في خيمة سيف بن سويدان الرمضانية بالهير: قضايا التراث وتواصل الأجيال تفرض نفسها على جلسة الحوار

ت + ت - الحجم الطبيعي

للخيم الرمضانية في القرى والمناطق النائية نكهة وعبق خاص لانها تجسد حرص واهتمام الأهالي فيها باحياء التراث والتواصل مع ماضي الآباء والأجداد الذين يفتخرون ويعتزون به كثيرا لانه يعد بالنسبة لهم النبراس الذي ينير لهم الطريق في عصر تبدلت فيه الأحوال والظروف وطغت فيه الحياة المادية على العلاقات الإنسانية التي تربط بين الناس . وتعتبر خيمة المواطن سيف بن سويدان الكتبي بمنطقة الهير التي تبعد 40 كيلو مترا تقريبا من العين على الطريق الرئيسية التي يربطها بدبي إحدى تلك الخيم الرمضانية التي تفوح منها رائحة التراث ليس فقط من حيث الخيمة قريبة الشبه من تلك الخيام التي كان يسكنها الأجداد بل قياسا بالدور الذي تقوم به باتاحة الفرصة للتواصل بين الأجيال وتبادل الخبرات التي ينقلها كبار السن إلى الشباب وتحبيبهم في التمسك بالتراث وبضرورة الحفاظ عليه وحمايته من الاندثار. (البيان) زارت في اطار حرصها على مشاركة الأهالي بهذه القرى والمناطق البعيدة سهراتهم الرمضانية التراثية خيمة سيف سويدان وشاركت الأهالي من الحضور حواراتهم ونقاشاتهم التي تركزت في معظمها على التراث ومدى أهميته للأجيال للتعرف على تاريخ الآباء والأجداد وحول القضايا والأمور الحياتية التي تهم أبناء الهير والقرى والمناطق المجاورة. كما لم تخل الحوارات من استعراض قضايا الساعة خاصة تلك الساخنة التي تدور من حولنا.. وكان طبيعيا أن يبدي بعض رواد الخيمة من الشياب والشباب أسفا لحالة الشعب العراقي الشقيق. جو مفعم بالتراث في البداية لفتت الخيمة بطابعها التراثي القديم الانتباه حيث تمت اقامتها على أحد الكثبان الرملية (عرقوب) بمنطقة خلوية مرتفعة يتناثر بها عدد من الفلل والمنازل الحديثة هنا وهناك وبالاضافة إلى مكوناتها التي تضمنت سعف النخيل والعريش أضفت محتويات الخيمة كالدله والقهوة والتمر والجو العام الذي أحاط بالجلسة على الرمال مزيدا من عناصر التشويق والاعتزاز بتراث الأجداد وامعانا في هذا الجو المفعم بالتراث حرص الجميع على أن يكون طائر (الصقر) موجودا بالخيمة باعتباره أحد الرموز المهمة لاعتزاز وفخر أبناء الامارات بتراثهم القديم الخالد. صاحب الجلسة الرمضانية سيف سويدان أكد في بداية الحوار على أن اهتمام الأهالي في الهير بالتراث وحرصهم على احيائه يأتي استلهاما للتوجيهات الكريمة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله بضرورة احياء تراث الأجداد والحفاظ عليه وحمايته من الاندثار وتعريف الأجيال الجديدة بمآثر الآباء والأجداد وقصص كفاحهم ضد كل الظروف القاسية والصعبة والاسترشاد بتجاربهم في الحياة والخروج منها بالعظات والعبر التي تفيدهم في حاضرهم ومستقبلهم. ويضيف ابن سويدان ان خيمته الرمضانية تأتي امتدادا للعادات والتقاليد التي يحرص عليها أبناء الامارات خاصة خلال الشهر الفضيل حيث يسعى الأهالي والأقارب والأصدقاء إلى التواصل والتراحم فيما بينهم تأسيا بالقرآن الكريم وتماشيا مع روح الإسلام الذي يدعو إلى نشر روح الألفة والمحبة والتعاطف بين المسلمين. ويشير هنا إلى أهمية مثل هذه الجلسات الرمضانية في تصفية النفوس ولمّ الشمل ومناقشة بعض الأمور التي تهم الأهالي بالقرية وبالقرى والمناطق القريبة الذين يأتون لتبادل الزيارات والسلام والوصول إلى السبل الكفيلة بالتعامل معها وتحقيق المصلحة العامة المرجوة. ويستطرد قائلا: انه وفوق هذا وذاك فإن الحديث عن تلك الانجازات الكبيرة التي حققها أبناء الامارات خلال فترة زمنية وجيزة في ظل قيادتهم الرشيدة في كل الميادين والمجالات تعتبر هي القاسم المشترك لكل تلك الأحاديث والحوارات التي تدور في سهراتهم الرمضانية بالخيمة حيث تجري دائما المقارنات بين ما كان عليه حال الآباء والأجداد وما آل إليه الحال الآن وهو ما يعد موضع فخر واعتزاز أبناء الامارات جميعا الشياب والشباب على حد سواء. بين الأمس ... واليوم ويلتقط المواطن علي الكتبي خيط الحديث ويعود بنا إلى الوراء ليرسم لنا صورة سريعة معبرة لتلك الحياة التي عاشها الأهالي بالهير خلال العقود الأخيرة التي سبقت قيام الاتحاد حيث كانت الحياة غاية في الصعوبة والقسوة, كابدوا كثيرا من أشكال المعاناة في اطار سعيهم في الرزق لتأمين قوت يومهم لهم ولأولادهم. ويستعرض الكتبي بعضا من تلك الذكريات التي ما زالت ماثلة رغم مرور تلك العقود الطويلة ويذكر هنا كيف كانت القهوة والتمر والعيش بالاضافة إلى لبن البوش تمثل عناصر الغذاء الأساسية للأهالي الذين كانوا (يكدون) على الجمال التي كانت تحملهم ومعهم كميات من (السخام) والخشب والحطب إلى العين ودبي وأبوظبي في رحلات مستمرة حيث يعودون وبحوذتهم التمر والعيش والقهوة بكميات لا تكاد تسد لديهم الرمق. وعلى الرغم من تلك الطفرة والنقلة النوعية الهائلة التي حدثت وشملت كافة مناحي الحياة بمجتمع الامارات الا ان المواطن علي الكتبي يأسف على هذا التواصل المفقود بين الناس.. فالدنيا ألهت الناس ولم يعد التواصل كما كان. (العرقوب) ... والعادات القديمة ويتناول الحبروت سلطان بن ساري بعضا من العادات والتقاليد الرمضانية القديمة ويروي كيف كان الأهالي يحرصون على الالتقاء في (العرقوب) أو في (الحظيرة) للسهر والتسامر وسط ظروف تختلف كلية عن الآن فلم تكن هناك كهرباء في ذلك الوقت أو أجهزة تكييف وقد كان الأهالي يضطرون خلال هذه الفترة إلى لف أجسامهم (بالشاور) وهي تشبه الملاءة بعد أن يبللوها بالماء وذلك للتخفيف من أثر درجات الحرارة والرطوبة العالية على أجسامهم. ويوصف الحبروت مظاهر الفرحة والبهجة التي كانت تسيطر على الأهالي قديما عندما يستقبلون شهر رمضان الفضيل أو عند حلول العيد ويؤكد هنا على ان رؤية الهلال المجردة هي الفيصل في ثبوت الشهر ووجوب الصوم أو في ثبوت العيد الذي كان عندما يأتي يخرج الناس للتزاور بعد أن ينحروا الذبائح لتبادل التهاني بالعيد رغم الظروف المعيشية الصعبة حينذاك أما الآن فكل شيء تغير (الله يطول عمر زايد) .. فكل شيء متوفر وكل شيء موجود. وبتوافد المزيد من الأهالي إلى الخيمة الرمضانية بالهير يتواصل الحوار ويتشعب في ظل أجواء رمضان والتراث ويأخذ مهير ابن سعيد الكتبي طرف الحديث ويقول ان هذه الجلسات الرمضانية الطيبة هي في الواقع تقاليد وعادات قديمة درج عليها أبناء المنطقة وصارت جزءا منهم. ويضيف: لقد كنا نسير زمان لمسافة خمسة كيلو مترات أو عشرة كيلو مترات لكي نزور الأهل والأقارب ونتبادل معهم التهاني في الأعياد والمناسبات وأحيانا نركب الجمال ونسير ساعات طوال عبر دروب الصحراء الوعرة بهدف صلة الرحم والتواصل مع الأهالي والجيران.. فالمسلم للمسلم.. كما تعلمنا من ديننا الإسلامي الحنيف. ويتابع مهير بن سعيد: ان التواصل بيننا كبار السن وبين الأبناء الشباب من خلال هذه المناسبات أمر ضروري وهام لتقديم النصح والارشاد لهؤلاء الأبناء بالتحلي بالخلق القويم وبأن يكونوا دوما اهلا للمسؤولية بالترفع عن الهفوات والبعد عن السلوكيات غير المحمودة التي ينساق فيها قلة من الشباب خاصة تعاطى المسكرات واللهو والعبث بالسيارات على الطرقات مما يعرض حياتهم وحياة الاخرين للخطر.. وان يقتبسوا من الاباء والاجداد الذين ضربوا اروع النماذج في الكفاح من اجل انتزاع لقمة العيش القدوة الحسنه. اخبار الهجن والسباقات ويتحدث راشد سويدان الكتبي عن هذا الجو المفعم بالتراث الذي يغوص فيه ابناء الهيرمن خلال تلك الخيمة طوال ايام شهر رمضان ويقول ان كون معظم الاهالي بالمنطقة يعملون في تربية وتدريب جمال السباق فان الحوار الذي يغلف هذا الجو الرمضاني غالبا ما يصب في هذا الاتجاه خاصة في مثل هذه الايام التي تتزامن مع موسم سباقات الجمال حيث يتبادل الاهالي في الخيمة اخبار السباقات والفائزين والجوائز التي حصدت واحوال الهجن وتوقعاتهم للسباقات اللاحقة وتقديراتهم الخاصة بكل سباق. ويضيف ابن سويدان ان سيطرة (حديث الهجن) على لغة الحوار السائدة في هذا الجو الرمضاني من شأنها ان تنمى في نفوس الحضور من الشباب روح الانتماء لتراث الاباء والاجداد وتجعلهم اكثر حرصا وغيره على هذا الماضي الثمين واكثر استعدادا لحمايته والدفاع عنه باعتباره نقطة الانطلاق الاولى لهم نحو حاضرهم المشرق ومستقبل اكثر اشراقا. ولا يختلف نايع محمد ضحى مع الذين ذهبوا الى القول بأهمية مثل هذه الجلسات الرمضانية التراثية في تعليم الشباب وتوجيههم وتوعيتهم بضرورة التمسك بعادات وتقاليد المجتمع باعتبارها من التراث الذي يستوجب حمايته وبالتعامل بنوع من اليقظة والحذر مع تلك العادات والانماط الاستهلاكية الجديدة الوافدة التي افرزتها هذه الطفرة المادية التي يعيشها الآن. التواصل مع الجيران اما سهيل الزفنه الحارسوسي فيقول انه يحرص غالبا على الحضور يوميا من منطقته القريبة من الهير للتزاور مع الاهل والاصدقاء هنا في هذه الخيمة التراثية خلال ايام الشهر الفضيل وذلك تماشيا مع عاداتنا وتقاليدنا الاصيلة التي تحث على ضرورة تواصل الآباء مع الابناء من باب تواصل الاجيال لنقل الخبرات والتعريف بموروثات المجتمع. ويضيف الحارسوسي: ان جلساتنا تلك التي نعتز بها كثيرا خاصة في رمضان والاعياد والمناسبات تمثل اهمية خاصة لنا كبدو نقطف من المناطق الصحراوية لانها تساهم كثيرا في ايجاد البيئة والظروف المواتية للتشاور وتبادل الرأي في كافة امورنا الحياتية الداخلية ومناقشة المشكلات والهموم المشتركة وحل الخلافات الاخوية البسيطة المعارضة التي تنشأ لسبب او لآخر بين البعض وتصفية النفوس وسط جو تسوده المحبة والمودة والاحترام. تفاعل مع القضايا الساخنة وعلى الرغم من الصيغة التراثية البحتة التي غلفت الخيمة الرمضانية بالهير والتي طغى فيها الحديث عن التراث الا ان الشباب الاربعة سالم راشد سويدان وشقيقه سلطان, محمد حمود بن ميرين وخلفان سيف اخرجونا بحواراتهم ونقاشاتهم قليلا عن حدود ماضي الاباء والاجداد وذلك بما ابدوه من اهتمام وتفاعل كبير مع بعض القضايا التي تموج بها الساحة المحلية والاقليمية وقد بدأ هذا التفاعل واضحا من خلال التفاف الشباب حول جهاز التلفزيون بالخيمة لمتابعة الاخبار والتقارير التي قد تأتي من هنا او هناك. ويقول سالم راشد الذي يعمل مديرا لفرع بلدية العين بالهير: يجب بداية ان نرفع بهذه المناسبة الكريمة اسمى آيات التهاني والتبريكات الى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة واخوانه اصحاب السمو واعضاء المجلس الاعلى حكام الامارات والى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة والفريق اول سمو الشيخ محمد بن راشد آل المكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع. ويضيف ان الشباب الواعي المتعلم لابد ان يكون حريصا على التعرف وعن كثب على تراث الاباء والاجداد.. ومن هنا يأتي حرصنا على اقامة واحياء هذه الجلسات للاستفادة من تجارب وخبرات كبار السن في هذا المجال تجسيدا للقول المأثور من ليس له ماض لا حاضر له. وعلى صعيد القضايا المحلية التي ابدى الشباب تفاعلهم معها من بعض القضايا المطروحة الآن قضية التوطين وبهذا الصدد نالت حملة البيان حول التوطين بالقطاع المصرفي الاشادة والثناء وفي هذا اتفق كل من سلطان سويدان وخلفان سيف علي وجوب اتخاذ مزيد من الخطوات الايجابية الفاعلة للمضي قدما في هذا الاتجاه لرفع نسبة التوطين ليس بالمصارف فقط بل في كل مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص لايجاد فرص العمل لابناء وبنات الوطن والتي تتفق مع مؤهلاتهم وخبراتهم وذلك في اطار استراتيجية واضحة ومدروسة بعناية ودقة لتجاوز اي انعكاسات سلبية قد تترتب على الاندفاع غير المقنن في هذا الاتجاه. شغوف بالتراث ويعتبر الشاب محمد حمود بن ميرين من اكثر الشباب الذين لفتوا انظارنا داخل خيمة التراث الرمضانية بالهير لشغفه وولعه الشديد بالتراث وبكل ما يتصل بالتراث.. فقد كان محمد مرافقنا خلال رحلة الذهاب والعودة من الخيمة التي تقع في عمق الصحراء وخلال هذه (الرفقة) وجلوسه معنا في الخيمة لم ينقطع حديثه عن التراث.. وقد بدا ذلك الاهتمام واضحا عندما حرص ابن ميرين ان يعرج بنا ونحن داخل سيارته على منزله الذي يبعد عن الخيمة بضعة كيلومترات ليصطحب معه احد الصقور التي يربيها الى الخيمة ويمارس حمود هواية تربية الصقور والصيد بها وكذلك لديه اهتمام كبير وواسع بتربية ورعاية (الركاب) والمشاركة في السباقات.. ويعبر هنا عن سعادته البالغة بهذه الاهتمامات التي تجسد الاهتمام وحرص صاحب السمو رئيس الدولة بالحفاظ على التراث واحياء ماضي الاجداد. تغطية : محسن البوشي

Email