يعتبرها المواطنون مهنة «بائع» ويخشون نظرة المجتمع

لماذا الهروب الكبير من دراسة الصيدلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد الإمارات تطورا ملحوظا في زيادة نسب التوطين بتعيين الخريجين في مختلف الهيئات والمؤسسات،إلا أن مهنة الصيدلة تبقى محاطة بعلامة استفهام من جراء قلة إقبال الإماراتيين على دراسة المهنة وينعدم وجود الشباب في كليات الدولة الأربع التي تدرس الصيدلة «جامعتا الشارقة وعجمان وتقنية دبي للطالبات وكلية دبي للصيدلة» حيث تبلغ نسبتهم صفر بالمئة باستثناء عدد قليل من الطالبات المواطنات اتجهن إلى دراستها لشعورهن بأهمية وجود الفتاة في قطاعات العمل كافة.

وأشارت بعض الآراء إلى تدني نظرة المجتمع لوظيفة الصيدلي ويعزف عدد كبير من الطلاب عن دراستها على اعتبار ان الطبيب في الصيدلية «بائع» للادوية متجاهلين دوره كطبيب يتسبب من يؤدي عنه تلك المهمة الخطيرة في الكثير من المشاكل الصحية والاخطاء الطبية على الرغم ان صناعة الدواء ثاني اكبر صناعة بعد السلاح في العالم.

كما ان الثقافة السائدة لدى البعض لا تدعه يسمح لابنته ان تجلس في صيدلية ولو كانت ملكاً لتعمل في صناعة وتجارة الدواء، وارجع بعضهم سبب عدم رغبتهم في الدراسة إلى صعوبة المناهج التي تتطلب اتقان تام للغة الانجليزية وتحتاج إلى عدد كبير من ساعات الدراسة والمتابعة المستمرة في الكلية، كما انها مكلفة جدا عند دراستها في الجامعات الخاصة.

وأوضح الدكتور صبحي سعيد عميد كلية الصيدلة في دبي أن نسبة الفتيات الإماراتيات في الكلية تصل من 15 إلى 30% وهو إقبال ملحوظ مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية، حيث تجد الطالبة أن دراسة الصيدلة تتوافق مع ميولها وطبيعتها، إلا أن الطلاب يبتعدون عن هذه الدراسة ربما لصعوبة المنهاج الذي يتطلب اللغة الانجليزية الكاملة في حين أن أغلبية خريجي الثانوية العامة تنحصر دراستهم باللغة العربية الأمر الذي يبث بداخله الرهبة والخوف من الإقبال على الدراسة.

إلى جانب المعتقدات الخاطئة حول طبيعة عمل الصيدلي داخل الصيدلية وأنه مجرد بائع في حين أن الصيدلي يعتبر المسؤول الذي يتمكن من صرف الدواء للمريض دون الاستعانة بالطبيب في بعض الحالات كما تعد صناعة الدواء ثاني أكبر صناعة في العالم بعد صناعة السلاح.

كما أن الدواء يمثل ثالث وسيلة للدخل، مشيرا إلى أن الصيدلي أصبح له دور كبير في الرعاية الصحية حيث يقاس على المستوى العالمي مدى تطور الأمم بتطور الرعاية الصحية سواء من قبل الطبيب أو الصيدلي أو بعدد المستشفيات مقارنة بعدد السكان وإذا وضعنا هذا المقياس على الدولة فإنها تعد رفيعة المستوى لكن بطريقة غير مباشرة وذلك لأن نسبة الصيادلة من أبناء الدولة قليلة جدا مقارنة بالأغلبية.

وقال الدكتور صبحي سعيد ان الصيدليات في الدولة تخلو من وجود أبناء الدولة فيها والى الآن وصل عدد الصيادلة الذين يعملون في مصانع الأدوية حوالي اثنين، إضافة إلى غياب الصيادلة الذين يعملون في الإعلام التربوي ويشكلون نسبة صفر% حيث يعد هذا المجال هاماً حيث يعطي صورة علمية كاملة عن الدواء للطبيب والصيدلي من خلال المستشفيات والعيادات والمؤتمرات الطبية ، إلا أن الجانب المشرق الذي يجده عميد كلية الصيدلة هو وجود عناصر من طالبات الكلية الخريجات يعملن في وظائف حساسة في الدولة ونجحوا علميا وإداريا.

وأشار إلى أن دراسة الصيدلة من الدراسات العلمية والإدارية على مستوى العالم وأن نسبة الإناث أكبر من نسبة الذكور كونها من المهن الحساسة التي تتطلب الصبر والجلد وأن أغلبية العاملين في مصانع الأدوية في العالم من السيدات.

ووضع الدكتور صبحي سعيد بعض الحلول أهمها زيادة عدد الكليات خاصة أن التوزيع الجغرافي لكليات الصيدلة في الدولة خاطئ وتتركز في مناطق قريبة حيث أن أغلبية الأسر ترفض إرسال بناتها إلى إمارة أخرى للدراسة والابتعاد عن أهلها، إلى جانب التقليل من تكاليف دراسة الصيدلة من أجل تحفيز الطلبة على دراستها ومراعاة ظروف الأهالي.

وعلى الدولة أن تزيد من تقديم المنح الدراسية إلى أبنائها وتحفيزهم على دراسة الصيدلية وضرورة تواجدهم في الصيدليات لأنهم يشكلون الواجهة السليمة أمام الآخرين إلى جانب حاجة وزارة الصحة والدوائر والجهات الحكومية إلى الصيادلة ،مشيرا كذلك إلى المهام التي نحتاجها من وسائل الإعلام من خلال إلقائها الضوء على أهمية الصيدلي في الدولة وأهمية صناعة الدواء وخاصة أن الدولة مقبلة على التطوير في كل الصناعات وربما تكون في المستقبل مركزية في صناعة الدواء.

* بائع في بقالة

ويرجع الدكتور سمير بلوخ عميد كلية الصيدلة في جامعة عجمان أسباب عزوف أبناء الدولة عن دراسة الصيدلة إلى سببين أولهما الثقافة العامة للدولة بأن تعمل الفتاة في إطار بيئة محددة ورفض الأهالي السماح لبناتهم من الجلوس في صيدلية ومواجهة الجمهور بشكل مباشر فضلا عن النظرة السلبية الخاطئة من عمل الصيدلي الذي يطلق عليه «بياع» وخاصة عند الشباب الذين يجدون أن عمل الصيدلي فيه تقليل من مستواهم وشأنهم.

وأشار عميد كلية الصيدلة في جامعة عجمان إلى نسبة الطالبات الإماراتيات الضعيفة في الكلية حيث يصل عددهم إلى 5% فقط في حين نسبة الطلاب صفر%.

وبين الدكتور بلوخ بأن ظاهرة عزوف الطلبة المواطنين عن دراسة الصيدلة لابد لها من إيجاد حل سليم من خلال تغيير نظرة الأهالي من أهمية الدراسة التي لها خدمة شاملة للمجتمع وللإنسانية كاملة وأن مهنة الصيدلة ليست مجرد بيع الدواء بل العملية قائمة على أسس ونظريات علمية تطبيقية رفيعة المستوى.

كما أن الصيدلي يعتبر جزءاً مهماً في الفريق الطبي المتعلق بالعناية الصحية بالفرد وهو الأول الذي يتم استشارته من قبل الأشخاص قبل استشارة الطبيب وهو قادر على تقديم النصائح للمريض ويمتلك دراية كاملة بالأمور ويتمكن من إعطاء وصفة طبية دون أن يخاطر بحياة الأشخاص كونه مكتسب ذلك علميا وأكاديميا.

وأضاف من الضروري وجود كليات الصيدلة على نطاق أوسع في الدولة ولا تقتصر جغرافيا على مناطق قريبة من بعضها ليتمكن مختلف الطلبة المتميزين من الالتحاق فيها نظرا لأن دراسة الصيدلة ليس سهلة بل تتطلب الوعي الكامل في مادة الرياضيات والكيمياء.

* دورات توعية

ومن الكليات الجديدة التي لا تزال في بداية سنواتها الدراسية الأولى في مجال الصيدلة هي جامعة الشارقة التي انتهجت في مساقاتها رؤية أعرق جامعة في أستراليا حيث لايزال عدد الطلبة الإماراتيين قليلاً جدا مقارنة بغيرهم من الطلبة إلا أن زينب خليل عميدة الكلية أكدت أن دراسة الصيدلة خلال السنوات الخمس المقبلة ستشهد إقبالا كبيرا من قبل الطلبة وخاصة الإماراتيين لما تنتهجه الكلية في دراساتها ومساقاتها أفضل المناهج من أعرق جامعة للصيدلة في أستراليا إضافة إلى التطور الكبير في الوسائل التعليمية العالية المستوى.

وأشارت عميدة كلية الصيدلة في جامعة الشارقة إلى ان عدد الطلبة المواطنين اثنان فقط و10 طالبات، موضحة أن السبب الرئيسي في الوقت الحالي وراء عزوف أبناء الدولة عن الالتحاق بدراسة الصيدلة عائد من النظرة الخاطئة التي وضعت لهذه المهنة بأن العاملين فيها مجرد بائعين للأدوية.

فيما أن المجتمع لم يدرك حجم الصعوبة الذي يتلقاها طالب الصيدلة خلال دراسته النظرية والتطبيقية للوصول إلى العمل فالصيدلي مهمته الأساسية معرفة التفاعلات الكيميائية للدواء ومدى خطورة تناول كميات مختلفة مع بعضها البعض والتواصل مع الطبيب لإعلامه بمدى خطورة الأدوية المتنوعة على صحة المريض كما أن خريجي الصيدلة بإمكانهم العمل ليس فقط في الصيدليات بل في مختلف الشركات الكبرى لعمل أبحاث دقيقة عن الدواء واكتشافه كما أن الصيدلي قادر على إعطاء المريض الوصفة الصحيحة للدواء دون الرجوع إلى الطبيب.

مشيرة إلى أن الاكتشافات العلمية للأدوية الحديثة معظمها من قبل أطباء صيادلة الذين يكتشفونها بطريقة سليمة وغير مضرة إضافة إلى قدرتهم على اكتشاف طرق حديثة لتناول الدواء.

وأوضحت الدكتورة زينب خليل أن كلية الصيدلة في جامعة الشارقة خلال الفصل الدراسي المقبل ستعمل جاهدة على نشر التوعية والفائدة لطلبة الثانوية العامة لإيصال رسالة الصيدلة والدور الهام المتعلق بالصيدلي ومدى أهمية وجود العنصر الإماراتي في هذه المهنة والتي من خلالهم سيثبتون بأن دولتهم تمتلك نخبة من الصيادلة القادرين على الاكتشاف العلمي بصورة دقيقة وصحيحة.

مشيرة كذلك إلى أنه سيتم خلال السنة الدراسية المقبلة تنظيم جلسات علمية تعنى بالصيادلة القدامى من أجل نقل المستجدات العلمية حول المهنة من أجل الارتقاء بهم فضلا على أننا بصدد عمل دراسات لهم لنيل الدبلوم في مواضيع معينة تعتبر مهمة في المجتمع الإماراتي كموضوع عن الشيخوخة وأمراض السكر وأدوية القلب والتفاعلات الدوائية كما أن ذلك سيساعدهم على تحضير رسالة الماجستير.

استطلاع ـ منال خالد:

Email