اعداد المعلمين والتجارب العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحدثنا في المقال السابق عن الاوراق البحثية التي قدمت في المؤتمر التربوي الاول لجائزة خليفة بن زايد للمعلم. كانت من بين الاوراق ورقة مقدمة من الدكتور عبدالله عبدالرحمن الكندري من الكويت, حيث تحدث فيها عن الاتجاهات الحديثة في تأهيل المعلم. ومن بينها ايضا ورقة مقدمة من الاستاذ عيسى خليفة السويدي من دولة الامارات العربية المتحدة, تحدث فيها عن تحفيز المعلم في دولة الامارات, واثره في الارتقاء بمستوى الاداء. لقد تحدثت في المقال السابق عن كل الاوراق بايجاز, لكني اود ان اقف اليوم قليلا مع الورقتين المشار اليهما اعلاه, لاتحدث عن بعض التجارب التي تطرقت اليها الورقتان. اولا: تناولت ورقة الكندري عن بعض التجارب العالمية في اساليب اعداد المعلمين, وذكر منها ماليزيا واليابان والنروج وانجلترا وويلز. اما ماليزيا فيبدو ان فكرة تأهيل واعداد المعلمين فيها ترجع الى ما قبل سنة الاستقلال وهي 1957 حيث كانوا يعدونهم في كلية السلطان ادريس للمعلمين, وفي كلية البنات للمعلمات, وفي مدارس النورمال للمعلمين, او في المدارس التحضيرية للمدرسين, ويدرب عدد منهم في كلية رفلز في سنغافورة. اما بعد الاستقلال وبعد ان وضعت سياسة تعليمية عام 1957 فقد شكلت لجنة مهمتها توحيد اسلوب تدريب المعلمين من خلال المعاهد الموحدة, فكانت مدارس النورمال, والكليات والمراكز الخاصة. يوجد في ماليزيا حتى الآن (!!) مركزا تقريبا لتخريج المعلمين ما بين الابتدائية والثانوية, علما بأن السلم التعليمي ما قبل الجامعي في ماليزيا يشمل (6) سنوات للمرحلة الابتدائية, و(5) سنوات للمرحلة الثانوية, منها (3) متوسطة و(2) للمرحلة الاعدادية, ويوجد بعد ذلك دبلوم التأهيل مدته سنتان. واما في اليابان فقد افتتح فيها اول معهد مختص باعداد المعلمين عام 1966 وهي تختلف عن ماليزيا بل عن كل بلاد العالم, حيث ان العلم في نمو مستمر, وقد اتضح من احصاءات عام 1970 ان (88%) من الجامعات والكليات تعطي دروسا مهنية للمعلمين. والجدير بالذكر ان اليابان توجد فيها (764) جامعة وكلية, ويوجد فيها (47) معهدا لاعداد معلمي المدارس الابتدائية والثانوية, (46) معهدا من المعاهد الحكومية, ومعهد واحد خاص. اقول ولعل هذا الواحد ليحافظوا على النوع من انقراضه, فيقولون بأنه توجد عندهم معاهد حكومية وخاصة. هذه المعاهد والكليات منتشرة في كل المقاطعات, بواقع معهد واحد في كل مقاطعة على الاقل, وكذلك الكليات والجامعات المتخصصة في اعداد المعلمين, علما بأنهم وفروا ذلك في المدن والارياف بل واكثر من ذلك فانهم وفروا دروسا للمدرسين المختصين بالعميان والصم والبكم. وبالمناسبة فان هذه الفئة في كثير من البلدان العربية مهملة, لدرجة انها لا تستطيع ان تواصل تعليمها لا في معاهد متخصصة, ولا في مدارس التعليم العام الحكومية. نعود الى تجربة النروج في اعداد المعلمين, حيث يعود تاريخه الى ما قبل (150) سنة, وبالاخص اعداد المعلمين للتعليم الابتدائي, والجدير بالذكر ان حاجتهم الى مثل هذا النوع من الاعداد لم تكن كبيرة, ولكن مع التوسع في المدارس, ومد مدة التعليم الالزامي من (7) سنوات الى (9) سنوات ازدادت الحاجة الى معاهد اعداد المعلمين وتحسين نوعها, وبالفعل زاد العدد, والوزارة هي التي تشرف على تلك المعاهد بتنسيق مع الكليات المتخصصة. ويبدو ان عام 1938 له خصوصية في النروج حيث شهد تحولا جذريا في حياة المعلمين, اذ تم اعداد نمطين من الدراسة لهم: نظام اربع سنوات لخريجي الاعدادية, ونظام سنتين لمن درس سنتين بعد الاعدادية, ويلاحظ في النروج ان دراسة الديانة المسيحية من اساسيات المنهج المقرر. كما ان عام 1957 شهد اصلاحات اخرى شملت الكليات ومعاهد اعداد المعلمين, ثم جاء عام 1973 الذي صدر فيه قانون جديد يقضي بان تبدل اسماء كليات المعلمين الى كليات التربية, علما بأن الدراسة في كليات المعلمين كانت سنتين بعد الاعدادية او اربع سنوات بعد الاعدادية, على ان تدار كليات التربية من قبل مجلس يشمل وزارة التربية والمعلمين والطلاب, والمناهج تتسم بالمرونة والاختيار من قبل الطالب. ــ اما اعداد المعلمين في انجلترا وويلز فيأخذ عدة اشكال: ففي الفترة ما قبل 1848 كان يقتصر اعداد المعلم في بريطانيا على عدد من التلاميذ الكبار في المدارس الابتدائية, حيث كانوا قبل الخدمة, وكانت الكليات الدينية تنظم ذلك, ثم ظهر لهم عدم جدوى النظام, فبدأت كليات التربية بعد ذلك تقوم باعداد المعلم قبل الخدمة ابتداء من عام 1947, وغيرت نظام الدراسة من سنتين الى اربع فيما بعد, وفي عام 1970 تزايدت اهتمامات الدولة ببرامج اعداد المعلم, وفي عام 1984 شكلت الدولة مجلسا لاجازة اعداد المعلم, وبذلك خرج اعداد المعلم من تحت سيطرة الكليات الى الحكومة وفي الفترة من 1991 ــ 1995 اثيرت عاصفة حول جدوى اعداد المعلم الذي يشرف عليه مجلس اجازة اعداد المعلم. هذه هي خلاصة التجارب التي عرضها الدكتور عبدالله الكندري, وفي النهاية قدم عدة توصيات اهمها: أ ــ ايجاد المناخ المناسب للمعلم من خدمات صحية واجتماعية, وتوفير الامكانات. ب ــ تدريبه اثناء الخدمة لكن خارج اوقات الدوام. ج ــ ربط المكتبات العامة في ادارة التعليم بالانترنت حتى تكون على اتصال بمستجدات العالم. د ــ اختيار المعلم الذي يرغب في التدريس لا ان يجبر عليه. هـ ــ تخفيف الاعباء الملقاة على عاتقه كارتفاع نصاب حصصه. و ــ ارسال بعض العاملين في الادارات المدرسية في دورات خارجية. ز ــ اعداد بعض المعلمين لبعض الفئات الخاصة التي تحتاج الى نوعية من التعامل. ثانيا: تناولت ورقة الاستاذ عيسى السويدي مدير منطقة ابوظبي التعليمية سابقا تجربة امارة ابوظبي في تحفيز المعلم, وهي عبارة عن قرار لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي تقرر بموجبه تخصيص مكافآت مالية اضافية للعاملين في مدارس الامارة من الذكور. ــ صدر هذا القرار بعد ان تبين ان الذكور في هذه الامارة غير مقبلين على مهنة التدريس, والسبب انهم يجدون بدائل كثيرة تغريهم بعلاواتها ومميزاتها. ــ ما طبق على ابوظبي طبق على العين والغربية بحكم انها تأخذ حكما واحدا, والحاجة هي الحاجة نفسها, ولو اخذنا منطقة ابوظبي على سبيل المثال لوجدنا ان عدد العاملين المواطنين بشكل عام من الذكور في عام 90/89 كان (33), ثم ازداد بعد صدور القرار الى ان بلغ في عام 2000/99 (249). وكانت نسبة المعلمين المواطنين في هذه الامارة في عام 99/93 تبلغ (1%) في حين انها ارتفعت في عام 2000/ 99 الى (6%). يقول الباحث هذه النسبة مازالت قليلة, والسبب ان مغريات الوظائف الاخرى اكثر جاذبية. ــ اقول وبالرغم من ان هذا القرار لم يعالج المشكلة برمتها, فاننا نستطيع القول بأن الاغراء المادي له المفعول الاقوى, وقد يقول بعضهم بأن مهنة التعليم هي مهنة الانبياء, وهي مفروضة علينا, والاخلاص فيها واجب, نقول في جوابه هذا صحيح لكن لاتنسوا ان معلم اليوم غير معلم الامس, فهو امام الحاحات من بيته واولاده ومجتمعه, والمسئوليات التي تقع على عاتقه كلها مسئوليات مادية, وما يقال عن معلم اليوم يقال عن خطيب اليوم وامام مسجد اليوم ومؤذن اليوم, اذ يحلو لبعضهم ان يطعن في اخلاص هؤلاء فيقول: كيف يصلي بالناس اماما او يؤذن ثم يأخذ عليه اجرا؟ اقول في جوابه ايضا: أليس الامام او المؤذن او الخطيب بشرا, وله بيت يطالبه بالانفاق؟ من ينفق عليه اذا لم يأخذ معاشه من وزارة الاوقاف؟ اذن فأعطوا الاجير حقه قبل ان يجف عرقه, معلما كان او اماما, او موظفا في اي مؤسسة. نعم لا اقول ان الجري وراء المال عمل مشروع, لكني اقول ان تحسين الوضع المعيشي والاجتماعي مشروع. ثم انني الاحظ ان المعلمات بالاخص يأخذن راتبا لكن جزءا كبيرا من راتبهن يصرفنه على الفصول وعلى التلميذات فهل من واجبهن ان يفعلن؟ ام ان جهة اخرى كفيلة بتوفير الوسائل لهن؟ نعم قد يقال بان ما تفعله المعلمة عمل تشكر عليه, واجرها عند الله ثابت, لكن أليس من حقها ان تتساوى مع غيرها في الميادين الاخرى, حيث انهن يحصلن على اجور وامتيازات اكثر, في حين انهن لايصرفن منها شيئا على المؤسسة؟ من هنا نقول بان كل ما طرح في المؤتمر من اقتراحات حول تأهيل المعلم قابل للنقاش, ويمكن ان يطبق ويكون له مردود ايجابي, لكن لايعني ذلك ان نكتفي بالتأهيلات الفنية, ونهمل التحفيز المادي بحجة انه معلم, والمعلم كتبت عليه الشقوة, أليس كذلك؟ د. عارف الشيخ

Email