بعد التحية، د. عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أريد ان أسافر من لندن مباشرة الى الوضع في اذاعاتنا المحلية بصفة عامة مع فارق المقارنات, الا ان وجود الرأي أو مساحة للرأي من خلال برامج الاذاعة المسموعة نراها ضرورية كضرورة الملح في الطعام, والا كان الغذاء بلا طعم ولا رائحة ولا لون . نعم, هناك برامج عديدة يتصل بها المستمع ويذكر ملاحظة من هنا أو عتب أقرب الى الزعل أو الخصومة, وهذه المشاعر ليس بالضرورة ان تكون آراء في القضايا المطروحة أو المسموح طرحها على الملأ لأن فيها جرعة كبيرة من العاطفة التي سرعان ما تحول الرأي الى خواطر وأشجان لا تبني في الواقع شيئا مذكورا, وخاصة اذا كان الطرح عبر الاذاعة فيه نبرة الدفاع والدفاع المضاد, وكان صاحب الرأي في موقف المتهم, وهذا بعيد كل البعد عن الهدف المنشود. هناك مساحة من الشجن في داخل النفس لا يمكن التخلص منها الا عن طريق فرصة التعبير الحقيقي عن ذلك المكنون الاجتماعي الذي يقصد منه خدمة المجتمع المدني والوصول به الى أعلى درجات الانسانية في حل قضاياه الشائكة احيانا. فقبل أيام استمعت الى برنامج لرأي المستمع عن موضوع زواج فنان من فنانة أو العكس ومدى نجاح هذا المشروع وفشله, معظم الاجوبة كانت محصورة في نعم أو لا, والقليل كان يعلل الاجابة خوفا من أمر ما, مع ان الموضوع اجتماعي بحت ويمكن ان يستفيض فيه المرء ويصول فيه ويجول دون وجل. هذا التخوف الداخلي من ذكر رأي يحاسب عليه الانسان وكأنه ارتكب جريمة ولم يقل رأيا فقط سببه المباشر هو شح اذاعاتنا في طرح برامج تقوي في الانسان الجانب الذاتي في استقلال الشخصية والثقة بما ان ما لديه من معلومات وآراء ليست تهويمات أو ظنون لا تبنى عليها مواقف لصالح المجتمع. للاذاعات دور كبير في تنمية الوعي بقيمة الشخص في رأيه مع كرامة الذات الانسانية, فهذا الوعاء له دور كبير في احداث نقلة نوعية لمسار المجتمع اذا ما أعطي الفرصة والتشجيع في كسر الأغلال المادية والمعنوية التي تطوق النفس التواقة الى المساهمة في دفع عملية التنمية الذاتية الى الأمام على البرامج الاخرى باختلاف موضوعاتها, فإن حاجتنا شديدة الى تنوع الآراء في أية قضية مطروحة عبر الأثير, فللسمع دور كبير في ترسيخ المفاهيم التي قد تمر على العيون أو البصر وهي في غفلة أو مشغولة بالنظر المباشر دون مراعاة السمع لها. لذا كان للسمع والبصر والفؤاد وظائف مقسمة على الاذاعة والتلفزيون والصحافة, فهناك من يقتنع بالسماع ويكتفي به, وآخر يستخدم هذه الحواس كلها لمزيد من الافادة والاستفادة. ان المتابع لاذاعاتنا المحلية بشكل عام وبامعان النظر وعمق الملاحظة الذاتية يخرج بنتيجة مفادها ان كل شيء في المجتمع على ما يرام مادامت الاغاني تطرب الاسماع, والألسنة المعسولة تكيل المديح لهذا أو لذاك. مع ان لأي مجتمع مشاغله وهمومه, ولكل فرد كذلك قضية يريد ان يسمع فيها رأي المسؤولين مباشرة دون الوصول الى مكاتبهم. في الدول الغربية تستضيف الاذاعات كل وزير على حدة لكي يشرح ما يريد القيام به من خلال توليه هذا المنصب, ولا ينفك الناس عن الاتصال به والتحدث اليه وجها لوجه حتى يطمئنوا على مصالحهم من خلال المؤسسة التي يديرها.. فهل لدينا برنامج واحد يحل فيه مسؤول كل اسبوع ضيفا خفيفا على القلب المفتوح للجمهور؟!!

Email