العيد الحقيقي

العيد الحقيقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الفرحة لا تتحقق إلا بالسعادة التامة التي تغمرها، وتحيط بها من جميع الجوانب الراحة والسكون النفسي بعيدا عن الاضطرابات سواء أكانت معنوية أو مادية، وفرحة العيد الحقيقي لا تكون في نفوس المسلمين إلا بان يشعر كل واحد منهم بإخوانه في شتى بقاع الأرض بحيث يشاركهم في البأساء والضراء في كل زمان ومكان ومناسبة العيد السعيد تتجدد كل عام إنها مناسبة عظيمة في نفوس المسلمين جميعا فيحقد على تآلفهم واجتماعهم سائر الملل الأخرى ويتمثل العيد الحقيقي في عدة أشياء نذكر بعضها على سبيل الإيضاح لا الحصر فنقول:

أولاً: مشاركة الآخرين في الأحزان والأفراح: إن هذه المشاركة تتمثل في الشعور الذاتي للمسلم تجاه إخوانه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويفرح بحيث يحزن لأحزانهم ويفرح لأفراحهم فنكون كقلب رجل واحد يتأثر بما يصيب الجسم من أذى ولو كان بسيطا فيكون المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم ( ت 261هـ) عن طريق النعمان بن بشير (ت 65هـ).

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد. إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وما أكثر جراح المسلمين في هذا العصر فأحزانهم أكثر من أفراحهم خصوصا في الأماكن التي يسيطر عليها أعداء الأمة فلابد لنا إذن من مشاركة هؤلاء الجرحاء ولو بالدعاء الصادق لعل الله تعالى أن يجعل لهم من كل هم فرجا لتتحقق لنا فرحة العيد السعيد، ويكون عيداً حقيقيا لأمة الإسلام.

ثانياً: تقديم الدعم المعنوي والمادي للمسلمين: هذا الدعم المعنوي يحتاج إليه عامة المسلمين خصوصا العامة منهم فالفقر ضارب بجذوره في الدول الإسلامية في مختلف أقطارها ويتمثل هذا الدعم في الأشياء المادية وهي الجانب الأهم والأكثر فعالية لتحقيق فرحة العيد، بحيث يحس المسلم ويتفكر في حاجة إخوانه الضعفاء والمساكين وكل من يستحق مد يد العون له يسعى لتحقيق مطالبهم وان لم يملك شيئا عن طريق طلب المعونة له فلعله تكون له كلمة عند الأغنياء فيسدوا جميلهم إلى إخوانهم الفقراء.

وأما بالنسبة للدعم المادي فيقدم كل غني ومستور الحال بعضاً من أموالهم الفائضة عن حاجتهم ليشاركوا إخوانهم المسلمين في أفراحهم لاسيما فريضة الزكاة الواجبة على الأغنياء والصدقة التي لها معنى عميقا في نفوس المتصدق لهم فبهذا الدعم تسمو معاني العيد الحقيقي فيكون أفراد المجتمع تحت مظلة الإخوة والألفة والمحبة يشارك الطفل الغني أخاه الفقير والرجل الفقير يشعر بالسعادة وراحة البال مع الرجل الغني وهذه من أهداف العيد الحقيقي الذي كان عليه الصحابة وكل من استن بهديهم إلى يوم الدين.

ثالثا: الاقتصاد في النعم المسداة إلينا: هذه النعم كثيرة منها الأطعمة والأشربة والأكسية بمختلف أنواعها فكثير من المسلمين يعد العدة لاستقبال العيد ففي العيد تتضاعف النفقات على شراء مستلزماته غير مبالين بالإسراف وحس الاقتصاد في كل شيء فلكي يتحقق العيد الحقيقي ويشعر به جميع المسلمين لا بد من مراعاة هذه النعم والعمل الجاد على الاقتصاد وتوفير الفائض للمستقبل وإرسال المعونات للمحتاجين إن تيسر ذلك فهناك كثير من المسلمين بحاجة إلى لقمة العيش والى الكساء واللباس الحلال اللازم لستر عوراتهم فمن باب أولى أن يقدم الفائض من النعم لهم من قبل إخوانهم ولا يصيرون عالة على أعدائهم يصرفونهم كيفما شاءوا وأرادوا.

رابعاً: إشاعة المودة والمحبة بين المسلمين: إشهار هذه الخاصية لأتباع أمة اقرأ لا ريب أنها تجسد معاني العيد الحقيقي عند المسلمين ويشعر الناس ومن حولهم بلذة هذا العيد، الفقير والغني معا العربي والأعجمي جنباً إلى جنب، الأبيض والأسود أحبة لأنه لا فرق بينهم إلا بالتقوى وهي المعيار والميزان الحقيقي لتفاضل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13.

وما أروع أن يتصافح جميع المصلين بعد أداء صلاة العيد يسلم كل واحد منهم على أخيه المسلم والاجتماع في أماكن التجمع الذي يشتهر عند الجماعة المسلمة والسعي أيضا إلى وحدة وترابط صفوف المجتمع لا تفككه كل ذلك من مظاهر العيد السعيد وحسبنا من النداء الإلهي الذي يحث على الاعتصام والسعي إلى تحقيق الوحدة ونبذ الفرقة والتحذير مما كنا عليه أي ثقافة الصحراء (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَيَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران/103، ومواريث المجتمعات الإسلامية كثيرة وعادات جميلة في إشاعة روح المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع لا سيما المجتمع الريفي وسائر المجتمعات الأخرى فإذا أردنا أن نحقق المعنى الحقيقي للعيد علينا أن نسلك الطرق الحثيثة التي سردنا بعض نقاطها المهمة لكل مسلم ومسلمة هذا والله ولي التوفيق والسداد.

إبراهيم بن حبيب الكروان السعدي

Email