل الخليجي وتطوراته وإنجازاته ودعوته إلى المزيد من التلاحم والترابط بين دول مجلس التعاون في إطار الأسرة الخليجية بما يحقق لها التقدم والنماء.

فقد اعتبر رحمه الله أن مسيرة العمل الخليجي رسخت مفهوم التعاون والأخوة بين دول الخليج الأعضاء وأمكنها رغم ما مر على المنطقة من محن ومخاطر من تجاوز العقبات والمعوقات نحو المزيد من التلاحم وتحقيق أهداف المجلس على الصعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري وصار من الضرورة بما يشهده العالم من تغيرات متسارعة أن يضاعف المجلس من خطوات التكامل والتعاون بما يخدم أهدافه وشعوبه.

وأشارت الدراسة إلى أن رؤية الشيخ مكتوم رحمه الله لمجلس التعاون الخليجي ودوره في تعزيز بنيانه قد انطلقت من أسس واقعية تدرك تمام الإدراك مكانة المنطقة الاستراتيجية والتاريخية والدور الذي ينبغي أن تضطلع به دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي لخدمة الاستقرار والسلام العالميين وأن تعاظم الدور السياسي والاقتصادي لدول مجلس التعاون يلقي على عاتقها مسؤولية أكبر في صيانة السلام العالمي وأن رسالة مجلس التعاون الخليجي يجب أن تحمل في طياتها كل معاني التفاهم والتعايش السلمي والتواصل الإنساني والحضاري بين الشعوب ودعم برامج المساعدات الإنسانية وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في الدول المحتاجة.

وأبدى المغفور له عناية فائقة بقضايا أمته العربية والإسلامية وفي طليعتها القضية الفلسطينية وساهم في تعزيز أواصر التعاون بين الدول العربية والإسلامية وبذل جهوده المخلصة لدعم التنمية في الدول العربية والإسلامية الفقيرة.

* تمتين العلاقات الخارجية

كما ساهم رحمه الله في تمتين العلاقات الخارجية للدولة ومتابعة تطورات القضايا المطروحة على الساحة العالمية وتحقيق أعلى مستوى ممكن من التعاون والتنسيق بين الدول المختلفة ومن هذا المنطلق جاءت زياراته إلى العديد من دول العالم للتباحث وتبادل الرأي مع زعماء وقادة تلك الدول حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وامتدت أيادي المغفور له الخيرة وعطاؤه الرحيم لقضايا الإنسانية جمعاء في بقاع العالم وعمل على تعميق التفاعل الإيجابي لدولة الإمارات في محيطها الدولي وتعاطيها الإنساني مع قضاياه.

وكان المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم يرى أن دولة الإمارات أصبحت تتبوأ مكانة مرموقة في الساحة الدولية يعلو شأنها عاما بعد عام وذلك بفضل السياسة الخارجية المتوازنة والفاعلة التي تنتهجها والتي تتميز باحترام المواثيق والقواعد والقوانين الإقليمية والدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وحسن الجوار والانفتاح على العالم من أجل تدعيم السلم والاستقرار والأمن في شتى أرجاء الكرة الأرضية.

وفي موازاة ذلك فقد كانت لديه رحمه الله قناعة أكد عليها بقوله إن العالم اليوم يستعد لخوض غمار القرن الحادي والعشرين وهو أكثر انفتاحا وتواصلا وقد سبقت دولتنا الكثير من الدول فتعاملت مع تكنولوجيا العصر بفهم وعقلانية وأصبح لدينا اقتصاد قوي متين ونهضة اجتماعية وثقافية لا تتعامل مع التعصب ومن هنا أصبحت دولتنا قبلة العالم يتطلع إليها الزائر والناظر والمراقب بعين الإعجاب والانبهار فما تحقق خلال السنوات القليلة الماضية جعل المراقبين يعتبرون الإمارات من الدول المتكاملة بعد أن نهضت بصورة شاملة في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتبوأت مكانة مرموقة على الصعيد الدولي أهلتها لتكون عضوا بارزا ومؤثرا في كثير من القرارات الدولية. (وام)

Email