حين تقدم المدارس العلم والمعرفة فانها بذلك تصنع التاريخ الذي تنسجه شخصيات كانت ذات يوم فوق مقاعد الدراسة كي تتسلح لمعركة الحياة بعلوم العصر وفنون البشرية. وكالأفراد وحركتهم المعروفة في الازمان والعصور فان للمدارس ايضا دورها فيما تصنعه ـ رغم ثباتها الظاهري ـ في محيطها اذ تلعب دورا مؤثرا فيما وفيمن حولها يجعلها هي الاخرى صاحبة تاريخ لا ينفصل مطلقا عن تاريخ وحركة مجتمعها. حول المدارس ذات التاريخ والاثر والمكانة والدور نلتقي لنطالع تلك الملفات القديمة لـ «مدارس لها تاريخ». لم يعرف التعليم بشكله النظامي في امارة أبوظبي، الا بحلول عام 1958، عندما افتتحت المدرسة الفلاحية للبنين للمرة الاولى قبل ان تغلق لفترة حتى اعيد افتتاحها في اكتوبر عام 1960 الى جانب مدرسة اخرى هي مدرسة البطين. والثابت انه ولغاية عام 1960 لم يكن هناك جهاز للاشراف على الشئون التربوية والتعليمية، وقد مرت مراحل التعليم عبر ثلاث محطات، الاولى قديمة جدا تنتهي الى ثلاثينيات واربعينيات القرن العشرين ايام المطاوعة والمرحلة الثانية من الخمسينيات وحتى عام 1970 تلتها مرحلة انتقالية ثالثة بعد قيام دولة الاتحاد ودمج الوزارات والادارات، وتأتي مرحلة النهضة والتطور والتنظيم عندما انشئت المناطق التعليمية في العام 1980 على مستوى امارة أبوظبي وما بين هذه السنين وتلك المحطات، تخرجت اجيال ورجال هم الان قادة البلد يتحملون مسئولية البناء والتطوير. الفلاحية بداية رسمية ونبدأ بالفترة الوسط قبل العودة للماضي، حيث اشارت الوثائق «القليلة» الى أن مدرسة الفلاحية كانت هي البداية الرسمية للتعليم في امارة أبوظبي حيث كان مدير المدرسة نفسه حينذاك يقوم بمهام مدير التعليم ويتبع مباشرة لقصر الحاكم، واستمر ذلك لغاية العام 1964 عندما عين اول مدير لتطبيق المنهاج الاردني لمدارس أبوظبي، بدعم ورعاية خاصة من صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي تنبه الى اهمية التعليم ودوره وكرس له المزيد من وقته وفكره وجهده. ولكن فيما قبل هذه المرحلة الوسطى كانت هناك محاولات فردية كان لها اثرها وبالعودة الى الروايات نجد أن هناك محاولات متواضعة لكنها كانت على قدر من الاهمية نظرا للظروف الاجتماعية والاقتصادية، وعلى الرغم من أن تلك المدارس لم تعد موجودة واندثرت معالمها، الا أن مخرجاتها ومؤثراتها لها دلالات لانها كانت تعتمد على جهود فردية وامكانات بسيطة ومناهج ابسط. عام الجلوس والبدايات الفعلية في عام 1966، عندما تسلم صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد حكم الامارة شهدت تطورا ملحوظا في كافة ميادين الحياة. ففي عام اعتلاء سموه للحكم، انشأ اول دائرة للتعليم برعاية واشراف سمو الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان، لتبدأ المدارس الرسمية والحكومية في الظهور تباعا، حيث قامت الدائرة بوضع النظم الخاصة والميزانية المالية تمثلت بتشجيع المواطنين على التعليم اعتمادا على بعض البعثات التعليمية التي قدمت من مصر والاردن والكويت والبحرين. وقد خصصت الدائرة حينذاك سيارات خاصة لنقل الطلاب من والى المدرسة الى جانب تخصيص منح شهرية للدارسين حيث قدمت اول بعثية تعليمية من الاردن تلتها بعثة ثانية من البحرين. التعليم المسائي وشهدت الامارة نوعا اخر من التعليم لم تعرفه امارات الدولة الاخرى، الا وهو التعليم المسائي الذي مازال مستمرا حتى الان ولعب دورا كبيرا في حياة الجيل الذي لم ينل حقه من التعليم. ففي ذلك الحين حيث قامت الدائرة بافتتاح فصول ليلية خاصة لكبار السن من رجال ونساء، وبلغت ميزانية التعليم حينذاك قرابة «40» الف دينار بحريني، فيما بلغ عدد الدارسين قرابة (1896) دارسا منهم (93) سيدة وقد تجاوزت اعمار بعض الدارسين الخمسين عاما. مدرسة ابن خلف اما عن البدايات الاولى فان العارفين بالامور من معمرين ومعاصرين لنهضة الدولة بشكل عام والامارة بشكل خاص، يؤكدون دائما أن بداية التعليم في امارة أبوظبي تعود الى اربعينيات القرن العشرين، حيث كانت مدرسة «بن خلف» هي اول مدرسة وكان البعض يطلق عليها مدرسة «ابن عتيبة» نسبة الى مؤسسها التاجر المعروف خلف بن عتيبة. وقد اختلفت الروايات، عن تاريخ الانشاء، حيث يروي محمد مطر العاصي في محاولته التوثيقية لتاريخ التعليم، أن تلك المدرسة افتتحها التاجر خلف بن عتيبة، وتزامن افتتاحها مع افتتاح المدرسة الاحمدية بدبي، وتلقى طلابها دروسهم الدينية على يد الشيخ عبد اللطيف بن ابراهيم، احد افراد عائلة آل مبارك وهو من علماء الاحياء بالسعودية حيث كان لبعض الشيوخ اسهامات كبيرة في نشر التعليم، منهم الشيخ محمد الكندي، وكان معلما وقاضيا وقام بتعليم القرآن والنحو وفي عهد الشيخ حمدان بن زايد قام محمد علي ابو زينة بتعليم دروس الفقه وممن تتلمذ على يدي الشيخ عبد اللطيف المبارك كل من الشيخ مجرن وسلطان ابناء يوسف عبد الله بن غنوم، وكذلك يروي محمد بن علي المحمود، أن بداية التعليم في مدرسة ابن خلف حيث كان التعليم مجانا وكان يركز على العلوم الدينية كدراسة الفقه والقرآن. مدرسة ابن كرم وبعد مدرسة ابن خلف، جاءت مدرسة درويش ابن كرم عام 1940، حيث قام درويش بن كرم بتأسيسها حيث عرف عنه كثرة اعمالة واهتماماته رغم صغر سنه، حيث كان اماما وخطيبا ومعلما وطبيبا شعبيا ومأذونا لعقد القران. وكانت له مهام ادارية وحكومية كثيرة منها وكيلا لاعمال الشيخ خالد بن سلطان آل نهيان شقيق صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة. ولدرويش بن كرم اعمال تربوية كثيرة ابرزها تأسيس هذه المدرسة وفق ما جاء في مقال منشور عام 1990 في مجلة التربوي حيث روى ذكرياته عن التربية والتعليم. بدأت المدرسة في عريش من سعف النخيل استضاف فيها اطفال الجيران والاقارب والاصحاب الذين بلغ عددهم حينذاك (70) طالبا وكان عمره هو (15) سنه، اما مواده الدراسية، فقد ركزت على القرآن والعبادات، والقرأة والكتابة، وبعض مباديء الحساب ولم يكن همه الربح المادي، لذلك كان يتعاطى كل طالب «خميسية» تدفع كل خميس وكانت قيمتها تتراوح بين 4 آنات ونصف روبية هندية بعملة ذلك الزمان لبعض ابناء الفقراء ثم انتقل للاقامة في مسجد السليطي مقابل نصف روبية في الشهر بعدها نقل مدرسته الى منزل مبارك السليطي وهو من كبار التجار وكان موقع المدرسة شمال شرق سوق أبوظبي المركزي الجديد حاليا. ثم انتقل بالمدرسة الى مكان قريب من قصر الحصن جهة الشمال في موقع المسجد القائم هناك حاليا. جيل الرواد من المتعلمين وتخرج من مدرسة بن كرم الاهلية مئات من الطلاب والطالبات في أبوظبي منهم معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة وسمو الشيخ محمد بن بطي وحارب بن سلطان، ويذكر بن كرم في مذكراته أن مانع العتيبه كان يلفت نظره بهدوئه، فيما كان محمد بن بطي كثير الحركة ولكنهما كانا معا في منتهى الذكاء. أما ابرز معلمي مدرسة ابن عتيبه فمنهم عمر السالك الملقب «بالشنقيطي» وعبد العزيز المبارك وعبد الله الرستماني وراشد المبارك وكانت الدراسة فيها على فترتين صباحية ومسائية وعتيق يدرس الفقه وألفية ابن مالك ومقامات الحريري وبلغ عدد طلابها حينذاك ما بين 20- 25 طالبا واستمرت في اداء رسالتها قرابة 30 عاما وكان مبناها يتكون من ثلاثة بيوت مصنوعة من سعف النخيل. اول معلم رسمي ويروي عبدالعزيز المبارك أن جده كان اول معلم في مدرسة بأبوظبي، حيث قام جده الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ ابراهيم المبارك بالتعليم والتوجيه والارشاد في اول مدرسة التي انشأها خلف العتيبة ويقول: لقد انتسب الى سلك التعليم في أبوظبي عام 1969 وهي دائرة المعارف وهي احدى دوائر الاعمار في ذلك الوقت والتي رأسها المغفور له الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان رحمه الله. ويذكر انه بعد تشكيل اول وزارة في الامارة تولى محمد خليفة الكندي وزارة المعارف ووضع اول تنظيم تربوي الى أن قام اتحاد الامارات بقيادة صاحب السمو الشيخ زايد فتم انشاء وزارة التربية والتعليم التي قادت نهضة البلاد تعليميا. رواتب شهرية للمتعلمين وتذكر الدراسات التوثيقية أن ما شجع على التعليم في امارة أبوظبي التسهيلات التي قدمها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للراغبين، حيث امر سموه بمنح رواتب شهرية لكل طالب وطالبة تبدأ تأديته دنانير لطالب الروضة وخمسة دنانير للصف الاول الابتدائي وستة دنانير للثاني الابتدائي وهكذا بزيادة دينار واحد لكل صف دراسي وذلك حتى يصل الراتب الى 15 دينارا في الشهر الى جانب وجبة غذاء واحدة في كل يوم، وبدلتين وحذاء واحد لكل طالب وطالبة في السنة بالاضافة الى جميع ادوات وملابس الرياضة والكشافة والمواصلات المجانية وبلغ عدد الهيئات التدريسية حتى عام 1969، 220 للمدارس الذكور 1400 لمدارس الاناث وبلغ عدد الطلبة في مختلف المراحل (6972) طالبا وجدير بالذكر أن انتاج البترول عام 1962 ادى الى تغيرات مهمة في التركيبة الاجتماعية مما ادى الى ارتفاع مستوى التحصيل العلمي حيث بلغت نسبة الملتحقين بالمدارس 33% للمرحلة الابتدائية ووصل عدد طلاب الاعدادية والثانوية الى قرابة (50) طالبا. داوود محمد