جامعة الامارات تنظم ندوة حول القدس ، الفتح الاسلامي الاول للقدس نقطة تحول جوهرية في منحى العلاقات بين سكان المنطقة على اختلاف معتقداتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

اكد الدكتور عبدالفتاح العويس, امين عام مجمع البحوث الاسلامية في المملكة المتحدة, وعضو هيئة التدريس بجامعة ستيرلينج, والاستاذ الزائز حاليا بقسم الآثار والتاريخ بجامعة الامارات, على ان الفتح الاسلامي للقدس في عام 17 للهجرة الموافق 638 ميلادية لم يكن حدثا عابرا او عاديا في التاريخ, بل يعد وبكل المقاييس نقطة تحول جوهرية في منحى العلاقات بين سكان المنطقة على اختلاف معتقداتهم, اضافة الى انه يختلف في دلالته ونتائجه عن احداث الدمار والخراب والقتل والتهجير التي وقعت في تاريخ المدينة الدامي قبل ذلك الفتح, مشيرا الى ان دخول عمر بن الخطاب الى المدينة يعد بداية عصرجديد ومتميز من العلاقات المتبادلة بين ابناء الديانات الثلاث (اليهودية, والمسيحية, والاسلام) حيث تم تأصيل هذه العلاقة اضافة الى السلوك المتميز بالوثيقة التي عرفت في التاريخ باسم العهدة العمرية. جاء ذلك في الندوة التي نظمها قسم التاريخ والاثار تحت رعاية عميد كلية العلوم الانسانية والاجتماعية, بعنوان القدس مدينة العدل والتسامح, التي ادارت حوارها الدكتورة فاطمة الصايغ رئيسة قسم التاريخ والآثار, وشارك فيها الدكتور علاء نورس استاذ التاريخ الحديث بجامعة الامارات. واشار الدكتور عبدالفتاح العويس الذي اعد دراسة علمية حول القدس استمرت سبع سنوات درس خلالها معظم الوثائق التاريخية التي تدور حول هذا الموضوع, الى ان العهدة العمرية تعد نقطة تحول بارزة ومهمة في الدراسات التي تناولت الفتح الاسلامي الاول للقدس تناولا اكاديميا, سواء كان ذلك من الناحية التاريخية او الفقهية, اضافة الى انها مازالت موضوع نقاش بين عدد من المؤرخين حول صحتها التاريخية وتفسيراتها, حيث فسرت بعض نصوصها لدعم مواقف دينية او سياسية في الصراع الدائر حاليا للسيطرة على مدينة القدس. كما اشار الدكتور عبدالفتاح, في الندوة التي حضرها الدكتور عبدالوهاب احمد عميد كلية العلوم الانسانية والاجتماعية, والدكتورة ناديا بوهناد مساعد العميد لشئون البحث العلمي, اضافة الى جمع من اعضاء هيئة التدريس والطالبات, الى ان ما يعرضه في هذه الندوة ليس مناقشة للفتح الاسلامي للقدس, انما يعرض دراسة نقدية تحليلية لذلك العهد العمري الذي اعطاه عمر بن الخطاب لاهلها, مؤكدا على ان الدراسة التي يعرضها تهدف الى دراسة ومقارنة معظم النصوص المتوفرة للعهدة العمرية, مع التركيز على اشهرها واطولها ولاسيما النص الذي اورده الطبري والنص الذي نشرته البطريركية الارثوذكسية في القدس عام 1953. حيث استعمل المحاضر في سعيه للتثبت من صحة هذين النصين, المنهج التاريخي في نقد الاصول التاريخية. واستعرض الدكتور العويس, الروايات الاولى للعهدة العمرية, اضافة الى مناقشة نص الطبري لهذه العهدة العمرية, ورفضه سكن اليهود في ايلياء اضافة الى تاريخ النص, كما تناول نص البطريركية الارثوذكسية في القدس للعهدة العمرة, سواء كان ذلك النقد الظاهري او النقد الباطني. واشار الى ان نصوص العهدة العمرية, ولاسيما رواية سيف بن عمر في الطبري ومن نقل عنه, تظهر اختلافات وزيادات بحيث لايمكن الركون او الوثوق الى ان اي نص منها هو النص الاصلي الذي كتبه عمر بن الخطاب واشهد عليه شهودا, وقال الدكتور العويس, انه على الرغم من تحفظي هذا, فإنه لايتفق مع فيليب حتي, وتريتون في انكارهما للعهدة العمرية تماما, مستندا في هذا الى اختلاف بعض الروايات في نصوص ذلك العهد, اضافة الى ان الدكتور العويس لايتفق مع شلومو غويتين الذي يرى ان العهدة العمرية مزورة, ولا وجود لها, استنادا الى سكوت البلا ذري عن ايراد نص لها, مؤكدا على ان غويتين يتناقض في تحليلاته حول العهدة العمرية, ومشيرا الى ان رواية البلاذرى هي الاكثر وثوقا. واشار الدكتور عبدالفتاح العويس, الى ان نصوص العهدة العمرية قد توسعت وتطورت بمرور الزمن ويبدو هذا مع بداية نص الطبري الذي رواه عن سيف بن عمر, مرورا بالنصوص التي اوردها ابن عساكر, الى نص مجير الدين العلمي, وانتهاء بنص الروم الارثوذكس, وقال انه بمقارنة هذه النصوص المختلفة للعهدة العمرية بالتطورات الاجتماعية والسياسية التي حدثت على وضع اهل الكتاب, ابتداء من زمن عمر بن عبدالعزيز الى هارون الرشيد الى قرارات المتوكل وحتى الفترات المتأخرة يتضح ان تلك الاختلافات والزيادات التفصيلية او الشروط ليس لها, بدون ادنى شك, اي علاقة بفترة الفتح الاسلامي للقدس او تعالج اوضاعها, انما هي جزء من الاوضاع العامة والنسيج الاجتماعي والسياسي الذي نشأت فيه, والذي ادى الى تلك التطورات التي اثرت على وضع اهل الكتاب ومعاملتهم في الدولة الاسلامية, مشيرا الى ان الواقع عبر عن هذا بتصورات وصيغ فقهية جديدة لمواكبة وتنظيم هذه التطورات التي ظهرت في عصور اسلامية لاحقة للفتح الاسلامي الاول للقدس. واكد الدكتور عبدالفتاح العويس, من خلال هذا العرض, الى انه يميل الى الوثوق بوجود العهدة العمرية, وبأن عمربن الخطاب اعطى اهل ايلياء امانا لانفسهم واموالهم وكنائسهم ودينهم, مقابل دفعهم للجزية, مشيرا الى ان هذا يمثل الخط الذي سارت عليه العهود والمعاهدات الاسلامية بشكل عام مع اهل الكتاب اثناء فترة الفتوحات الاسلامية, ومؤكدا على ان ما ينسب الى عمر بن الخطاب من اضافات وشروط فذلك من انتاج فترات تاريخية متأخرة ونتيجة لظروف اجتماعية وسياسية مختلفة تماما عن فترة الفتح الاسلامي الاول للقدس. كما رفض الدكتور العويس ـ تماما ـ ومن خلال الدراسة التي اعدها, ادعاء دانيال ساهاس بأن الفتح الاسلامي الاول ادى الى (بروز فرصة امام مسيحي القدس لاحتواء الهود بمساعدة العرب المسلمين من خلال الامتيازات التي منحت لهم في العهدة العمرية, وتساءل الدكتور العويس عن المبررات التي دفعت مسيحيي القدس لاحتواء اليهود وهم الذين منعوهم من سكن المدينة لعدة قرون وطردوهم منها ـ وقال لو كان هذا الزعم صحيحا لما طلب البطريرك صفرنيوس من عمر بن الخطاب ان يجدد قانون هدريان ويمنع اليهود من سكنى المدينة, الامر الذي رفضه عمر بن الخطاب مشيرا الى ان الامتيازات التي اعطاها المسلمون الفاتحون لسكان المدينة لم تكن بطلب من مسيحيي القدس, انما كانت اعطاء من خليفة المسلمين لاهل المدينة, وذلك انطلاقا من الاسس والقواعد التي حددها الاسلام في التعامل مع غير المسلم ولا سيما اهل الكتاب وقال لو كان في ايلياء يهود يعيشون في المدينة وقت الفتح لنص لهم على امتيازات مساوية لتلك الامتيازات التي اعطيت للمسيحيين والتي تتلخص في منحهم أمانا لانفسهم واموالهم وكنسهم ودينهم مقابل دفعهم للجزية, مؤكدا على ان ساهاس اعتمد في ادعائه هذا على نص مترجم عن اللغة اليونانية يشبه الى حد كبير جدا نص البطريركية الارثوذكسية للعهدة العمرية, مشيرا الى انه تم اثبات ان هذا النص مزور وملفق خدمة لاهداف سياسية ودينية لطائفة الروم الارثوذكس في القدس. وقال الدكتور عبدالفتاح العيسوي ـ ضمن الندوة ـ التي عقدت بالمسرح القديم بكليات الطالبات اذا كانت الاديان الاخرى قد نظرت الى ان الاستيلاء على القدس كان (هدفا يحمل تحديا لاهل الكتاب الآخرين ومنافسة لهم) فان الفتح او ما أود ان اسميه بالتحرير الاسلامي الاول للقدس جاء مخالفا لهذا الفهم العام, حيث ان المسلمين حرروا المسيحيين من البيزنطيين المحتلين للمدينة, اضافة الى انهم خلصوا اليهود من اضطهاد المسيحيين ومن حكم الروم الشرقيين وحرروهم من ظلمهم واعادوهم الى المدينة بعد غياب دام خمسمائة عام, مؤكدا على ان هذا الاستنتاج جاء منسجما مع التعاليم الاسلامية التي تستند الى منهج التدافع ومفهوم العدل القائم ليس على التعددية والاعتراف بالاخر فحسب, بل وتقرير حقوقه وواجباته وطريقة التعامل والتعايش معه. وتحدث في الندوة الدكتور علاء نورس استاذ التاريخ الحديث حول الرؤية التاريخية والاستراتيجية لمدينة القدس مؤكدا على أهمية ان يقرأ التاريخ قراءة متبصرة متفحصة, خاصة ان المعركة الثقافية حول القدس لا تقل ضراوة عن المعركة السياسية وقال ان التفكير التاريخي الاستراتيجي يستلزم في جانب اساسي منه مرافقة لفكر ابن خلدون في رؤيته الفلسفية للاحداث, ومرافقة لعلم النفس في كل خطوة تحليلية, مشيرا الى ان السلوك البشري خاضع لعوامل نفسية مباشرة وغير مباشرة بل ان حركة المجتمع نفسها تعزى الى قوانين نفسية, مؤكدا على ان التاريخ هو العلم الذي ينبغي ان يستقى منه على الدوام. واشار الدكتور علاء نورس الى ان استقراء تاريخ القدس يقتضي خطا دائريا يدور حول الموضوع من جوانبه الدينية والفكرية والتاريخية والاثرية مؤكدا على ان الموضوع على جانب كبير من الأهمية والخطورة والتشابك والتعقيد خاصة ان اوروبا ماتزال تصدر الكثير من المؤلفات حول القدس وبلغات مختلفة, وقال عندما نتوقف عند القرن الماضي نجد ان العرب لم يسهموا بإصدار ولو كتاب واحد حول القدس في القرن التاسع عشر, مشيرا الى ان اول مجلة عربية نبهت الى مخاطر الصهيونية كانت مجلة المنار المصرية عام 1898 بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول بستة أشهر واضاف الدكتور علاء الى ان القدس تاريخ موغل في القدم, ولا يمكن لقوانينه ان تفهم وتفسر احداثه دون استيعاب دقيق للقدس اليبوسية والفرعونية والاشورية والبابلية والفارسية واليونانية والرومانية, اضافة الى الحقبة التاريخية المهمة, وهذ القدس وعمر بن الخطاب وبنو أمية وبنو العباس والقدس والحملات الصليبية والتي مازالت سهما فاعلا حتى الآن. واكد الدكتور علاء على ان موضوعا خطيرا مثل القدس يتطلب تشريحا للعقول التي اسهمت في صنع الاحداث بدءا من الاسكندر المقدوني القائد العسكري الذي تتلمذ على يد ارسطو الفيلسوف اليوناني حيث كان هذا القائد ينوي ضم الجزيرة العربية, الا ان وفاته في بابل بعد اصابته بالملاريا منعته من ذلك, ومشيرا الى ان الصليبيين مازال تفكيرهم الاستراتيجي يتمثل في اعادة امبراطورية الغرب التي اقامها الاسكندر المقدوني قبل الميلاد. واضاف الدكتور علاء ضمن عرضه ان العقل الآخر الذي يتطلب تشريحا لمسارات تفكيره هو (البابا اوريان الثاني) الذي مازال التاريخ يشير الى اجتماعه الخطير بزعماء الكنيسة في مدينة كليرمون الفرنسية وقت ان كان رئيسا للكنيسة الرومانية الكاثوليكية, والذي حث فيه البابا الاوروبيين على وقف القتال فيما بينهم والتحول الى الاستيلاء على الاراضي المقدسة في فلسطين وسحق الامة الاسلامية, وقال الدكتور علاء ان هذا يعد أول اجتماع تطلق فيه الدعوة للحملات الصليبية. كما اشار المحاضر الى الشخصية الثالثة التي يفترض ان تقرأ طبيعة تفكيرها الاستراتيجي, ونحن نتحدث عن القدس, وهي شخصية صلاح الدين الايوبي الذي ادرك بحنكته السياسية انه لا سبيل لمواجهة الهدف الاستراتيجي الغربي الا بتفكير استراتيجي ايضا يقوم على توحيد الامة, وينادي بالتصدي للغزو الاوروبي, وقال ان صلاح الدين استطاع وبهذا التفكير الاستراتيجي ان يسترد القدس, مشيرا الى ان تاريخ 27 رجب من عام 583 هجرية, والموافق الثاني من اكتوبر عام 1187 ميلادية مازال تاريخا ندعو الجامعة العربية الى استلهامه حيث تبدو فيه عبقرية صلاح الدين باختيار مستشاريه ليكونوا من اكثر العقول رجاحة وعمقا. كما طالب الدكتور علاء بدراسة شخصية اخرى مؤثرة وهي نيقولا ماكيفلي الذي مازال كتابه (الامير) نموذجا معتمدا في السياسة الدولية, اضافة الى دراسة شخصية رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون, وهو أول من دعا عام 1840 الى توطين اليهود في فلسطين واقامة حاجز بشري يحول دون توحد الامة في مشرقها, كما نبه الدكتور علاء الى دراسة شخصية امبراطور روسيا نيقولا الاول الذي كان اول من اطلق عبارة الرجل المريض على الدولة العثمانية, واشار على الجميع بأهمية وجود رجل مريض (هو الدولة العثمانية) يجب الاستعداد لاستقبال وفاته, ونبه الدكتور علاء الى دراسة احدى الشخصيات المهمة في الاحداث التاريخية وهي السلطان عبدالحميد الثاني الذي قال عنه الغرب والصهاينة انه يستطيع ان يؤخر هزيمة الدولة العثمانية المحتومة, حيث انه يحرص على ان يحارب حتى اخر لحظة. وطالب الدكتور علاء ايضا بدراسة تيودور هرتزل زعيم الحركة الصهيونية العالمية الذي اراد ان يثبت للعالم ان الدولة اليهودية ليست حلما مشيرا الى ان هرتزل كان وهو ميت اكثر تأثيرا منه وهو حي, وقال ان صحيفة ازناميا الروسية نشرت وعلى مدى اسبوعين قبل وفاته بعام أول مسودة معروفة لبروتوكول حكماء صهيونية, مشيرا الى ان البروتوكول هو بمثابة خطة استراتيجية اقرت في المؤتمر الصهيوني الاول الذي عقد في بازل سنة 1897 والذي استخدم فيه هرتزل سلاحا سيكولوجيا حيث جعل يهود العالم يبدون وكأنهم قوة موحدة مخيفة, بينما كانوا في الواقع منشقين ومعرضين للخطر. كما طالب الدكتور علاء ضمن الندوة بدراسة الامبراطور الالماني وليم الثاني الذي زار ضريح صلاح الدين الايوبي عام ,1898 وأطراه قائلا انه كان آية كبرى في زمانه, في الشهامة والعزة والكرامة, وان من اسباب سروره انه موجود في دمشق البلد التي عاش فيها من كان اعظم رجال عصره, وهو صلاح الدين, واشار الدكتور علاء الى ان الامبراطور الالماني تعرض لهجوم عنيف من الصحافة نتيجة لموقفه من صلاح الدين, الا انه لم يعر ذلك اهتماما حيث انه كان رئيسا في ذلك الوقت لاعظم جيش منظم في العالم. واشار الدكتور علاء ضمن المناقشات التي طرحت في نهاية الندوة الى أهمية توحد الامة الاسلامية والامة العربية, وقال ان هذا التوحد يحتاج الى قرار سياسي, مشيرا الى ان مبدأ اليهود يتحدد في انه كلما زادت هجرة اليهود كلما احتاجوا الى ارض يتوسعون فيها. من جانبه اشار الدكتور عبدالفتاح عاشور استاذ الدراسات الاسلامية, الى أهمية الجهاد الاسلامي, وقال بضرورة ان يكون هذا واضحا لدى الاجيال. كما تناول الدكتور احمد طرابين استاذ التاريخ الاسماء التي اطلقت على فلسطين, حيث كانت في السابق تسمى (فلستيا) وهي بمعنى الساحل ثم اطلق عليها فلسطين المعروفة حاليا. واشار الدكتور طرابين الى ان اليهود جبلوا على الجبن والدهاء, مؤكدا على ان ما يسود الامة العربية الاسلامية حاليا ما هو الا هبوط في المعنويات لن يمر عليها وقت طويل الا وتعود كما كانت في السابق. وقد اشاد الدكتور عبدالفتاح العويس امين عام مجمع البحوث الاسلامية بالمملكة المتحدة برعاية سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وزير المالية والصناعة للمشروع الاكاديمي الحضاري العالمي والوحيد عن بيت المقدس الذي يقوم به مجمع البحوث الاسلامية في المملكة المتحدة. العين مكتب البيان

Email