الزراعة تستهلك 80% من الاحتياجات المائية: كيف نواجه مشكلة نقص المياه العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

برزت خلال السنوات الاخيرة مشكلة اصبحت تؤرق معظم دول العالم, وتمثلت في نقص موارد المياه, الامر الذي دفع الحكومات إلى اللجوء لحلول قصيرة وطويلة الامد, ومن بينها اقامة السدود واستخدام التقنيات الحديثة في ري الزراعات وترشيد استخدام المياه بكل صورها ولاسيما مياه الشرب التي تتكلف عمليات تحليتها مبالغ طائلة . ولاشك ان التسرب احد اهم مصادر هدر المياه ويسبب اهماله اضرارا في الاملاك ونمو الفطريات, الامر الذي يتطلب اجراء عمليات الصيانة الدائمة لمواسير وصنابير المياه, وكذلك عدم الاسراف في استخدام المياه عند غسيل السيارات أو داخل الحمامات, أو المطابخ. وإذا كانت الدولة قد بذلت جهودا مضنية لتوفير مصادر المياه, فان الامر يتطلب من الجميع التعاون لترشيد استعمالها. في هذا الموضوع تطرح (البيان) كيفية مواجهة مشكلة نقص المياه وسبل الترشيد واستخدامها الاستخدام الامثل. مشكلة خطيرة يقول الدكتور فريد حسين الدرويش مساعد العميد لشؤون الطلبة ومدرس التربة والمياه بكلية العلوم الزراعية بجامعة الامارات ان مشكلة نقص المياه اصبحت مشكلة عامة لارتباطها بمسألة الغذاء خصوصا في ظل زيادة الطلب العالمي على الغذاء نتيجة النمو السكاني المتزايد في العالم. وتستهلك الزراعة مايزيد على 80% من الاحتياجات المائية, لذا فان ترشيد استهلاك الماء في هذا القطاع يلعب دورا هاما وحيويا في المحافظة على هذه الثروة الطبيعية. ويضيف: ان ما تحقق اليوم في قطاع الزراعة بدولة الامارات العربية المتحدة رغم الظروف البيئية القاسية يعد انجازا ضخما لم يحدث عالميا اذا ما نظرنا الى البيئة الصحراوية للدولة. لكن هذه الانجازات تهددها ممارسات الري العشوائي لدى كثير من المزارعين رغم ما توفره الدولة من تقنيات حديثة في هذا المجال لذا فانه يتوجب على المزارعين الوعي والادراك بخطورة هذه الممارسات وعليهم القيام بدورهم نحو المحافظة على هذه الثروة الطبيعية والمحافظة على ما تحقق من انجاز في هذا القطاع, اذ لم تعد ممارسة الزراعة تخضع لرغبة شخصية وانما اصبحت صناعة اساسية وهامة في الدولة ويجب علينا تعلم فن هذه الصناعة والعمل على تنميتها واستمرارها. ويستعرض الدكتور الدرويش بعض الخطوات الهامة التي اثبتت الدراسات العلمية جدواها في ترشيد استهلاك المياه والتي ينبغي علينا اتباعها عند ممارستنا للزراعة ويأتي على رأسها تطبيق المقننات المائية ويقصد بها الاحتياجات الفعلية للمياه والتي تنشأ نتيجة فقد الماء من النبات اثناء عملية النتح من التربة جراء التبخير وتتفاوت الاحتياجات المائية حسب مناخ المنطقة وحسب نوع وعمر النبات لذا فانه لا يمكن ان تكون معدلات الري المضافة تلبية لهذه الاحتياجات ثابته طوال العام صيفا وشتاء ولكل انواع المحاصيل الزراعية وطوال فترة نمو النبات حسب ماهو متبع ويمارس حاليا من قبل كثير من المزارعين لذا يتوجب على المزارع ان يتجه الى ذوي الاختصاص للتعرف على الاحتياجات المائية للمحاصيل التي يزرعها. ويأتي استخدام جداول الري: في المرتبة الثانية ضمن هذه الخطوات وهي تهدف لاعطاء النبات احتياجاته من الماء في اوقات منتظمة تعتمد على طبيعة التربة ومدى توفر الرطوبة بها ومعدل فقد الماء منها ويراعى في تصميم جداول الري ان لا تترك الارض لكي تجف كثيرا حتى لا يتأثر النبات ويقل الانتاج وفي نفس الوقت يراعى عدم الاسراف في الري وزيادة المياه باكثر مما تستوعبه التربة لان التربة لها حد لاستيعاب الماء ومازاد على هذا الحد فانه ينصرف بعيدا عن متناول النبات ويعتبر هذا الجزء من الماء المضاف ضائعا. وينصح مدرس التربة والمياه بجامعة الامارات المزارع ان يعمل على ايجاد جداول ري لكل محصول في مزرعته وان يحرص على تطبيقها لانها تضمن له الانتاج الامثل وكذلك تضمن الاستفادة القصوى من المياه المتاحة والمحافظة على هذه الثروة من الهدر. تقليل الفاقد ضرورة ويتطرق الى كفاءة الري ويقول انها تهدف الى الاستفادة القصوى من المياه المتاحة منها وتشتمل كفاءة الري على كفاءة سحب وتخزين المياه, كفاءة نقل المياه داخل المزرعة, كفاءة اضافة المياه الى النبات, واخيرا كفاءة امتصاص الماء بواسطة النبات وتزداد كفاءة الري كلما قلت الفواقد من الماء في كل مرحلة من هذه المراحل, ويضمن كفاءة الري الاستفادة القصوى من كل قطرة مياه ثم سحبها من باطن الارض ويمكن تحقيق هذه المشورة من خلال صناعة خزانات المياه وتغطيتها بمادة لا تسمح بتسرب الماء, نقل المياه داخل المزرعة بواسطة انابيب او قنوات مغلقة مع مراعاة التأكد دائما من عدم تسرب المياه من خلالها, استخدام شبكات ري حديثة مصممة بكفاءة عالية, تقليل فقد المياه من التربة وخصوصا تبخر الماء من سطح التربة عن طريق بعض الممارسات الزراعية مثل تغطية سطح التربة واضافة الماء في اوقات منتظمة وعدم الاسراف في الري. ويؤكد الدكتور فريد على ضرورة الالتزام بمعدلات الري المثلى ويشير الى ان الاسراف في الري عادة ينتج عنه اضرار للمحصول حيث اثبتت الدراسات ان لكل محصول معدل ري امثل بحيث ان الزيادة او النقصان عن هذا المعدل يؤدي الى خفض الانتاج وردائة النوعية بالاضافة الى الاضرار الاخرى المتمثلة في ضياع الاسمدة وعدم الاستفادة منها والاصابة بالامراض الفطرية والفيروسية الناتجة عن زيادة مياه الري مما يضطر الى استخدام المبيدات للقضاء على هذه الامراض. لذا فانه من مصلحة المزارع التحري عن معدلات الري المثلى وتطبيقها في مزرعته. كما يؤكد على اهمية النظرة الاقتصادية للري حيث يتباين انتاج المحاصيل الزراعية تبعا للظروف البيئية التي يعيش فيها النبات فنجد نباتا ما يعطي انتاجا غزيرا اذا ما زرع في منطقة معينة وقد يعطي انتاجا اغزر اذا ما زرع في تربة اخرى في نفس المنطقة ونجد احيانا نفس النبات يعطي انتاجا وفيرا باستخدام معدلات ري اقل اذا ما زرع في منطقة ما او تربة اخرى ويطالب بضرورة ان تؤخذ هذه العوامل بعين الاعتبار عند اختيار المحصول الزراعي بحيث يكون التوزيع على اساس النبات المناسب في الموقع المناسب والذي من خلاله يزداد الانتاج باستهلاك كميات مياه اقل. ويدعو مدرس التربة والمياه الى التوسع في استغلال المياه المالحة في الري حيث يختلف نمو وانتاج المحاصيل تبعا لملوحة مياه الري فهناك محاصيل تتحمل الملوحة العالية واخرى لا تتحمل الملوحة اطلاقا. لذا يجب ان يراعى اختيار المحاصيل الزراعية الملائمة للموقع بحيث لا تستهلك المياه العذبة وقليلة الملوحة في سبيل نباتات اصلا تتحمل الملوحة العالية, بل نحاول الاستفادة منها في زراعة المحاصيل الاقتصادية التي لا تتحمل الملوحة واستغلال المياه المالحة في زراعة النباتات التي تتحمل الملوحة. اهتمام رفيع المستوى ويقول احمد محمد اليبهوني مدير ادارة الانتاج الزراعي بدائرة الزراعة والثروة الحيوانية بالعين ان الدائرة تولي عملية توفير المياه اللازمة للري اهتماما بالغا وذلك تنفيذا للتوجيهات الكريمة لصاحب السمو رئيس الدولة الذي يولي القطاع الزراعي اهمية بالغة ويسعى جاهدا نحو نشر الرقعة الخضراء على اكبر مساحة ممكنة من الصحراء. وأضاف ان الدائرة وانطلاقا من هذه التوجيهات العليا تعكف الآن على اعداد مزيد من الدراسات والابحاث وفق اسس علمية بهدف ايجاد وسائل وآليات جديدة فاعلة لتوفير مياه الري وتقنينها وحمايتها من كل عوامل الهدر وفتح آفاق مستقبلية نحو مصادر اضافية جديدة لمياه الري وتدعيم وحماية المخزون الجوفي منها. وأكد مدير ادارة الانتاج الزراعي بدائرة الزراعة والثروة الحيوانية بالعين ان جهود الدائرة مستمرة ولا تتوقف عند حدود في هذا الاتجاه فهي تسعى دوما نحو تفعيل خططها وبرامجها الخاصة بالتوسع في انظمة الري الحديثة والتخلي عن تلك الاساليب التقليدية التي تضاعف من حجم الهدر في المياه وقد نجحت الدائرة بدرجة كبيرة في ذلك حيث تغطي شبكات الري الحديثة 70% من مساحات المزارع التي تشرف عليها الدائرة وفق الاحصائيات وتمضي الدائرة ولتحقيق هذه الغاية حثيثا في تنفيذ خطط وبرامج الارشاد والتوجيه التي يقوم بها المرشدون الزراعيون لرفع درجة الوعي لدى جمهور المزارعين وتبصيرهم بالابعاد المستقبلية الخطيرة المترتبة على الاسراف في استخدام مياه الري وانعكاسات ذلك السلبية على صحة التربة وجودة الانتاج. ويؤكد احمد اليبهوني اهتمام وحرص المسؤولين بالدائرة على التواجد والمشاركة بكل الفعاليات والمناسبات المحلية والعربية التي تبحث في كيفية مواجهة مشكلات نقص المياه وتوفير مصادر جديدة بديلة لمياه الري لمواكبة خطط وبرامج التوسع الزراعي في كل البلدان. صورة قاتمة الدكتور عبده سعود الاستاذ المساعد بقسم الانتاج النباتي بكلية العلوم الزراعية بجامعة الامارات يؤكد اهمية قضية المياه التي تعتبر من اكبر مشكلات القرن القادم التي ستدور حولها الحروب والصراعات خاصة في منطقة الشرق الاوسط, حيث بدأت بالفعل مؤشرات امكانية اندلاع هذه الحروب وتراجع معدل استهلاك الفرد من المياه كثيرا جدا عن معدله الطبيعي الذي حددته منظمة الفاو بألف متر مكعب سنويا. ويضيف: هناك مشاكل كبيرة قادمة في القرن المقبل فالكثافة السكانية تتضاعف والرقعة الزراعية محدودة وتنفيذ خطط وبرامج التوسع الزراعي يقابلها احتياجات مائية اضافية جديدة ومن هنا لابد من الاتجاه الى مصادر جددة بديلة ولا بد من تقنين استهلاك المياه في الاستخدامات المختلفة. ويرسم الدكتور سعود صورة قاتمة لمستقبل المياه في منطقتنا العربية في ضوء المعطيات الراهنة فمصادرنا تنحصر في ثلاثة الامطار, الانهار, والمياه الجوفية.. واذا نظرنا للامطار التي تهطل على بلادنا نجد انها قليلة ومحدودة تتفاوت بين موسم وآخر ولا يمكن التعويل عليها في توفير مياه الري.. اما الانهار الموجودة ببعض بلادنا العربية فمصادرها ومصباتها للاسف توجد خارج الحدود في نطاق دول اخرى, يجب ان ننسق ونتعاون معها في هذا الجانب.. فلابد من اتفاقيات ملزمة لهذا التعاون ولتحديد حصص عادلة لكل من الاطراف المشاركة باحواض هذه الانهار.. ولكن الواقع الآن يشير الى ان كل من هذه الاطراف يحاول من جانبه الاحتفاظ بقدر اكبر من المياه على حساب الاطراف الاخرى. ويؤكد الدكتور سعود على ان المياه الجوفية اخذة في النصوب ومناسيبها تمضي نحو الانخفاض والزيادة في الملوحة.. ومن هنا تأتي اهمية ان تكون المشاريع الزراعية الجديدة مدروسة مسبقا وبعناية كبيرة في ضوء المدى الاستراتيجي لهذه المياه. ويرى الدكتور سعود ضرورة تكثيف الجهود وتضافرها لمواجهة هذه المعضلة الكبيرة وتقليل اثر شح المياه على الزراعة ومشروعاتها المستقبلية الطموحة ويعول في هذا كثيرا على الهندسة الوراثية بغية استنباط نباتات جديدة مقاومة للملوحة وللجفاف.. كما يركز على تقنيات الري الحديثة ويقول انها مهمة جدا في ترشيد المياه وان دولة الامارات سبقت كثيرا في هذا المجال. ويطالب بدراسات وابحاث اكثر دقة وشمولية لكافة المحاصيل الزراعية واحتياجاتها من المياه في كل المناطق حتى يمكن استخدام المياه بكفاءة عالية جدا وتقليل معدلات الهدر الكبيرة فيها.

Email