المسرحية والتمثيلية، بقلم :د. عارف الشيخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 16 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 17 مايو 2003 المسرحية والتمثيلية كلمتان مرتبطتان عند الناس بالهزل واللهو في اغلب الاوقات، والحقيقة انهما ليستا كذلك. فلو عدنا الى اصلهما اللغوي لوجدنا ان كلمة المسرحية جاءت من مادة سرح يسرح سرحا وسروحا اي خرج بالغداة، وسرحت الماشية اي سلمت. اذن المادة عربية فصيحة، والمسرحية في وقتنا الحاضر تعني القصة التي تعد للتمثيل على المسرح، والمسرح هو المكان الذي تمثل عليه المسرحية. وكذلك فان كلمة التمثيلية هي من مادة مثل يمثل تمثيلا اي صور الشيء الفلاني لفلان بكتابة او غيرها كأنه ينظر اليه. ويقال الآن مثل المسرحية اي عرضها على المسرح عرضا يمثل الواقع ما امكن والتمثيلية هي مصدر صناعي ونعني بها ذلك العمل الفني المنثور او المنظوم الذي يقوم على قواعد خاصة، ليمثل حادثا حقيقيا، او متخيلا تعبيرا عن غرض. هكذا يقول علماء اللغة عن هاتين الكلمتين ولقد رأينا الناس اليوم استخدموها بكثرة لكن فهم المتابعين لها نابع من جانب معين وهو الجانب الترفيهي فقط، وقلما نجد من يعبر عن الحقيقة بكلم التمثيلية او المسرحية. نعم نسمع بأن الشرطة عندما القوا القبض على المجرم طلبوا منه ان يمثل لهم الدور الذي قام به عندما ارتكب الجريمة. ونسمع ايضا انهم يقولون فلان يعرض مسألة او مشكلة لكن ما عليكم منه، فما عرضه كان مجرد تمثيلية اراد منها ان يخدعكم، فاذا رأيتموه قد بكى مثلا فهو غير صادق واذا كان قد اظهر العبادة فهو غير عابد. هكذا نرى ان هذه الكلمة وهي التمثيلية استغلت للتعبير عن الاعمال غير الجادة اكثر، ولاسيما بعدما ظهر المسرح الحديث والسينما والتلفاز والمذياع فاننا نسمع دائما قولهم ما الذي خرب عيالنا غير هذه التمثيليات وهذه المسلسلات؟ او ليس للناس عمل في البيوت غير قضاء الوقت مع المسرحيات والتمثيليات. اقول ما يقوله الناس صحيح، لان هذا الفن العظيم ما استغل اليوم استغلالا جيدا، او ما استخدم في مكانه. فالعلم منه ما يبني، ومنه ما يهدم، والفن كذلك منه ما يبني ومنه ما يهدم. وبالمناسبة فان كلمة الفن هي الاخرى جعلت للتعبير عن شيء معين كالرقص والغناء، يقال مثلا الفنان فلان، ويريدون بذلك المغنى فلان. ويقولون ايضا الفنانة فلانة، ويقصدون بها الراقصة فلانة. لو رجعت الى معاجم اللغة لوجدت ان الفن هو مهارة يحكمها الذوق والموهبة، والفن هو التطبيق العملي للنظريات العلمية بالوسائل التي تحققها. وتقول المعاجم اللغوية بأن الفن يمكن ان يكتسب بالدراسة والمرانة، وقالت ايضا بأن الفن هو جملة القواعد الخاصة بحرفة او صناعة، والفن هو جملة الوسائل التي يستعملها الانسان لاثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال والتصوير والموسيقى والشعر. اذن الفن ليس محصورا في لون من ألوان العلوم والمعارف والآداب، بل كما قال بعض العلماء: من اراد ان يكون عالما فليطلب فنا واحدا، ومن اراد ان يكون اديبا فليتفنن لذلك يقولون بان الادب هو الاخذ من كل شيء بطرف. اعود فأقول اننا نظلم اصحاب المواهب والمهارات اذا اطلقنا كلمة الفنان على المغني والراقصة فقط. ونظلم الجوانب الحياتية ايضا اذا عرفنا المسرحية والتمثيلية بأنها تلك الادوار التي يؤديها الفنانون من المغنيين والمغنيات، والمهرجين والمهرجات فقط، في حين ان الكلمة من حيث اللغة تستوعب امور الحياة كلها، من سياسة واقتصاد ورياضة وادب وعلم واجتماع وصحة وغيرها. ثم اذا عرفنا بان المسرحية نسبة الى المسرح وهو المكان، والتمثيلية نسبة الى اشخاص فانه يجب ان نعلم بأن الاشخاص بامكانهم ان يؤدوا كل الادوار، والمكان الذي يعرض عليه الهزل يمكن ان يعرض عليه الجد ايضا، او لكل منهما مسرح وفق ما يتطلب الموقف. والمسرحيات وان كانت يونانية المنشأ والمربأ فانها ظهرت لها بوادر في الاوساط العربية قديما مثل ملحمة ابي زيد الهلالي وعنترة بن شداد وغيرهما. والمسرح العربي الحديث تنسب بداياته الى مارون النقاش، حيث يبدأ عام 1847 بمسرحية البخيل. على كل فانني لا يهمني متى بدأ فن المسرح قدر ما يهمني ان اعرف ماذا استفاد العرب من هذا الفن العظيم؟ هل يا ترى وقف دور المسرح والمسرحيين عند تقديم بعض التمثيليات الساخرة التي تهدف الى تفجير قاعة المسرح بالضحك والتصفيق؟ ان المسرحية او التمثيلية وسيلة للاقناع والتعليم والتثقيف، اذن لماذا لا تتخذ وزارة التربية والتعليم من المسرحيات والتمثيليات وسيلة لتوصيل العلوم والمعارف والمهارات الى ابناء المجتمع؟ لماذا يستخدم المسرح الموجود في المدرسة لاقامة الحفلات في المناسبات فقط؟ لماذا لا يكون المسرح فصلا من الفصول الدراسية يتعلم فيه الطلاب المناهج الدراسية؟ لما لا تحول وحدات الكتب المدرسية الى فصول ولوحات ليؤديها الطلبة عمليا وتطبيقا لمضمونها على المسرح؟ لماذا يتعوذ الناس بمجرد انهم يسمعون كلمة المسرحية او التمثيلية؟ ألا يعني هذا اننا حولنا الجد الى لهو، واننا لا نعرف كيف نستثمر الطاقات والمواهب الموجودة في ابنائنا وبناتنا؟ بل أكثر من ذلك فإنني أدعو وزارة الصحة ووزارة الاوقاف والشئون الاسلامية وغيرهما ايضا الى توصيل المعارف والمهارات الصحية والدينية وغيرهما الى المجتمع من خلال العروض المسرحية. ان واقعنا اليوم لا يشجع على الاستمرار في الدراسات النظرية كثيراً، لان العالم تعودوا على أن يشاهدوا اكثر من ان يقرأوا. اذا كان كذلك فإن على وزارة الاعلام ان تسخر كل اجهزتها المرئية والمسموعة للعرض والنقل، وتقوم المؤسسات الاخرى باعداد المواد العلمية المطلوبة، وتدريب الكوادر البشرية من اصحاب المواهب والابداعات ليمثلوا تلك الحقائق أو ليقربوا تلك المعاني الى اذهان الناس من خلال تمثيل لواقع حيّ، يرونه بأعينهم على المسرح، لا أن يقرأوه في الكتب. والواقع ان الحياة بأكملها مسرح لمن يريد ان يتعلم، والناس كلهم ممثلون مسرحيون لو ارادوا ان يقوموا بدور فعال في بناء المجتمع، فلماذا اذن لا نسخر طاقاتنا ومواهبنا لتفعيل دورنا في الحياة؟ من هنا فإنني اتمنى أن ارى الطبيب فنانا، والفقيه فنانا، وخطيب الجمعة فنانا، وامام المسجد فنانا والمؤذن فنانا، والمعلم فنانا والموجه فنانا. أتدرون ماذا اقصد بكلمة فنان بالنسبة لهؤلاء؟ اقصد بذلك ان كلا من هؤلاء يجب ان يتدرب على ما يريد ان يوصله للناس قبل ان يعرضه على الناس، مثل ما يفعل المغني والراقص. ثم علينا ان نتفق على اعداده وتدريبه مثل ما نتفق على المغني والراقص. ثم بعد ذلك لا يكفي ان يحفظ النصوص أو يحمل الشهادات، بل يجب ان يكون قادراً في الواقع على افهام الناس واقناعهم ولن يكون كذلك اذا لم يكن قادراً على العرض المسرحي لكل ما يدعي فهمه أليس كذلك؟؟

Email