لم لا يكون كل منا وزارة التربية،بقلم د. عارف الشيخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتوافد على وزارة التربية كل عام افواج مختلفة من البشر, يختلفون في جنسياتهم, لكنهم يتحدون في طلباتهم, الا وهي الحصول على استثناءات من المسؤولين, او بالتحديد من المسؤول الاول.في الواقع اني جسلت ذات يوم اقول: هل لهذه الطلبات من نهاية؟ ولماذا يطلبون الاستثناء؟أليس التقيد بالنظام والمواعيد او الشروط يقيهم شر هذا التملق, وهذا التذلل ؟ ثم انهم كم يحرجون المسؤول في طلبهم هذا, لانهم يحاولون ان يثنوه عن قراره, واذا ما استجاب لطلبهم قالوا عنه كيت وكيت, مع العلم بأن باب الاستثناءات لو فتح لن يغلق الى يوم القيامة, لانه على سبيل المثال يستثني واحدا فيأتي الثاني, واذا استثنى الثاني جاء الثالث, وكل منهم يدعى انه قريب من ذاك ولن يؤثر, والشاعر يقول: ولو ان سهما واحدا لاتقيته ولكنه سهم وثان وثالث جلست اردد في نفسي هذا المفهوم, ومع ذلك احاول ان اجد عذرا لهؤلاء الذين يهرعون الى الوزارة في وقت حرج ليحصلوا على الاستثناء, قلت في نفسي, وماذا عسى ان يطلبوا؟ هل يطلبون بناء بيت, ام جهاز عرس, ام تذكرة سفر؟ كلا, بل بعضهم ممن لا ينطبق عليه شروط التسجيل فيطلب تسجيل ولده في المدرسة, وبعضهم ممن فاته التسجيل في موعده فيطلب الحاقه بمن سجل, وبعضهم ليس من الفئات التي يسمح لهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية. نعم يصدر قرار من الوزارة في كل عام مرة او مرتين يبصر هؤلاء بالشروط, ويعرفهم الى الفئات التي يشملها القرار, لكن مع ذلك يركضون, ويحاولون التحايل على القانون, يفعلون ذلك وهم يحرجون بفتح الراء, وفي الوقت نفسه يحرجون بكسر الراء, لكنهم كما قال الشاعر: اذا لم يكن الا الاسنة مركب فما حيلة المضطر الا ركوبها قلت في نفسي انهم يطلبون العلم, وواجبنا ان نقدم العلم للناس مجانا كالماء, لكن لا يعقل ايضا ان نفتح المدارس كما نفتح المساجد, ذلك ان دخول المسجد يأخذ شكلا تطوعيا, اما دخول المدارس فانه مقنن بقوانين وضعية, ومطلوب اشياء بعينها, ومرتبط بالزمان والمكان, وتترتب عليه اعباء وتكاليف مالية وادارية. اذن فان القوانين التي وضعت كانت من اجل التنظيم لا المنع, وطلبات المدارس لا يحدها حد, ولا يعدها عد, فما كان لنا الا ان نختلق لها حدا, حلوا كان ام مرا. لكنني اتساءل مادامت المسألة مسألة علم ونشر خير بين الناس لماذا نحمل الدولة كل اعبائه وتكاليفه؟ أليس بامكان اهل الخير ان يرفعوا هذا العناء عن اصحاب الاعذار, ولا سيما الفقراء منهم الذين لا يقدرون على دفع رسوم التعليم للمدارس الخاصة, او الذين لا يشملهم القانون؟ انني اعلم ان هناك في دبي مدرسة وكلية تحتضنان العديد من الطلاب والطالبات, وهما المدارس الاهلية الخيرية, وكلية الدراسات الاسلامية واللغة العربية. اما المدارس الاهلية فتفتح ابوابها صباحا ومساء لطلاب المراحل ما دون الجامعة, واما الكلية فتفتح ابوابها لفترتين ايضا للبنين والبنات. هذه المدرسة وتلك الكلية تقدمان العلم والمعرفة مقابل رسوم رمزية لا تذكر, واذا وجدتا فقيرا معدما لا يستطيع ان يدفع الرسوم تجاوزتا عن الرسوم وعلمتاه مجانا. لا شك ان الذي بناهما نوى الخير وفعل الخير, وبرغم انه ينفق عليهما الملايين فانه لم يندم على فعلته, ولم ينقص من ماله درهم, بل زاد. انني اتساءل: الا يوجد امثاله العديد من الرجال والنساء, بامكانهم ان يؤسسوا دورا لتعليم ابناء اصحاب الاعذار واهل الفاقة؟ نعم يوجد الكثير والكثير, ولكني لا اراهم يتشجعون مع العلم بأنهم يعلمون ان (مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل, في كل سنبلة مائة حبة, والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) . اما انهم لو فعلوا ذلك لرفعوا الحرج عن وزارة التربية, وصح عندئذ ان يوصف كل منهم بانه وحده وزارة تربية مستقلة قائمة بذاتها. على كل حال فانني لا ايأس, وانتظر فرب احدهم تبلغه كلمتي, فيفكر فيها, ويعلم الله اني لم ارد الا الخير, والله عالم بما تخفي الصدور. د. عارف الشيخ

Email