بعد التحية: بقلم د. عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الآن نصل الى الجوهر من كل ما فات طرحه في الأيام الماضية وسيتم تناوله من قضايا محلية في المستجدات والمتوقع حدوثها في أي لحظة.هناك مسألة يعرفها كل المتعاملين مع الحقل الاعلامي عندما يصل أي موضوع الى النشر وليس قبله, لأحكام تعسفية احيانا تقع بعد النشر حيث لا مهرب من الدفاع والادانة والهجوم والهجوم المضاد , لذا كل الصحف لدينا حريصة الا تقع المشكلات من هذا القبيل وتتخذ الأسباب التي تحول دون هذا قدر الامكان, فاذا وقع شيء مما يتضايق منه الناس عموما وهذا لا يخلو منه مجتمع فلكل حادث ساعتئذ حديث يناسب حجم المشكلة. وهذا كله يتعلق بما يسمى اعلاميا (حرية التعبير) وأسميه في هذا الاطار التعبير عن الحرية, لأن لكل صحفي او كاتب اسلوبا مختلفا للتعبير عن الرأي الذي يصل اليه فهمه الذي لن يطول نشره لضيق الفترة الزمنية بين وقوع الحادثة والحاجة الى التعليق عليها والتعبير عنها في اليوم الثاني وأحيانا لن تتجاوز المدة مدار الاسبوع. هنا يصف الحالة كاتب مشهور: (للكاتب الحق في الاستعانة بفجاجة الواقع وكشفه وانعكاس لغته ومفرداته, وليس من مهمته تجميل الواقع) . هذا القول ينطبق عندما ننقل الحقائق التي تقع في الواقع كما هي دون تدخل منا وهو ما تتطلب دواعي الحياد الالتزام به وبذل الجهد للوصول الى هذا الهدف البعيد عن الطعن والمبالغة في الطرح, وتتدخل هنا لغة الامانة بكل قوة لتثبيت هذا المفهوم الهام. ولكن عندما يتدخل الكاتب او الصحفي في التعليق والقاء الضوء على امر ما وصبغه بالرأي اللصيق به, فلا يعد هذا في خانة التجميل وان كان العمل الذي امامه جميلا حقا أو فيه قصور يخل بدرجة الجمال فيه وهو ما يسمى في العرف الصحفي بالنقد غير المرغوب فيه لدى الأكثرية, ومع ذلك يعد ضرورة من ضرورات التحسين في الاداء دون الدخل في متاهة تشويه الحقائق أثناء النشر المتواصل لأي قضية طويلة النفس تأخذ من الناشر أياما متتالية. في كل المجتمعات البشرية لابد ان يكون هناك (سقف) لممارسة الحرية, واذا ذهبنا مباشرة الى أمريكا وهي التي تعد في الحرية رأسا للحربة, فنسترشد بأحكام المحكمة الدستورية العليا, فانها تقرر بوضوح تام ان حرية الرأي والابداع التي تتمتع بها الحماية القانونية والدستورية, هي فقط تلك التي تحترم القيم الأساسية للمجتمع. اما ما هي تلك القيم الاساسية, فذلك شأن قد يتغير من بلد الى آخر, وهي تقع ضمن مرحلة الاجتهاد في البلد الواحد, منهم من يرتفع (بالسقف) فيوفر مساحة واسعة للحركة, ومنهم من يهبط به فيؤدي الى نتيجة معاكسة, ولكن القدر المتيقن انه لا مفر من (سقف) وان عناصر ذلك السقف ومكوناته هي قيم المجتمع الأساسية. والمهم الا يفسح المجال لذلك السقف مهما كان علوه في يوم ما ان يخر على طالبه ولا يتم هذا الا بتقوية دعاماته واساساته واهمها قاطبة توفر شرط الحرية, لأن الخسائر التي تترتب على سوء استخدام الحرية تظل اقل خطرا من تلك التي تترتب على غيابها, لان الاولى نوعية والثانية كمية, وتبقى الحرية هي الكفيلة باصلاح شأنها. والخراب الذي يأتي من محاولة تصحيح سيرها من خارجها, بالتقيد او المنع, هو أعمق أثرا وخطرا من كل ما يعتور حركة الحرية من انكسارات او مبالغات, والخوف من الحرية لا يجب ان يؤدي بنا الى خنقها, بل في خلق الوعي المتدرج لتقبلها كجزء من أدائها الاعلامي والصحفي في مجتمعنا والا وقعنا في المطب ونحن نسعى الى ازالتها منذ سنوات.

Email