بعد التحية:بقلم-د. عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

رمضان ضيف كالطيف يعبر دواخل نفوسنا وهو أحب شهر إلى قلوبنا حين حلوله, كل الأشهر تغبطه وتتمنى ان تكون رمضان وكل الصائمين يتمنون ان تكون السنة كلها رمضان . ولكن سنة الله سبحانه وتعالى في كونه تأبى الا التميز, فهذا الشهر الكريم هو تاج ناصع على رأس جميع شهور السنة وعلى هذا الاساس علينا التعامل معه. فهو شجرة عابر سبيل نستظل بظلها, فهو بحق شهر الظل سواء بسبب اغلاق أبواب الجحيم وتكبيل الشياطين التي تسرح وتمرح في شدة الحر لأنها تهوى الحرور ولا تطيق الظل البارد والشراب, وقدومه علينا في هذه السنوات التي توافق فصل الشتاء يضيف الى طبيعته ظلا ظليلا بعيدا عن وهج سموم الصيف القائظ. شهر يبعد عنا الرمضاء اذا ما أحسنا وفادته وأدينا حق ضيافته فالفقر يزداد فيه بعدا بمسافات والغنى يقترب من الفقراء بتلك المسافات, فلا يشعر فيه الفقير بفقره لأن أهل السعة يسعون لاسعاده قبل ان يسأل الناس إلحافا وحفاظا على تعففه من ذل الطلب أعطوه أو منعوه. فيه راحة النفس من تعب اللهاث وراء الدنيا في تقلب الليل والنهار, فالإمساك عن الخنا واللغو والرفث فترة زمنية بمثابة دورة تدريبية تعين من يود مواصلة هذه السيرة في بقية أيام السنة, لأنها في النهاية هي أيام الله. من استطاع في هذا الشهر ان يبتعد عن محارم الله فقد نجح في اختبار لغلبة الخير في النفس البشرية على الجانب الآخر الذي يمثل بينهما صراع الأبد. هذا الشهر بيننا وبينه عهد دائم فكلما اقترب شعبان, فلسان حال المسلمين يلهج بالدعاء (اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان) وفي طيات هذا الدعاء خوف ورجاء, الخوف من انتهاء العمر والرجاء في امتداده من أجل الاستمرار في طريق الخير. العيون ترفرف طربا وشوقا للقياه قبل فوات الأوان والتحري عن هلاله في كل عام دليل قاطع على عدم الصبر عنه مهما كانت السماء غائمة والجو مشحون بالرياح العاتية, فالواجب المحتوم السعي لحسن استقباله قبل حلوله الى ساعة نزوله بالدار. ولأنه شهر المحبة والسلام وهو الحبيب المحبب ولا يشكو منه الا جاهل بمقامه ولا يتأفف من ضيافته الا ثقيل النفس والدم ومن لم يستفد أبدا من مؤثراته. ومن يرفض هذه الرحمة المهداة على طبق من نور الى كل المؤمنين بهذه الفريضة السمحاء, فهو محروم من النعمة المنزوعة والمطرودة من قلبه, فالحجر الأصم منه أرحم. فالتقشف في هذا الشهر غير محمود والاسراف بالخير فيه رأس السناء وقمة الأخلاق والاستمرار في العطاء منقطع النظير هو الأصل ولا يتبرم من هذا الا من قل فقهه وأدبه مع أفضل ضيوف الرحمن, فهل نعي جيدا هذه الحقائق الساطعة ونعيش في كنف هذا الطيف العابر في وئام.

Email