مدارس لها تاريخ

افتتحت للدراسة اول نوفمبر 1960، «النهيانية» أول مدرسة نظامية بالعين

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تقدم المدارس العلم والمعرفة فانها بذلك تصنع التاريخ الذي تنسجه شخصيات كانت ذات يوم فوق مقاعد الدراسة كي تتسلح لمعركة الحياة بعلوم العصر وفنون البشرية.

وكالأفراد وحركتهم المعروفة في الازمان والعصور فان للمدارس ايضا دورها فيما تصنعه ـ رغم ثباتها الظاهري ـ في محيطها اذ تلعب دورا مؤثرا فيما وفيمن حولها يجعلها هي الاخرى صاحبة تاريخ لا ينفصل مطلقا عن تاريخ وحركة مجتمعها. حول المدارس ذات التاريخ والاثر والمكانة والدور نلتقي لنطالع تلك الملفات القديمة لـ «مدارس لها تاريخ».

لعبت مدرسة النهيانية الابتدائية للبنين دورا مهما في تاريخ التعليم في مدينة العين خاصة وامارة ابوظبي على وجه العموم وتعتبر «النهيانية» اول مدرسة نظامية انشئت في المدينة انذاك على الرغم من قلة الموارد المادية والاقتصادية المتواضعة هناك. انشئت مدرسة النهيانية عام 1959م وبدأت في استقبال تلاميذها عام 1960 في مبنى قرب سينما العين القديمة

وقد احدث انشاؤها تحولا واضحا في نمط وطرق واساليب التدريس التي كانت موجودة في السابق بحيث اصبح التدريس فيها يشمل الجوانب الادبية والنحوية والفقه والتفسير وتحفيظ القرآن الكريم بالاضافة الى إعداد الانشطة الرياضية والزراعية والثقافية..

حيث كانت المدرسة تنظم انذاك مسابقات وألعابا شعبية تراثية. وقد سميت مدرسة النهيانية بهذا الاسم نسبة الى آل نهيان الكرام وكانت المدرسة تضم نخبة مميزة من المعلمين المعارين من الاردن ونخص بالذكر منهم الاستاذ زهير ابو الاديب.

وكانت المدرسة عبارة عن واجهتين من الحجرات في كل واجهة اربعة صفوف او حجرات احدى الواجهات كانت للصفوف تقابلها غرف الواجهة الاخرى التي صارت فيما بعد سكنا للمدرسين..

وتبدو المدرسة من بعيد كقلعة وتقع خلف المبنى القديم لبلدية العين وتم افتتاحها يوم 7/11/1960م وبلغ عدد طلابها حينئذ «49» طالبا من بينهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو الشيخ سرور بن محمد، معالي محمد بن سلطان بن سرور الظاهري وسلطان بن عبد الله بن غنوم..

وكانوا جميعهم في الصف الرابع وقتها، اما طلاب الصف الثاني نذكر منهم محمد بن سعيد البادي، محمد احمد المحمود، وحمد حارب في اغسطس عام 1966م، ومع تولى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم شجع الطلبة للالتحاق بمدرسة «النهيانية» حيث رعاهم سموه وخصص لهم حوافز مادية وامر بصرف مكافآت مالية شجعت الطلبة ودفعتهم الى العودة الى الدراسة والانتظام فيها كما حث سموه الكثير من اولياء الامور على ارسال اولادهم الى المدرسة..

وكان لهذا التصرف الحكيم من صاحب السمو رئيس الدولة اثره الكبير في اهتمام المجتمع بالتعليم. وفي سجل المدرسة نجد اسماء آخرى لطلاب كانوا بها ومنهم سمو الشيخ سلطان بن زايد، والشيخ سرور بن سلطان بن سرور، وخليفة ناصر السويدي، وجوعان بن مبارك. تدريب مبكر على الزراعة كان الاثاث المدرسي في المدرسة النهيانية عبارة عن مقاعد طويلة يجلس في كل منها ثلاثة او اربعة طلاب وامامهم طاولات للكتابة «لوح سبورة» وكان بجانب المدرسة بئر ماء وارض صغيرة استخدمت في تدريب الطلاب على العمل الزراعي سابقا.

اهتمت إدارة المدرسة آنذاك بممارسة العديد من الانشطة المدرسية واهمها الرياضية حيث كانت تمارس باشكال مختلفة.. كالكشافة والالعاب السويدية والكرة.. وبالطبع لم تكن الملاعب آنذاك كبيرة كما هي اليوم ولكن الالعاب كانت موجودة اصلا الى جانب المشاركة في إعداد التمثيليات المسرحية خاصة عند اقامة الحفل الختامي للانشطة المدرسية في نهاية العام كما كانت تجرى مسابقات رياضية وانشطة للالعاب الرياضية والكشفية وكان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان من ابرز الطلبة الرياضيين خلال دراسته في تلك الفترة. فترتان للدوام وكان دوام الطلاب في تلك الايام اي قبل 42 عاما يتم خلال الشهور معتدلة المناخ على فترتين صباحية وتمتد حتى الواحدة بعد الظهر، واخرى مسائية، اما في الصيف فان الدوام يقتصر على الفترة الصباحية فقط وكان معدل الدوام اليومي حوالي ست او سبع حصص ماعدا يوم الخميس حيث كانت المدرسة تكتفي باربع حصص فقط.

وكانت إدارة المدرسة تعمد الى تخصيص حصة يوميا لكل من مواد اللغة العربية والدين والرياضيات تقريبا ثم بدأت بتخصيص حصة للغة الانجليزية لاحقا للصف الخامس فقط واضافة مواد جديدة وبشكل مكثف جدا خاصة وان الخطة الدراسية كان يضعها اعضاء الهيئة التدريسية بأنفسهم وقد بلغ عدد الطلبة عام 1964م ما يقارب الـ «150» طالبا تقريبا ويذكر ان بعض اولياء امور الطلبة كانوا يأتون الى المدرسة بعد شهرين او ثلاثة من بدء الدراسة فيسألون: يا معلم هل ختم ابنى القرآن؟ هل اصبح يفك الخط أي يقرأ ويكتب..؟! البداية بناء متواضع .

ولما كانت المدرسة النهيانية هي الوحيدة في ذلك الوقت بمدينة العين ونتيجة للضغط المتزايد على المدرسة وتزايد اعداد الراغبين في التعلم يوما بعد يوم فقد انتقلت المدرسة من موقعها القديم خلف البلدية القديمة الى موقع جديد عند السوق المركزي المفتوح وكان بناء المدرسة وقتها من «الطين» ويذكر انه في عام 1963 ـ 1964م هطل مطر شديد وغزير جرت بعده السيول ولاول مرة بهذا الشكل فأحاطت بها المياه حتى اصبحت كالجزيرة فأضطرت إدارة المدرسة الى اغلاقها خوفا من انهيار بنائها الطيني وقد استمرت المدرسة بعد ذلك بموقعها القديم لعدة سنوات قبل ان تنتقل وللمرة الاولى الى موقعها الحالي في منطقة النيادات في السبعينيات لتستقر هناك حتى يومنا الحاضر.

التاريخ الاداري والمنهج الدراسي وقد احدث وجود مدرسة النهيانية نقلة نوعية في التعليم لعبت دورا بارزا في المجتمع الامر الذي مهد معه السبيل امام ظهور ونمو حركة ثقافية، وانتشار اليقظة الفكرية بمفهومها الحديث وتعاقبت على إدارة المدرسة نخبة مميزة من الشخصيات المثقفة ذات الخبرة الواسعة والرفيعة المعارين من الخارج ففي عام 1960م تم ايفاد الشيخ حمدان بن محمد حاكم جزيرة داس لاحضار «20» موظفا ومدرسا للدوائر الحكومية بالامارة وعلى رأسها المدرسة النهيانية وكانت تلك اول دفعة من المدرسين الوافدين تصل الى الامارات وبعد عودة الشيخ زايد من رحلة القنص اجتمع بالمدرسين واكرمهم واختار من بينهم انذاك صبحي السلع ليكون مديرا للمدرسة وبذل السلع جهدا كبيرا ساهم وبشكل كبير في نشر اعلان بدء التعليم حيث كانت الاخبار تنتشر بسرعة وقد عرف الناس ان هناك مدرسة قد افتتحت فسارع الناس الى تسجيل ابنائهم فيها.

وفي العام التالي اختار صاحب السموالشيخ زايد الاستاذ زهير ابو الاديب مديرا للمدرسة من عام 1961 ـ 1962م ومن ثم محمود الدغيمات ورمضان الكيالي.. فيما بعد. وكانت المدرسة تطبق المنهج الاردني ولسنوات عديدة كونه كان اقوى المناهج الموجودة انذاك.. فالرواتب في العام الاول كانت افضل والتدريس كذلك.. ولم تتعطل الدراسة مطلقا، وضمت عددا اكبر من الطلاب وكذلك من المدرسين.

وعاش المعلمون في مدرسة النهيانية في مجتمع يحترم المدرس الى درجة انه عندما يقوم بزيارة اهل احد الطلاب فكأنه ممثل الحاكم الذي قدم للزيارة من شدة الاحترام والتقدير الذي يلقاه المدرس وكان وضع المدرسين في ذلك الحين ممتازاً على الرغم من الوضع الاقتصادي المتدني بالنسبة للمواطنين كما كان المدرسون يتمتعون بهيبة واحترام كبيرين.. ولم يكن احد من الطلبة يجرؤ على معارضة المدرس او الرد عليه او الانتقاص من احترامه بأية كلمة، وكان امر المدرس مطاعا حتى من قبل اولياء الامور الذين فوضوا إدارة النهيانية بحرية التصرف مع اولادهم ما دام ذلك في سبيل العلم وعملوا بالمثل الشعبي الشهير «سلمتك ابني لك اللحم ولنا العظم» زايد والنهيانية وبقي صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة على علاقة مستمرة بالمدرسة وكان على اتصال مباشر ودائم بالمدرسين ففي رمضان يدعوهم الى مجلسه ويسألهم عن اخبار المدرسة ومشاكلها وبحث كيفية ايجاد الحلول المناسبة لها مع إدارة المدرسة ويحضر الاحتفالات المدرسية.

اصلاحات حديثة

ويشير الاستاذ نبيل حيدر عبد الله مدير المدرسة الحالي الى ادخال الاجهزة التكنولوجية الحديثة في العملية التربوية بالمدرسة ومناهج جديدة تشجع على التفكير الابداعي للطلاب المتفوقين بحيث يتم اختصار سنة دراسية للطالب في الصف الثاني.. ومن جانبه اكد الاستاذ ماجد عوض مدرس مادة العلوم في المدرسة منذ عام 1979 ان النهيانية كانت ومازالت اقدم صروح التعليم من حيث الهيئة الادارية والتعليمية وتميز طلابها بالانضباط والالتزام بالدوام والمذاكرة الجماعية. ويصف المدرسة قديما بانها كانت عبارة عن فصول موزعة تشمل الاول والثاني والرابع قديما ثم تطورت واصبحت مشتركة واصبحت تسمى المدرسة النهيانية الاعدادية للبنين في الستينات وبدأت نشاطها بأربعة مدرسين فقط.. عبد الله خازر

Email