بعد التحية:بقلم-د. عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك أنواع من الجرائم تتحول مع مرور الأيام الى الادمان لدى متعاطيها وعلى رأسها المخدرات والخمور وتوابعهما , ولكن هل ينطبق هذا القول على جرائم القتل والسرقة وانتهاك العرض والتعدي على ممتلكات الآخرين في شتى صورها والمئات والآلاف من الجرائم التي يصعب حصرها؟. ويبدو ان الجريمة المعتادة تبدأ من السلوك الاولي البسيط والذي لا يمكن ملاحظته او حتى الصاقه وتصنيفه ضمن مفردات الجريمة ككلمة كبيرة وعامة. فنضرب مثالا بالسرقة التي قد تبدأ بدرهم او درهمين من خلال المتناثر منها في البيوت بين الامتعة وعلى الرفوف والطاولات, بحيث تمتد اليها الأيدي النظيفة والبريئة دون ادنى حس او شعور منا بحدوث امر خطير او حتى ما يستحق الانتباه. وقد نتوقف احيانا عندما نحس فجأة بأن مئات الدراهم بدأت تنسل من بين أيدينا على غرار الدرهم والدرهمين سواء عن طريق الابناء او الخدم الذين نبالغ جدا في درجة الثقة بهم الى حد اللامبالاة, فمتى استهنا بالدرهم والدرهمين فان التعود على هذا يكون لدى الطرف المجني عليه سلوك عادي لا يختلف عن التدخين اليومي لمن لا يملك ترك هذه العادة, فهذه كذلك سرقة لصحة الانسان من نفسه مع انه في كامل وعيه ومع ذلك لا يشعر وأحيانا لا يرضى للآخر التدخل في تنبيهه لخطورة سرقة الحياة من روحه. وفي تراثنا شيء من هذا الادمان واضح في عهد علي بن ابي طالب رضي الله عنه عندما جيء بسارق من اجل اقامة حد السرقة عليه وبعد اكتمال شروط القطع وتنفيذ الحكم, اراد علي ان يأخذ من فم الرجل تصريحا فتنحى معه جانبا فقال له: قل لي بالله عليك أهي المرة الاولى التي تسرق فيها؟ قال: لا والله الذي لا اله الا هو, أصدقك القول فانها المرة العشرون. قال علي: سبحانك ما أرحمك سترت عليه مرات ومرات ولكنه أبى الا ان يفضح نفسه ولم يبال بستر ربه. هذه النوعية من السرقة لا يستطيع صاحبها ان يتوقف عنها الا باجراء رادع يوقف لديه حب الشر ويقطعه من جذوره. تذكرت هذا الامر وانا اتصفح واقرأ الحوادث اليومية التي تنشر في صحفنا المحلية وغيرها فلمحت خبرا يشير الى القبض على لص عاد للسرقة في اليوم الذي خرج فيه من السجن. فهذا السارق من النوع الذي يده تأكله ولا يستطيع ان يمسكها عند حدها الا باطعامها واشباعها بالمسروقات, والا فان السجن والغرامة تلو الاخرى لا تجدي لوقف الادمان الذي يمارسه المتخصصون في السرقة بخفة اليد الجانية على نفسها. ويؤكد هذا ما قرأناه في احدى المجلات الاجنبية عن رجل مارس السرقة اربعمائة مرة قبل ان يقع في يد العدالة وكان منزله من بين البيوت التي سرقت كما اعترف هو في حوار مطول. وفي كل مرة كان يسرق فيها لم تتعد عملية السرقة لديه اكثر من خمس دقائق وذلك اذا ما طالت المدة والا فان مهارته كانت لا توصف, ومع ذلك لم تنفعه خفة يده هذه يوم القبض عليه.

Email