د. زهيرة عابدين... مؤسسة كلية طب البنات في دبي: أم الأطباء المصريين... أحب الألقاب إلى قلبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدكتورة زهيرة عابدين هي أول طبيبة مصرية تلتحق بهيئة التدريس بالجامعة المصرية, وأول طبيبة عربية مسلمة تمنحها كلية الأطباء الملكية بلندن درجة الزمالة وتكاد تكون الوحيدة .. والطبيبة الوحيدة في مصر الحاصلة على عضوية كلية الأطباء الملكية بلندن منذ عام 1948 .. والطبيبة الوحيدة التي نالت الدكتوراه الفخرية في العلوم الطبية من جامعة ادنبره بانجلترا على مستوى العالم عام ,1980 حيث لم تمنح هذه الدرجة منها إلا لطبيب أمريكي جراح أعصاب. كما انها الطبيبة العربية الوحيدة التي منحت جائزة (اليزابيث نورجل) العالمية من النادي النسائي الدولي عام ,1992 وكانت المرأة الشرقية الوحيدة التي منحت هذه الجائزة. والدكتورة زهيرة أستاذ طب الأطفال ومؤسسة جمعية أصدقاء روماتيزم القلب هي أيضاً مؤسسة كلية طب البنات في دبي وتتمتع بلقب العميدة الشرفية للكلية مدى الحياة. (البيان) التقت الدكتورة النابغة زهيرة عابدين في الطابق الأخير من العمارة التي تملكها في ضاحية الزمالك قرب منيل القاهرة لتسترجع شريط الذكريات الذي يزيد طوله على 75 عاما من الطموح والنبوغ. * سألناها عن فترة الطفولة وبداية مشوارها مع العلم؟ فأجابت: ولدت في عائلة ارستقراطية من كبار العائلات المصرية وكان والدي حسين عابدين باشا عضوا بمجلس الشيوخ يتمتع بحس اسلامي عميق, رغم انه حصل على دراساته العليا بالحقوق في فرنسا, ورسخ والدي في أعماقي حب الاسلام والتدين الذي لازمني طوال حياتي, وتعودت على صلاة الفجر يوميا وكان عمري خمس سنوات وكنت أحفظ القرآن منذ طفولتي حتى انني عندما التحقت بمدرسة تبشيرية اسمها على ما أذكر (سانت ميري) أدخلوني في إحدى الحصص مع الأطفال كنيسة المدرسة لتأدية طقوس الصلاة والاستماع للتراتيل التي تتلوها الراهبات, الا انني وجدت لساني قد انعقد عن النطق وقلبي انقبض بشدة وشعرت بكره شديد لهذه المدرسة, وطلبت من والدي ان يلحقني بمدرسة أخرى لأنني لن أذهب لهذه المدرسة مرة أخرى, واستجاب والدي لرغبتي وألحقني بمدرسة السنية ثم مدرسة الأميرة فوزية العربية والتي كانت تبعد كثيرا عن بيتنا وكانت والدتي قد توفيت في تلك المرحلة, الا ان والدي عوضني بعطفه وحنانه عليَّ وذهب الى خالتي التي يقع بيتها أمام مدرسة الأميرة فوزية. واذكر انني في مدرسة السنية الابتدائية لم أنقطع عن أداء الصلاة بالمدرسة مع إحدى المدرسات التي تعلقت بها كما انني كنت أصوم وأشعر بسعادة بالغة لقدرتي على الصيام في هذه السن. وتواصل الدكتورة زهيرة حديثها قائلة انها كانت في مدرسة الاميرة فوزية تسعى لمواصلة ما اعتادت عليه في مدرسة السنية الابتدائية الا انها لم تجد مكانا للصلاة في المدرسة فلم تمنعها شجاعتها من طلب توفير مكان للصلاة هي وزميلاتها, واستجابت الناظرة وسمحت لهن بتنظيف احدى الحجرات في جانب من فناء المدرسة واتضح انه كان مسجدا ولكنه اغلق واعيد افتتاحه واصبح المسجد شعلة نشاط من صلاة ودروس تحفيظ وتجويد قرآن. وبدأت أدعو الضيوف من مدرسي اللغة العربية ومن علماء الازهر وكانت ادارة المدرسة سعيدة جدا بهذا النشاط ودعمته. وتضيف: تولدت لدي رغبة عارمة في التهام الكتب الاسلامية العامة عام 1936 على عموم القطر المصري والتحقت بكلية الطب, واخترت نفس الطريق بعيدا عن الاختلاط بالطلبة والتفت حولي بعض الطالبات وكان لنا مجتمعنا المستقل, وحققت تفوقا ملحوظا ولم تقل تقديراتي في جميع سنوات الدراسة عن الامتياز حتى حصلت على البكالوريوس, مع ملاحظة انني كنت الفتاة الوحيدة الملتزمة بالمظهر الاسلامي وهو الحجاب الذي كان غريبا في تلك الفترة. وجاء فارس احلامي الشاب المتدين المهذب الذي اختاره قلبي بعد ان تقدم لخطبتي فوافقت وهو الدكتور ابو الفضل وسافرنا سويا الى لندن لمواصلة الدراسة العليا وحصلت في تلك الفترة على العضوية بكلية الاطباء الملكية بلندن عام ,1948 ثم حصلت على الدكتوراه من جامعة ادنبره بعد ذلك, حتى عدت لأبدأ مشوار العطاء للبلد الذي شربت من نيله ولاقدم ما استطيع لارضي ربي واخدم اهلي. تأسيس طب المجتمع * حصلتم على العديد من الجوائز العالمية فما هو نصيبكم من الجوائز والتكريم داخل وطنكم الأصلي مصر؟ ــ بفضل الله كنت من المكرمين طوال حياتي العلمية والعملية بتوفيق الله لي وليس بشطارتي.. فكنت أول من حملت راية خدمة المجتمع بعد عودتي من أوروبا ورصدي لدور الأطباء في هذه المجتمعات الغربية.. فكان ذلك بمثابة ولادة التفكير في وجود طب يهتم بمسببات المرض ولا يقف دور الطبيب وأستاذ كلية الطب عند العلاج فقط. وعلى الفور تكونت مجموعة من الاطباء المؤمنين بذلك تحت اشرافي, وبالتنسيق مع أساتذة الطب في مصر أنشأنا طب المجتمع ووضعنا مناهجه التي درستها كل جامعات مصر. ونلت تقدير الجميع في مصر وخارجها ومنحتني جامعة القاهرة لقب استاذ كرسي طب المجتمع, ونظرا لذلك كان لمصر الاسبقية في ميدان هذا الفرع من العلوم الطبية في العالم كله. جوائز ... وأوسمة وحصلت على وسام الدولة الذهبي نظير خدماتي التطوعية للمجتمع في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي سلمني الوسام بيديه في احتفال كلية الطب بالقصر العيني بالعيد المائة والخمسين لانشائها. كما سلمتني حرمه السيدة جيهان السادات درع الجمعية المثالية لــ (جمعية أصدقاء مرضى روماتيزم القلب) من بين الجمعيات الخيرية بالدولة. كما منحتني الدولة الجائزة العلمية التقديرية في عام 1996 في العلوم الطبية التطبيقية وتبرعت بقيمتها لأوائل الخريجين المتميزين في طب الاطفال والدراسات العليا. أم الأطباء المصريين * لقب (أم أطباء مصر) من أحب الألقاب إلى الدكتورة زهيرة عابدين.. ما هو السر في ذلك؟ ــ هذا اللقب كان بمثابة مفاجأة لم أتوقعها أبدا, إلا انني فوجئت به في أحد الاحتفالات السنوية بالأم المثالية بدعوة من نقابة أطباء مصر في عام 1990, ولم أكن أتوقع ان اسمي من بين المكرمات حتى سمعت اسمي وهم يدعونني لتلقي جائزة في هذا الحفل الذي حضرته السيدة حرم الرئيس, سوزان مبارك ووزيرة الشؤون الاجتماعية الدكتورة آمال عثمان, وقلدتني حرم الرئيس براءة هذا اللقب بنفسها في هذا الحفل ومن يومها وأصبح له قيمة كبيرة في نفسي لأنه يذكرني برحلة العطاء الطويلة لأجل مصر وشعبها الطيب. تأسيس طب بنات دبي * لم يتوقف عطاء الدكتورة زهيرة عابدين على مسقط رأسها مصر وانما امتد إلى الدول العربية وبخاصة الامارات العربية المتحدة.. فما هي ملامح هذا العطاء؟ ــ دولة الامارات العربية من الدول العربية التي شعرت فيها بارتياح شديد ولمست طيبة ووفاء أهلها, ويجسد ذلك سمو الشيخ زايد الرجل الخيّر الذي يدعم أعمال البر في كل مكان لا سيما مصر, وكان من فضل الله ان اتيحت لي الفرصة للعمل في دولة الامارات بناء على رغبة أهلها فكان ذلك في منتصف الثمانينات, وقمت على الفور بتأسيس أول كلية طب متطورة للبنات عام 1986, بعد ترحيب جميع المسؤولين على المستوى السياسي والعلمي في الامارات. فعكفت على وضع مناهج (كلية دبي الطبية للبنات) وتوليت مهام العمادة وادارة الكلية طوال سبعة أعوام متتالية نالت خلالها الكلية تقديرا عالميا من الهيئات الطبية العلمية بانجلترا وأمريكا والصحة العالمية, وقد خرجت الكلية مئات الطبيبات المشهود لهن بالكفاءة. وبالرغم من انني تركتها منذ فترة إلا انهم تمسكوا بي كعميدة شرفية للكلية طوال حياتي وذلك يجعلني أزور الكلية لأشد على أيدي القائمات على أمرها من حين لآخر من باب الوفاء لهؤلاء الأوفياء. صحة الطفل.. والمدارس الإسلامية * جمعية اصدقاء مرض روماتيزم القلب للاطفال من الجمعيات الخيرية التي تركت بصمات مضيئة في الحياة الطبية المصرية تحت رئاستكم.. نريد القاء الضوء على هذه البصمات؟ ــ تأسست هذه الجمعية عام 1957 لمواجهة انتشار أمراض القلب بين الأطفال المصريين وكان من باكورة أعمالها إنشاء مركز القلب والروماتيزم بالهرم كمركز رئيسي وافتتحت فروع له ملحقة بالجامعات الاقليمية بكل من اسيوط وطنطا والزقازيق والمنصورة والاسكندرية ثم قامت الجمعية بحملة واسعة النطاق على مستوى القطر المصري بالتعاون مع وزارة الصحة لمكافحة مرض روماتيزم القلب, فكان بفضل الله علينا نتيجة هذه الجهود أن تغيرت معالم روماتيزم القلب في الاطفال وانخفضت نسبة حالات القلب الشديدة الوطأة في مصر خلال العقود الأخيرة من 50% الى 4% بفضل الله ورحمته. كما أنشأت معهد صحة الطفل المكون من عشر طوابق بضاحية الدقي بالعاصمة القاهرة بهدف رعاية الطفولة ووقايتها من امراض ما قبل سن الرابعة وعلى رأسها امراض سوء التغذية والنزلات المعوية والجفاف الشائعة بين المعوزين من ابناء الوطن.. علاوة على انشاء مدارس الطلائع الاسلامية بهدف تنشئة جيل للأمة على العلم والايمان حيث نصت لائحتها التعليمية على اهتمامها الخاص بالتربية والأخلاقيات في المعاملات المستمدة من الايمان بالله تعالى, واليوم للجمعية مدرستان شامختان احداهما بالدقي وبها 1750 طالباً وطالبة والاخرى بضاحية مصر الجديدة وتضم 1653 طالبا وطالبة, وتعمل المدرستان منذ اكثر من ربع قرن من الزمان, وكانت الطلائع الاسلامية باكورة المدارس الاسلامية في مصر وفاتحة الخير في هذا المجال في مواجهة المدارس التبشيرية. * تسلمتم جائزة (اليزابيث نورجل) العالمية من النادي النسائي الدولي عام 1992 عن نشاطكم في جمعية الشابات المسلمات... فما هو نشاطكم في هذه الجمعية؟ ــ اسندت وزيرة الشؤون الاجتماعية اليّ رئاسة جمعية الشابات المسلمات بعد ان تعقدت الامور بها وتعثرت مسيرتها وتكاثرت عليها الديون وبعد دراسة وافية استخرت الله واستعنت به فهيأ لي سبحانه فريقا من المخلصات اللائي حملن معي هذه الجمعية على اعناقهن ووفقنا الله في أول الامر لبناء دار الحسين المكونة من 4 طوابق امام جامعة الازهر استقرت فيها الجمعية لتقديم خدماتها للحي الذي انشئت فيه من خلال حضانة للاطفال ومشغل لتعليم بنات الحي التفصيل والحياكة والتطريز والذي يخرج سنويا 100 فتاة, الى جانب عيادة طبية شاملة وجميعها انشطة خيرية غير استثمارية بأجور رمزية للغاية. كما انشأنا دار الطالبات الجامعيات المغتربات من خارج القاهرة كما توجد دار اخرى للطالبات المعوزات والمغتربات تعمل منذ 1962. اضافة الى مدرسة طلائع بورتوفيق الاسلامية للغات والتي تضم 600 طالب وطالبة وصلت الى المرحلة الثانوية العامة وتمارس رسالتها منذ عقد من الزمان, وانشئت بالتوازي مدرسة 6 اكتوبر الاسلامية للغات وهي في بداية مشوارها. كما ترجمت الجمعية ثقة اهل الخير والبر في نشاطها الخيري في صورة مشروع كبير للقطاء واليتامى بدأته بانشاء دار ايواء يتسع لأكثر من 100 طفل وتمضي في تقديم خدماتها الاجتماعية والانسانية لهذه الفئات ونحن في طريقنا بدعم اهل الخير للانتهاء من بناء مدرسة ودار تدريب ومسجد كبير لخدمة هؤلاء في المستقبل. وصيتي أن أدفن في البقيع ــ بعد أن اقترب العقد السابع من الانتهاء.. ما هي خطتكم المستقبلية في مجالات الأعمال الخيرية؟ * لقد أنعم الله عليّ بالصحة والعافية بعد أن لازمني المرض طيلة السنوات الأربع الأخيرة وكنت أمضي اسبوعا بحالة طيبة وبضعة أشهر في فراش المرض.. ولكنني أشعر بتحسن شديد هذا العام ولذلك فقد عقدت العزم على البقاء في أرض الله الحرام وحول الكعبة المشرفة لكي أقضي ما تبقى من عمري في رحاب الله حتى ينعم عليّ بلقائه وأنا حول الكعبة. وقد أوصيت أن أدفن بالبقيع بجوار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يمنعني ذلك من النزول إلى القاهرة بين الحين والآخر كل فترة لكي أتابع سير الجمعية والمدارس وغيرها من المشروعات الخيرية والتي تركتها لأهل الخبرة من أبنائي الأمناء يديرونها تحت اشراف وزارة الشؤون الاجتماعية. القاهرة ــ مكتب البيان

Email