قائمة الأسعار الجديدة تكشف التخفيضات الوهمية على الأدوية

قائمة الأسعار الجديدة تكشف التخفيضات الوهمية على الأدوية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من يطالع القائمة الجديدة لأسعار الأدوية المخفضة التي طبقتها وزارة الصحة اعتبارا من منتصف شهر سبتمبر الماضي بنسبة 11%. وألزمت الصيدليات الخاصة العاملة بالدولة بتنفيذها، سوف يجد ان ثلث الأدوية تقريبا لم تخضع لأي تخفيض (حوالي 2000 دواء).

والثلث الثاني لم يخفض لأكثر من 50 ـ 2.5 درهم والجزء الأكبر من الثلث الأخير لم يخفض لأكثر من عشرة دراهم، بل هناك بعض الأدوية (الأوروبية) زيد في أسعارها حوالي (236 دواء) والسبب لعبة اليورو والدولار، وخسائر الوكلاء كما يؤكد مسؤولو وزارة الصحة!!فهل هذا يعني ان التخفيض الأخير الذي اعتمدته وزارة الصحة للأدوية ووعدت وكلاء الأدوية بأن يكون التخفيض الأخير تخفيضا وهميا، ولماذا استثنت الوزارة أدوية بعض الوكلاء من التخفيض .

وأخضعت أدوية البعض الآخر للتخفيض على الرغم من ان بلد المنشأ واحد، والسؤال الأهم هل تعتبر أسعار الأدوية بعد التخفيضات المتعاقبة مناسبة لذوي الدخل المحدود والمتوسط.

بداية.. وقبل الإجابة على تلك التساؤلات يجب ان نضع في الاعتبار ان ارتفاع سعر اليورو وهبوط وصعود وتذبذب بعض العملات الرئيسية الأخرى مقابل الدرهم أثرت على عملية الاستيراد بصورة عامة وعلى عملية استيراد الأدوية بخاصة وقللت بعض الشيء من المكاسب الكبيرة التي كان يجنيها وكلاء الأدوية وأصحاب الصيدليات.

وخلال السنوات الأخيرة ظل بعض الوكلاء وأصحاب الصيدليات الخاصة يضغطون على وزارة الصحة للإبقاء على أسعار الأدوية كما هي واستمرار مكاسبهم الكبيرة حوالي (77%) من سعر الدواء على حساب المرضى.

وكانت حجتهم في ذلك ارتفاع إيجارات المستودعات والصيدليات داخل الدولة وارتفاع أسعار الشحن والكهرباء ورواتب الصيادلة.. الخ. ولكن هذه الحجة تفندها طلبات الحصول على تراخيص لصيدليات جديدة تنهال على الوزارة يوميا حتى ارتفع عدد الصيدليات إلى أكثر من 928 صيدلية حسب إحصائية عام 2003 على مستوى دولة الإمارات.

ومع الضغط الإعلامي وزيادة الوعي الشعبي بضرورة تخفيض الأسعار بادرت وزارة الصحة بإجراء التخفيض الأول على أسعار الأدوية بنسبة 23% وأصبح ربح الوكيل والصيدلية من سعر الدواء حوالي 55% بدلا من 77%، وذلك بموجب قرار صدر من معالي وزير الصحة في 23 مارس 2004 وتم تنفيذه في 15 يونيو 2004.

وفي 15 سبتمبر الماضي عاودت الوزارة الكرة لتقوم بإجراء تخفيض آخر بنسبة 11% على حساب ربح الوكيل والصيدلية (من 55 ـ 44%) وأكد المسؤولون ان هذا التخفيض هو الأخير وان الأسعار الآن أصبحت مناسبة لذوي الدخل المحدود وتقاربت مع الأسعار التي تباع بها الأدوية في معظم دول مجلس التعاون الخليجي.

ولكن هل من أحد استشعر هذا التخفيض عندما ذهب إلى الصيدلية لشراء أدوية، وهل أصبح مريض السكر والضغط والقلب أو من يعانون من أمراض مزمنة تتطلب أدوية بصورة يومية أو أسبوعية أو شهرية يحسون بالفارق؟! في الحقيقة.. الإجابة على هذا السؤال بالنفي..

حتى بعد التخفيض الأخير، وهذه الإجابة تلقيناها من كثير من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ويترددون على الصيدليات بصفة مستمرة، كما تلقيناها من قائمة الأسعار الجديدة للأدوية والتي اعتمدتها الوزارة مؤخرا.

قائمة الأسعار الجديدة

تضم قائمة الأسعار الجديدة للأدوية التي تباع في الدولة حوالي 6 آلاف دواء بتصنيفات وتركيزات وعبوات مختلفة تعود إلى اقل من هذا العدد بكثير إذا ما تم تصنيفها حسب الاسم التجاري للدواء.

وهذه الأدوية يتم استيراد بعضها من الدول الأوروبية وخصوصا من ألمانيا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا والبعض الآخر يستورد من الولايات المتحدة الأميركية وكندا واستراليا والهند ومن الدول العربية والخليجية بجانب الصناعة المحلية.

من يطالع القائمة يجد ان أكثر من ألفي دواء لم تخضع للتخفيض الجديد والحجة في ذلك أن الوكلاء يستوردونها من الدول الأوروبية أي يتم استيرادها »باليورو« المرتفع نسبيا .

وليس هذا فحسب بل رفعت الوزارة أسعار حوالي 236 دواء وغالبيتها من الأدوية المهمة منها دواء يسمى (ساندو ستاتين ك. أ. ر) 30 مليغرام كان يباع قبل 15 سبتمبر الماضي بسعر 10 آلاف و307 دراهم وأصبح يباع الآن بسعر 10 آلاف و321 درهماً (بعد التخفيض) ودواء آخر يسمى (ماي فورتيك) 20 مليغرام كان يباع بسعر 1699 درهماً.

وأصبح يباع بسعر 1702 درهم، ودواء آخر لشركة (نوفو نورديش) الدنماركية كان يباع بسعر 18 ألفاً و537 درهماً وبعد ان طاله (تخفيض) وزارة الصحة أصبح يباع بسعر 18 ألفاً و595.50 درهماً. والأمثلة كثيرة.

إلى هنا يكاد الأمر ان يكون عادياً .. لأن هذه الأدوية يتم استيرادها من دول أوروبية تتعامل باليورو وقد تكون تسببت في خسارة الوكلاء. ولكن الأمر غير الطبيعي هو ان الوزارة تعمدت عدم إخضاع أدوية بعض الوكلاء (المدللين) لديها للتخفيض بل.

وفي بعض الأحيان تعمدت زيادة أسعار بعض أدويتهم في الوقت الذي لم تخضع الأدوية التي تستورد عن طريق وكلاء آخرين بالدولة للتخفيض ومن بلد المنشأ ذاته وهذا يقودنا إلى تساؤل مفاده.

هل قامت وزارة بمجاملة بعض الوكلاء على حساب المرضى. فلم تقم بإجراء التخفيض الأخير على أدويتهم، بل قامت برفع أسعار العديد من تلك الأدوية التي يتم استيرادها عن طريق هؤلاء الوكلاء (المدللين) لدى وزارة الصحة.

وللإجابة على هذا. من الضرورة بمكان ان نتصفح قائمة الأسعار الجديدة للأدوية ونقرأ فيها: ان أدوية احد الوكلاء التي يتم استيرادها من فرنسا وعددها 10 أدوية خضعت جميعها للتخفيض بينما لم يمس التخفيض 14 دواء يستوردها وكيل آخر و من بلد المنشأ ذاته (فرنسا).

وتقرأ أيضا ان احد الوكلاء يستورد من ألمانيا 16 دواء تم تطبيق التخفيض على جميعها ولم يطبق هذا التخفيض على 13 دواء يتم استيراده من قبل احد الوكلاء من نفس بلد المنشأ (ألمانيا) والأمثلة كثيرة.

أما فيما يتعلق بالأسعار التي تم زيادتها لبعض الأدوية القادمة من سويسرا وألمانيا والدنمارك والبعض الأخر مجهول الهوية فلا تزال مبهمة وغير مفهومة أو واضحة.

عجائب الأرقام

من يحالفه الحظ ويتصفح قائمة الأسعار الجديدة المخفضة لوزارة الصحة يستطيع من خلال الأرقام الواردة فيها ان يكون فكرة عامة عن مكاسب وكلاء الأدوية السابقة قبل قرارات التخفيض وبعدها، كما يستطيع ان يقارن بين أسعار الأدوية عند وصولها الميناء .

وعندما تباع للصيدليات إلي ان تصل إلى الجمهور، ولنضرب بعض الأمثلة على تلك الأسعار احد الأدوية يسمى (ساندوستان) 10 مليغرام يتم استيراده بسعر 2062 درهماً.

وعندما يصل إلى الصيدلية يباع بسعر 6649 وتقوم الصيدلية ببيعه للجمهور بسعر 8247 درهماً وبعد التخفيض أصبح يباع بسعر 8257 درهماً، أي زاد عشرة دراهم.

وهناك دواء يسمى (جيلفك) 10 مليغرام يتم استيراده بسعر 3500 درهم ويباع للصيدليات بسعر 11287 درهماً وكانت الصيدلية تبيعه للجمهور بالسعر القديم (قبل التخفيض) بـ 13996 درهماً وبعد التخفيض أصبح يباع بسعر 14015 درهماً.. والأمثلة كثيرة.

تحت المجهر

أجرت الهيئة العامة للخدمات الصحية لإمارة أبوظبي دراسة حول أسعار الأدوية في أبوظبي، وخلصت هذه الدراسة إلى ان أسعار الأدوية في القطاع الخاص مرتفعة جدا وفوق مستوى القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود، وان أدوية الشركات المبتكرة تزيد بـ 16 صنفا عن الأسعار المرجعية الدولية للأدوية المماثلة.

كما أكدت تلك الدراسة ان معظم الأدوية التي هي في متناول المستهلكين ويقل سعرها عن 50 درهماً هي الأدوية الأقل استخداما في وصفات الأطباء والأقل شيوعا عند المستهلكين اما لعدم توافرها في الصيدليات أو لعدم تسويقها من قبل الصيدلي أو الشركات وذلك لقلة هامش الربح فيها.

وأن أسعار الأدوية التي تعالج الأمراض المزمنة الأكثر شيوعا كالسكري والضغط والربو والكوليسترول وسلس البول تعتبر مرتفعة بالنسبة للمستهلك من ذوي الدخل المحدود، وهي الأدوية التي تنتج بواسطة الشركات المبتكرة لها وتحظى بتسويق عال وهي الأكثر شيوعا في وصفات الأطباء.

وتضرب الدراسة مثلا بمريض يعاني من السكري والضغط وتضخم البروستاتا فهذا المريض يحتاج إلى دواء (افانديا) لعلاج السكري بسعر 200 درهم شهريا ويحتاج دواء (نورفاسك) لعلاج الضغط بسعر 120 درهم شهريا.

كما يحتاج لدواء (اومنيك) لعلاج تضخم البروستاتا بسعر 155 درهماً شهريا أي بمجموع 475 درهماً شهريا وهو ما يعادل 28.5 يوم من الراتب الشهري لعامل غير مؤهل!!

ولدى مقارنة أسعار الأدوية المبتكرة في الولايات المتحدة وفي إمارة أبوظبي وكذلك الأصناف المكافئة المماثلة الأخرى، عند مقارنة هذه الأسعار لدواء رافيدين 150 مليغرام وجد ان سعر الدواء المسجل للشركة المبتكرة له في أميركا يساوي ضعف الدواء المسجل للشركة في إمارة أبوظبي.

وفي الجانب الآخر تتراوح أسعار الأدوية المكافئة والمماثلة في أبوظبي بين 3 ـ 7 أضعاف سعر الأدوية المكافئة المماثلة في الولايات المتحدة الأميركية.

وأوصت الدراسة بضرورة توفر الأدوية في القطاع العام الذي يحتاج إلى تحسين نسبي كي لا يضطر المستهلك للجوء إلى القطاع الخاص الذي يتسم بارتفاع في أسعاره وان تقوم الحكومة بخفض عبء الرسوم والعلاوات المفروضة في القطاع الخاص.

بحيث يتم تخفيض سعر وصول الميناء بنسبة 7% ومراجعة أسعار الدواء سنويا وتخفيض أسعار الأدوية (Cif)، بنسبة 1% لكل سنة مضت على تسجيل الدواء في الدولة.

وكذلك خفض أدوية »الكاونتر« خاصة الفيتامينات بنسبة 50% من السعر الحالي.

كما أوصت بضرورة خصخصة مخازن الأدوية المركزية كموزع جملة للأدوية الأساسية للقطاع الخاص بصورة مستعجلة.

والعمل على ربط جميع الصيدليات الخاصة بنظام حاسب آلي مركزي لمراقبة صرف الأدوية المسجلة للشركات المبتكرة لها وضبطها. وأيضا الزام الأطباء بكتابة الوصفات الطبية بالأسماء العلمية وليس بأسماء الأدوية التجارية مع توفير خيار الدواء الأصلي.

الجمهور

في كل يوم تقريبا تنشر الصحف اليومية العديد من الحالات المرضية التي تحتاج إلى أدوية وعلاجات سعرها يفوق قدرتهم الشرائية بكثير.. وفي حقيقة الأمر ان هؤلاء المرضى الذين تمكنوا من عرض حالاتهم من خلال وسائل الإعلام هم قلة قليلة من الناس ويوجد غيرهم الآلاف الذين لا يستطيعون فعل ذلك ويجلسون في منازلهم ينتظرون الفرج.

لا يمكن ان ننسى ذلك الرجل النحيف صاحب الوجه الشاحب الذي جاء إلى مكتبنا قبل شهر يطلب المساعدة، وأخبرنا بأنه يعاني من ( تخثر الدم) ويحتاج إلى أدوية كل شهر بحوالي ألفي درهم يبقى على قيد الحياة وان راتبه لا يتعدى 1700 درهم نظرا لأنه يعمل براتب مقطوع في إحدى الوزارات.

إبراهيم عبد الله يعمل مدرساً في القطاع الخاص خرج من الصيدلية وعندما سألناه عن محتويات الكيس الذي يحمله قال: إنها أدوية دفع فيها حوالي 470 درهما بالتمام وانها تخص زوجته المريضة بأمراض مزمنة وانه اعتاد شراء هذه الأدوية منذ 5 سنوات، وعندما سألناه عن فارق السعر بين اليوم، والأمس أكد بأنه لم يلاحظ أي انخفاض في الأسعار.

نحن نتحدث عن أسعار الأدوية العادية التي تعالج الأمراض المعروفة ولكن إذا تعرضنا للمرضى الذين يعانون من أمراض السرطان بأنواعها وأشكالها المختلفة أو أمراض التهابات الكبد والكلى أو أدوية زراعة الأعضاء ..

وبعض الأدوية ذات التقنية البيولوجية فإن الحديث سيدور حول آلاف الدراهم التي يحتاجونها هؤلاء المرضى ويكفي ان نذكر ان أحد أدوية السرطان يفوق سعرها 19 ألف درهم. وان كورس التهاب الكبد يفوق 70 ألف درهم.

أبوظبي ـ مصطفى خليفة:

Email